عرف المصريون الشيشة أو النرجيلة في بداية القرن التاسع عشر، عندما أهدى السلطان العثماني لمحمد علي والي مصر شيشة للتدخين، وظلت الشيشة أداة للتدخين لدى النخبة، ثم سرعان ما اكتسبت شعبية طاغية لدى المصريين.


ارتبطت الشيشة في أذهان الكثير من السياح الأجانب بسحر الشرق، ولم تعد مجرد أداة للتدخين، أو quot;تظبيط المزاجquot;، بل صارت أحد المعالم السياحية، وصناعة رائجة ويتم تصديرها للخارج سواء بلاد الخليج العربي أو بلاد أوروبا حيث تلقى إقبالاً هناك.

ولكن تلك المنافع لا تقارن بمضارها الكثيرة، حيث تستخدم أيضاً في تدخين المخدرات. وعبثاً حاولت الحكومات المصرية المتعاقبة مكافحتها، ولكن في كل مرة كانت تسن فيها القوانين كانت تزداد هي إنتشاراً.

95% من رواد المقاهي يدخنون الشيشة

ترتبط الشيشة ارتباطاً وثيقاً بالمقاهي، ولذلك تنتشر الأخيرة بصورة كبيرة جداً، فلا يكاد يخلو شارع أو ميدان في شتى أنحاء مصر منها، وجمعيها بلا استثناء تقدم الشيشة للرواد، ورغم قرار رئيس الوزراء القاضي بعدم منح تراخيص للمقاهي منذ العام 1997، ولكن القرار بقي حبراً على ورق.

وتحظى مناطق وسط القاهرة، ولا سيما الحسين والأزهر والسيدة زينب وجامع السطان حسن، بشهرة خاصة لدى الأجانب وأهل الخليج في ما يخص الشيشة، وتنتشر بها المقاهي بدرجة كبيرة، لدرجة أنها تتجاور، ولا يفصل بينها أي فاصل، وتعتبر تلك المناطق سياحية، ولذلك ترتفع أسعار الشيشة عن مثيلتها في باقي المناطق، وتقترب من أسعار الفنادق ذات الخمس نجوم.

ويعتبر مقهى الفيشاوي أشهر تلك المقاهي، ويقول حسني خيرت quot;عامل الشيشةquot; في أحد المقاهي في منطقة الحسين لـquot;إيلافquot; إن الشيشية تكتسب شهرة واسعة، وتقريباً 95% من الزبائن يطلبونها، ويقصد المنطقة الكثير من السياح الأجانب والعرب، ويقبلون عليها بشكل واضح، وبعضهم يصطحبها معه أثناء العودة لبلاده مرة أخرى.

وأضاف حسني الذي ينتمي إلى محافظة المنيا جنوب القاهرة أن هناك أنواعاً من الشيشة حسب المعسل الخاص بها: منها quot;المعسل العاديquot; مثل الزغلول والقص والبرج، وهذه الأنواع الشعبية، والأشهر هو الزغلول لأنه الأخف على الصدر، أما البرج والقص يقبل عليه أهل الصعيد والريف، لأنه quot;حاميquot;، ويتراوح سعر quot;الحجرquot; الواحد ما بين 2 و7 جنيهات حسب المقهى، بينما الأنواع الأخرى يقبل عليها النساء والأجانب والعرب، وهي المعسل بطعم الفاكهة، وأشهرها نكهاتها: التفاح، العنب، الكوكتيل، و الكرز. وتعتبر تلك الأنواع خفيفة على الصدر، ويخرج منها دخان كثيف، ويتراوح سعر الحجر ما بين 5 و17 جنيهاً. وقد يرتفع إلى 25 جنيها في حالة quot;الحجر الدوبلquot;.

الغرز والشيشة المغمسة

وتتنشر مقاهي صغيرة يعرفونها بـquot;الغرزةquot; في وسط القاهرة والمدن المزدحمة مثل الإسكندرية وبورسعيد والجيزة، وهي محلات قد تصل مساحتها إلى أقل من متر مربع، تكفي لوضع موقد النار لإعداد المشروبات ومنقد الفحم لإعداد الشيشة، ويتم افتراش الشارع بالكراسي، وتعمل من دون ترخيص، وتعتبر الغالبية العظمى من quot;الغرزquot; مشروعاً صغيراً للمهمشين أو العاطلين عن العمل، والنساء المعيلات، حيث إنه غير مكلف ولا يحتاج سوى موقد نار للفحم ولإعداد المشروبات الساخنة مثل الشاي والقهوة.

