تغيرات كبرى في طريقة شنّ الحروب مستقبلاً

يبدو أن الحروب في المستقبل لن تكون مماثلة لما هو عليه الحال الآن، وستكون هناك تغييرات جذرية تعمل بشكل أساسي على التطور التكنولوجي الهائل، وبدأت بالفعل تحولات عسكرية مهمة تدخل حيز التنفيذ.


في وقت سبق أن أكد فيه الفيزيائي الدنماركي الشهير، نيلز بوهر، على صعوبة التنبؤ، خصوصاً إن كان الأمر متعلقًا بالمستقبل، فإننا بحاجة إلى أن نكون على دراية تامة بالأحداث المستقبلية.

قالت في هذا السياق مجلة quot;فورين بوليسيquot; الأميركية إن تسارع وتيرة التقدم التكنولوجي، وانتشاره على نهجه الحالي نفسه، يقدم أدلة على بعض الأحداث الكبرى، التي يحتمل حدوثها مستقبلاً في مجال الحروب.

ولفتت المجلة إلى أن تحولات عسكرية مهمة بدأت تدخل حيز التنفيذ بالفعل، وهي التحولات التي سيكون من الصعب، بل من المستحيل، تغييرها أو إلغاؤها. لكن للأسف أن تلك التطورات، مقترنةً بغيرها من التطورات الاقتصادية والجيوسياسية والديموغرافية، بدت من المحتمل أنها ستجعل العالم مكاناً يقلّ فيه الاستقرار وتتزايد فيه الأخطار.

تحدثت المجلة في تلك الجزئية عن فقدان الجيش الأميركي شبه احتكاره على حرب الذخيرة الموجهة بدقة، والذي ظل يحظى به منذ حرب الخليج قبل عقدين، وتحول الأمر الآن إلى مصلحة الصين، التي باتت تجري عددًا كبيرًا من التجارب الميدانية على الصواريخ الباليستية وصورايخ كروز الموجهة بدقة، وغيرها كذلك من الذخيرة الذكية.

وأوضحت فورين بوليسي أن بمقدور الصين استخدام تلك الذخيرة لتهديد القواعد الأميركية الكبرى القليلة المتبقية في غرب المحيط الهادي، وعلى نحو متزايد، لاستهداف السفن الحربية الأميركية.

على غرار بكين، بدأت تستثمر إيران في ثورة الأسلحة الموجهة بدقة، لكن بمستوى منخفض، حيث اشتملت مشترياتها على صواريخ كروز مضادة للسفن وكذلك ألغام ذكية مضادة للسفن. ومع اتضاح تلك التوجهات، يمكننا معرفة أنه مع مطلع العقد المقبل، ستصبح أجزاء كبيرة من غرب المحيط الهادئ، وكذلك الخليج العربي، بمثابة المناطق المحظورة على الجيش الأميركي.

بعدها، انتقلت المجلة للحديث عن دخول الجماعات والتنظيمات غير الحكومية في اللعبة، مشيرةً في هذا الجانب إلى قيام حزب الله اللبناني خلال الحرب التي خاضها عام 2006 ضد إسرائيل بإطلاق أكثر من 4000 قذيفة طراز quot;RAMM quot; بصورة غير دقيقة نسبياً داخل إسرائيل، ما أسفر عن إجلاء ما لا يقل عن 300 ألف إسرائيلي من منازلهم، وحدوث اختلالات كبرى في اقتصاد الكيان الصهيوني.

لكن مع استمرار انتشار الذخائر الموجهة، سوف تتحول الحرب غير النظامية إلى درجة إن تهديدات القنابل التي تزرع على جانبي الطريق، وتنفق الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات لمواجهتها في العراق وأفغانستان، قد تبدو تافهة بالمقارنة.

وتابعت المجلة بقولها إن انتشار الأسلحة النووية إلى دول العالم النامي لا يقل إزعاجاً عن الخطر الآنف ذكره. وإن نجحت إيران في أن تصبح قوة نووية، فإن الضغوط التي تُمَارَس على الدول العربية الكبرى وكذلك تركيا للسير على النهج نفسه، من المرجح أن تثبت أنها ضغوط مغرية، ولا يمكن مقاومتها. بيد أن المجلة أشارت إلى أن الخطر الأكبر المتعلق بشنّ هجوم كارثي على الأراضي الأميركية لا يُرجَّح قدومه من الصواريخ النووية، بل من هجمات إلكترونية تجري بسرعة الضوء.

وأضافت المجلة أن الولايات المتحدة، التي تملك بنية تحتية إلكترونية مدنية متقدمة، لكن تحظر على جيشها الدفاع عنها، ستثبت أنها هدف جذاب للغاية، لاسيما بالنظر إلى أن عمليات إسناد الهجمات لمرتكبيها لا تكون سريعة أو سهلة جداً. وكما هي الحال في عالم الإنترنت، فإن التقدم الكبير الذي تم إحرازه على صعيد التكنولوجيا الحيوية، والذي يبدو واعداً لتحسين حالة الإنسان، قادر على التسبب في معاناة لا تحصى.

وكما هي الحال في عالم الإنترنت، فسوف تزيد مثل هذه التطورات التكنولوجية بشكل سريع من القوة التدميرية المحتملة لمجموعات صغيرة، وهي الظاهرة التي يمكن وصفها بأنها quot;دمقرطة الدمارquot;. كما لفتت المجلة إلى أن الاستقرار الدولي بدأ يتعرض هو الآخر لخطر متزايد، بسبب وجود نقاط ضعف هيكلية في النظام الاقتصادي العالمي.

ومع تزايد التحديات التي تواجه النظام العالمي في النطاق، وتحولها في الشكل، أخذت وسائل التصدي لها في الانخفاض فعلياً. وخلاصة القول هي إن الولايات المتحدة وحلفاءها معرضون لخطر فقدان قدراتهم العسكرية، في وقت تتكون التهديدات الجديدة على الأمن العالمي بصورة أسرع من طرق مواجهتها.