تنتشر النرجيلة بشكل كبير في الجزائر، حيث اقتحمت مجالس المجتمع المحلي وصار استهلاكها يستهوي الكثيرين لا سيما الشباب من الجنسين، ويشدد من تحدثوا لـquot;إيلافquot; على أنّ النرجيلة صارت مفضّلة لكونها تشكّل عنوانا للهروب من الواقع المحلي بتخبطاته وانكساراته.


النرجيلة صارت عادة جزائرية بامتياز

الجزائر: يقول الحاج عثمان إنّ قدماء العثمانيين هم من أدخلوا النرجيلة إلى الجزائر في القرن الخامس عشر، قبل أن تختفي تدريجياً مع احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830، ويشرح عثمان (68 عاما) أنّ قدح النرجيلة لدى المخضرمين كان يتكوّن من خلطة تبغ طبيعي يُضاف إليها المزيد من طعم الفواكه، وهو تقليدما زال قائمًا إلى اليوم مع إضافة المعسل.

ويقدّر الكهل الهاشمي الذي يواظب على استهلاك النرجيلة وتقديمها لضيوفه في حي العقيبة الشعبي وسط العاصمة، إنّ النرجيلة صارت عادة جزائرية بامتياز، ولا ينبغي تقديمها على أنّها quot;أكسسوار مستوردquot;، لافتا إلى أنّ مواطنيه يرون في النرجيلة quot;دواء وشفاءquot; ويرفضون التسليم بكون تدخينها quot;مؤذياquot; وquot;مضرّاquot;.

وبعد زوالها لفترة معيّنة، واقتصارها قبيل تسعينات القرن الماضي على مجالس فئة محدودة، غالبيتهم ممن تابعوا دراستهم في المشرق وعاشوا هناك لفترات، عادت النرجيلة بقوة يعزوها كمال (35 عاماً) إلى أصحاب السوق السوداء الناشطين على الحدود الشرقية للبلاد الذين أغرقوا الأسواق الداخلية بها.

وأضحت quot;النرجيلةquot; كما يحب الشباب تسميتها quot;موضةquot; واسعة الانتشار ليس في صالونات الشاي الفخمة فحسب، بل وحتى في المقاهي الشعبية، وتعدت quot;النرجيلةquot; حدود الجزائر العاصمة، حيث صارت تستهلك في عموم المدن الكبرى كقسنطينة ووهران وغيرهما، ويفضل الغالبية استهلاكها وسط مجالس عامرة بالصالونات والمقاهي خلافا لبعض المرفهين الذين يتعاطونها بمنازلهم.

quot;هنا النرجيلة متوفرةquot;

وعمد كثير من أصحاب المقاهي والصالونات إلى تعليق يافطات كُتب عليها بالبنط العريض quot;هنا النرجيلة متوفرةquot; بينما تنامت quot;مقاهي النرجيلةquot; كالفطر، بهذا الشأن، يشير رشيد الذي يدير صالون شاي في ضاحية باب الزوار quot;النرجيلة صارت مطلوبة بكثرة، ما دفعنا إلى توفيرها لزبائننا الذين يتهافتون عليهاquot;.

وفيما يحبّذ مهووسون بالنرجيلة ملء الجرة ماء ووضع جمرات من الفحم وإضافة المعسل، لا يجد سليم وفوزي ونبيل وهم شباب ينشطون في التجارة، حرجًا من الإقرار بإدمانهم على النرجيلة التي يفضلونها بالمعسّل مع قدر من الليمون ممزوج بدبس السكر، ما يجعلها تلفظ quot;روائح زكيةquot; على حد وصفهم، وتبدأ جلسات الثلاثة بحدود الثامنة ليلاً وقد تستمر إلى ما بعد منتصف الليل، يتخللها تدخين غير محدود للنرجيلة، وتنتهي باستسلام تام لسلطة النوم.

