لميس فرحات: كانت وزيرة العدل السابقة رشيدة داتي مثالاً لما يمكن للمحرومين في فرنسا أن يحققوه إذا بذلوا جهدًا كافيًا. وتعود اليوم من منفاها السياسي للظهور مجدداً بعدما وصفت بأنها النسخة الفرنسية لقصة الرئيس الأميركي باراك أوباما.

نشرت صحيفة الـ quot;لوس انجلوس تايمزquot; مقالاً عن سيرة رشيدة داتي، الطفلة المنحدرة من مهاجرَين أميَين من شمال أفريقيا، التي تغلبت على الفقر لتصل إلى أعلى المناصب في فرنسا. إضافة إلى الحيوية والثقة والطموح الكبير، أشارت الصحيفة إلى أن وزيرة العدل السابقة تتمتع بذوق رفيع في انتقاء الملابس والأحذية، ما يضفي على شخصيتها سحراً غامضاً شبيهاً بأيقونات الموضة الأميركيات، إنما بالنكهة الفرنسية.

تعتبر داتي واحدة من quot;الساركوزياتquot;، مجموعة من النساء الشابات من خلفيات عرقية مختلفة اللواتي اختارهن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في حكومته للتدليل على التزامه بالتنوع وكان يلقبها بـ quot;فتاتي العربية الصغيرةquot;.

وكان نجاح رشيدة داتي جديرًا بالملاحظة، إذ إن عددًا قليلاً من مسلمي فرنسا، البالغ عددهم ستة ملايين، يتقلدون مناصب مسؤولة في الحكومة أو السلك الأكاديمي أو التجارة أو الإعلام.

لكن سقوطها كان سريعًا كصعودها، فالوزيرة العزباء أعلنت عن حملها رافضة الكشف عن هوية الأب، ما أطلق سيلاً من التكهنات والشائعات. ثم اتهمت بالوقوف وراء بعض الشائعات التي طالت الرئيس ساركوزي حول علاقته الزوجية المتأزمة -الأمر الذي نفته- فأُرسلت للعمل في البرلمان الأوروبي، البديل الفرنسي للنفي.

واليوم، بعد عامين من التيه السياسي، عادت داتي لتتصدر عناوين الصحف الفرنسية، ما يؤكد على أنها تسير بخطى واثقة نحو استعادة بريقها السياسي من جديد. وستبدأ في الأسابيع القليلة المقبلة حملة لساركوزي للانتخابات الرئاسية في الربيع المقبل، وتعتزم الحصول على مقعد في البرلمان في الوقت نفسه تقريبًا.

تشغل داتي حاليًا منصب رئيسة البلدية المنتخبة لدائرة باريس السابعة الراقية، وتسعى إلى أن تصبح عمدة كل باريس في العام 2014، ما يعتبر قفزة نوعية للوصول إلى قصر الإليزيه وبعبارة أخرى منصب الرئاسة.

وأشارت quot;لوس أنجلوس تايمزquot; إلى أن داتي تتمتع بجاذبية تثير إعجاب الفرنسيين، ومجرد رؤيتها يجعل الناس يتوافدون لمصافحتها. كما إن طموحها ونجوميتها ليسا موقع شك، لكن يبقى السؤال ما إذا كان لديها النضج والقدرة على الوصول إلى قمة السلطة السياسية الفرنسية؟.

رداً على سؤال عما إذا كانت تنوي الترشح لمنصب رئيس الجمهورية يوماً ما، تجيب داتي: quot;لم لا، اذا كنت استطيع ان أفعل شيئاً لبلدي فما المانع؟quot;، ثم تضيف: لكن الامر معقد. برأيها، quot;فرنسا مستعدة لرئيسة، بعكس الطبقة السياسية الفرنسيةquot;، وتستدرك قائلة: quot;لكن لو قيل لأحدهم قبل بضع سنوات أن امرأة من عائلة مهاجرة فقيرة ستصبح وزيرة العدل، لاعتبر الأمر مستحيلاًquot;.

يذكر أن داتي من مواليد عام 1965، وهي واحدة من 12 طفلاً لعامل بناء مسلم من المغرب وأم جزائرية. وكانت صعبة المراس في طفولتها. درست الطب، لكنها تحولت إلى إدارة الأعمال، وحصلت على إجازة في الاقتصاد والقانون. عملت محاسبة في شركة quot;إلفquot; الفرنسية للنفط قبل أن تتأهل لتصبح قاضية في أحد المحاكم الفرنسية.

تولت عام 2002 منصب مستشارة ساركوزي، وأثناء الحملة الانتخابية عام 2007 أصبحت المتحدثة الرسمية باسمه. وعندما فاز برئاسة الجمهورية كانت مكافأتها منصب وزيرة العدل في حكومته. انطلقت داتي في عملها بجهود حثيثة لإجراء الإصلاحات التي وعد بها الرئيس ساركوزي خلال حملته الانتخابية، بما في ذلك إعادة هيكلة نظام المحاكم الفرنسية وجعل القوانين أكثر صرامة في الحكم على القاصرين ومنفذي الاعتداءات المتكررة.

إلا ان رئيس هيئة موظفي داتي قدم استقالته بعد شهر من تعيينها، واتهمها بأنها استبدادية، ومن المستحيل التعامل معها. لكنها رفضت هذه الانتقادات معتبرة أنها ناتجة من الغيرة أو الازدراء بسبب خلفيتها quot;الأجنبيةquot;. وعندما أعلنت وزيرة العدل الفرنسية عن حملها رافضة الكشف عن هوية الوالد، برزت تكهنات عدة في هذا الإطار، منها أن رئيس وزراء إسبانيا السابق خوسيه ماريا ازنار هو والد الطفل، لكنه نفى الأمر علناً.

بعد انجاب طفلتها زهرة عام 2009، ارتدت داتي (43 سنة حينها) ملابسها وحذاء بكعب عال، وعادت إلى العمل، مما أثار ضجة جديدة حول ما إذا كانت قد خانت قضية المرأة العاملة من خلال عدم أخذ إجازة أمومة.

بالرغم من كل الانتقادات التي طالتها، تعود داتي اليوم نجمة تستعيد بريقها شيئاً فشيئاً، وتقول: quot;طفلتي هي أساس حياتي. والتوفيق بين الوظيفة والعمل المنزلي مسألة معقدة، لكن أعتقد أنني تمكنت من تحقيق التوازن الصحيح بين المكتب والمنزلquot;. وتؤكد داتي: quot;لن أكون متأففة، انها مجرد مسألة تنظيم. ولم أفكر لدقيقة واحدة أن أتخلى عن عمليquot;.