فرضت المجاعة التي يعيشها الآن الآلاف من الصوماليين خيارات قاسية ومستحيلة على الأسر التي لا تقوى على توفير سبل العيش لها ولأبنائها، خصوصاً ذوي الأعمار السنية الصغيرة. فما أصعب أن تتخذ أم قراراً بترك ابنها الصغير يواجه مصيره على قارعة الطريق، وتغادره وهي تعلم أنه بحاجة لطعام وشراب، وذلك من فرط شعورها بالتعب والإحساس بعدم القدرة على تلبية احتياجات طفل لا حول له ولا قوة.

لكن هذا، للأسف الشديد، هو ما حدث بالفعل مع تلك الأم التي تدعى واردو محمد يوسف، التي تبلغ من العمر 29 عاماً، والتي اضطرت للإقدام على هذا التصرف الغريب، بعد أن فاض بها الكيل، ولم تجد من يساعدها خلال رحلة فرارها من براثن الجوع والجفاف برفقة ابنها هذا الذي يبلغ من العمر أربعة أعوام ورضيعة تبلغ من العمر عاماً.

ونقلت وكالة الأسوشيتد برس عن واردو، خلال تواجدها بمعسكر مكتظ باللاجئين في داداب بكينيا، قولها: quot;قررت أخيراً أن أتركه لربه على الطريق. أنا متأكدة من أنه لا يزال على قيد الحياة، وهذه هي حسرتي. لم يسبق لي أن واجهت ورطة كهذه طيلة حياتي. وأنا إذ أسترجع الآن آلام التخلي عن ابني. حيث أستيقظ ليلاً لأفكر فيه. ويراودني شعوراً بالرعب كلما رأيت ابناً في نفس عمرهquot;. من جانبه، أكد دكتور جون كيفيلينغ، أخصائي الصحة العقلية لدى لجنة الإنقاذ الدولية في داداب، على حقيقة الضغوطات الشديدة التي يواجهها الآباء والأمهات الصوماليون في تلك الظروف.

وقال كيفيلينغ في هذا السياق: quot;هذا رد فعل طبيعي تجاه هذا الموقف غير الطبيعي. فلا يمكنهم المكوث والانتظار ليموتوا سوياً. لكن بعد شهر، سيعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، وهو ما يعني أنهم سيعانون مما يعرف باجترار الذكريات وكذلك الكوابيس. فصورة الأطفال الذين تخلوا عنهم ستأتيهم وتطاردهم. كما سيواجهون متاعب أثناء النوم، وسيعانون في الوقت ذاته كذلك من مشكلات اجتماعيةquot;.

وتشير تقديرات خاصة بالولايات المتحدة، وفقاً لما ذكرته اليوم صحيفة واشنطن بوست الأميركية، إلى أن أكثر من 29 ألف طفل صومالي دون الخامسة قد توفوا بسبب المجاعة خلال الأشهر الثلاثة الماضية. كما تُرِك عدد غير معلوم من الأطفال بعد فقدانهم القدرة على المشي، وذلك بعد أن نفذت الإمدادات الخاصة بالطعام والمياه.

وقالت فادوما ساكو عبد الله، أرملة تبلغ من العمر 29 عاماً، التي كانت في طريقها إلى داداب برفقة رضيعها وأطفال آخرين يبلغون من العمر عامين وثلاثة وأربعة وخمسة أعوام، إنهم وقبل وصول معسكر اللاجئين بيوم واحد فقط، لم يتمكن ابنها، 5 أعوام، وابنتها، 4 أعوام، من الاستيقاظ بعد الحصول على فترة راحة قصيرة. وأوضحت أنها لم تكن ترغب في إهدار كمية المياه المحدودة التي تحتفظ بها في إناء سعته 5 لترات على أطفال يموتون، في وقت كان يحتاجها الأطفال الصغار.

ولفتت أيضاً إلى أنها لم تكن ترغب في الانتظار لمدة طويلة، حتى يبدأ باقي الأطفال في الشعور بنفس الأعراض، وهو ما اضطرها للنهوض والسير خطوات قليلة، ثم عادت على أمل أن تجد صغارها مازالوا في الواقع على قيد الحياة. وبعد فترة، تركت طفليها أسفل إحدى الأشجار، غير متأكدة ما إن كانت هناك إمكانية لإنعاشهم أم لا.

وأشارت الصحيفة إلى أن هناك أكثر من 12 مليون شخص في شرق إفريقيا بحاجة للحصول على مساعدات غذائية، بسبب موجة الجفاف الشديدة الحاصلة هناك. وتقول الأمم المتحدة إن 2.8 مليون شخص من هؤلاء يحتاجون لمساعدات فورية لإنقاذ حياتهم، بما في ذلك أكثر من 450 ألف في مناطق المجاعات المنتشرة بالصومال.

وقال أحمد جعفر نور، وهو أب يبلغ من العمر 50 عاماً لسبعة أبناء، إنه اضطر رفقة ابنه، 14 عاماً، وابنته، 13 عاماً، بعد يومين من توجههم لكينيا إلى الجلوس أسفل شجرة ضخمة، بعد أن نفذ مخزون الماء الذي كان بحوزتهم، حيث كانوا جوعى وعطشى ومتعبين. وتابع quot; اضطررت لتركهما يواجهان مصيرهما، بدلاً من أن نموت جميعاً، خصوصاً بعد أن فكرت في باقي الأطفال الخمسة وكذلك أمهم الذين تركتهم في المنزل. وقلت لنفسي ( أنقذوا حياتكم لمصلحة الخمسة الآخرين. وهذان الطفلان لهما ربهما). وكان ذلك هو أسوأ شيء مررت به في حياتي. فما أصعب أن أتخلى عن أولادي الذين يعتبرون جزءً مني. ومن وقتها، وصورهم لا تفارقنيquot;.