ويرفض سمير وأحمد الرأي القائل إنّ النرجيلة مخدّرة، ويؤكدان أنّهما لا يبتلعان دخانها، بل يكتفيان بشم نكهتها فقط، في حين يقول حبيب (48 عاماً): quot;النرجيلة متعة حقيقية، وتتيح استنشاق أنفاس عميقة بنكهات متعددةquot;، بينما يردف صديقه حمزة (45 عاماً): quot;نحن نواظب على استهلاك النرجيلة في صالون الشاي في حيّنا، هي أكثر من مجرد تدخين، الأمر يتعلق بطقس حميمي مع الأحبابquot;، فيما يعلق فارس (26 عامًا) الذي كان منخرطًا هو الآخر في جلسة quot;نرجيليةquot; على حد تعبيره، فاعتبر المسألة تساعد بحسبه على منح الذهن مزيدًا من الصفاء والاسترخاء بعيدًا عن هموم الحياة.

وتكشف الشابتان دليلة وهاجر عن تدخينهما النرجيلة منذ سنتين وترافعان لصالحها كعادة quot;إيجابيةquot; تحبانها كثيرًا ولا تصطدم بأي ممانعة من عائلتيهما، كما تبرز زميلتهما حياة إنّ تدخين النرجيلة لا يزعجها البتة، ولا ترى في الظاهرة quot;قبحًاquot; خلافا لعادة تعاطي quot;السعوطquot; أو quot;الشمةquot; التي تفرز ألواناً من الاشمئزاز واللاقبول، تماما مثل تدخين السجائر العادية.

هروب من الواقع

النرجيلة صارت محض هروب من الواقع

ويلاحظ الخبير الاجتماعي quot;فاروق مدّاسquot; أنّ النرجيلة صارت في المخيال الجزائري quot;محض هروب من الواقعquot;، مضيفاً أنّ هناك حالة من القبول للنرجيلة في أوساط المجتمع المحلي، وخلافا للتقزز من quot;السجائرquot; وquot;الشمّةquot;، لا يبدي مواطنوه اعتراضاً بمن فيهم النساء، وصار عادياً أن يقوم أحدهم أو إحداهنّ بتدخين النرجيلة، دونما أن يجابه ذاك السلوك باعتراض من هذا وذاك.

ويشير أصحاب المقاهي والصالونات إلى أنّ تزايد الإقبال على استهلاك الشيشة يدرّ عليهم أرباحا طائلة، الأمر الذي حفّز عديد المقاهي ذات الطابع الغربي على إضافة خدمة النرجيلة، ويبدي كريم الذي يملك قاعة شاي في حي سيدي يحيى الراقي، سعادته بكون النرجيلة صارت مثل الخبز في أعين مواطنيه، وحتى الأجانب المقيمين في الجزائر.

ويتراوح سعر استعمال النرجيلة في المقاهي والصالونات بين ثلاثمائة وثمانمائة دينار (ما يعادل 7 إلى 11 دولارا) وذلك بحسب مستوى المكان ونوعية الخدمات المقدّمة، ويصل سعرها في المتاجر إلى خمسة آلاف دينار (بحدود 62 دولارا) وذلك دون احتساب قيمتي المعسل والفحم.

ورغم تأكيد جمهور الأطباء أنّ تدخين النرجيلة أخطر من تدخين السيجارة، احتكاما لاحتواء النرجيلة على مواد سامة ومتسببة بالاصابة بالسرطان، فضلا عن تضمنها كمية كبيرة من منوكسيد الكاربون والزفت، وتركيز quot;سليم نافتيquot; وquot;جمال اسكندرquot; على أنّ النرجيلة تنطوي على خطر بالغ على الصحة العامة، إلاّ أنّ الشباب وحتى المتقدمين في السن من الجنسين يعتقدون أنّ تأثيرها أقل من السجائر، لذا يصممون على الاستمرار في استهلاك النرجيلة في قاعات الشاي وباحات المنازل.

ويدافع من استجوبناهم بكون النرجيلة تمنحهم متعة جماعية طيبة وتسليهم، بينما يراها آخرون مدعاة للمفاخرة والتباهي، رغم عدم إجازة رجال الدين في الجزائر للنرجيلة وتوابعها.