ويقبل أصحاب quot;المزاج العاليquot; على تلك quot;الغرزquot;، لأن البعض منها يقدم quot;الشيشة المغمسةquot;، أي شيشة بالمخدرات مثل الحشيشة أو quot;البانجوquot;. وتعتبر quot;الغرزquot; هدفاً دائماً لحملات شرطة مكافحة المخدرات.

المخدرات والأفراح والشيشة

وترتبط الشيشة بالمخدرات في أحيان كثيرة، حيث يمكن تدخين المخدرات عليها، ويعتبر مخدر الحشيش الأكثر ارتباطاً بها، ومن عادات الشعب المصري في الأفراح تقديم المخدرات والبيرة إكراماً للضيوف، ولا يكاد يخلو عرس في المناطق الشعبية أو الصعيد أو الريف من المخدرات، ويتم تقديمها على الشيشة، حيث يفترشون الشوارع ويدخنون الحشيش على الشيشة.

وفي هذا الصدد ألقي القبض على أحد الرجال في الجيزة قبل يوم من زفافه، أثناء عودته من إحدى المناطق الشهيرة بتجارة المخدرات، عقب شرائه كمية منها لتقديمها للضيوف والمدعوين في حفل زفافه.

ويقول جمال ـ رفض الكشف عن باقي اسمه ـ وهو عريس جديد، لم يمض على زفافه سوى أسبوعين لـquot;إيلافquot; إن الشيشة والكيف أي المخدرات، quot;واجب لازم يتقدم للمدعوينquot;، وكلمة quot;واجبquot; في العرف المصري تعني quot;الكرمquot;.

وأضاف أن أهل العريس يشترون المخدرات، وخاصة quot;الحشيش النضيفquot;، أي الحشيش الخالي من الشوائب، والبانجو ويقدم للضيوف، مشيراً إلى أنه من النادر أن تجد فرحا أو حفل زفاف يقام في الشارع بأية منطقة شعبية أو في الصعيد بدون الشيشة والكيف، أو السجائر اللف أي المحشوة بالحشيش أو البانجو. ولفت إلى أن هناك بعض المدمنين يتعاطون العقاقير المخدرة على الشيشة مثل الإسبرين أو الترمادول، حيث يتم طحنها جيداً ووضعها على الحجر، لكن فيه خطورة شديدة، ولكن ذلك لا يحدث في الأفراح.

الجوزة

وإذا كانت الشيشة تنتشر في المدن فإن الجوزة هي الأكثر انتشاراً في الريف، ويمكن للشخص أن يصنعها بنفسه، وهي عبارة عن قارورة زجاجية صغيرة وعود غاب مفرغ وماسورة صغيرة وقاعدة لحجر المعسل، ويتم تدخين المعسل عليها.

طقوس الشيشة

ولتدخين الشيشة طقوس خاصة لدى البعض من عشاقها، فمثلاً يقوم البعض بتدخينها في المنزل، ولا تشرب إلا مع الشاي بالنعناع، ويضع الليمون والنعناع الأخضر في الماء الخاص بها وهناك من يفضل أن يكون الماء الموجود في quot;الفارغةquot; مثلجا ومضافاً إلى النعناع أو قطع الليمون.

البنات والشيشة

ورغم قرارات حظر تدخين الشيشة في الأماكن العامة، وإلزام المقاهي بتخصيص الأمكنة المغلقة لتدخينها، إلا أنها تزداد إنتشاراً، وتضم فئات جديدة إليها، وتعتبر الفتيات والنساء هن الأكثر إنضماماً لمدخني الشيشة طوال السنوات القليلة الماضية، ووفقاً لدراسة للجمعية المصرية لمكافحة الإدمان فإن نسبة النساء المدخنات للشيشة ارتفع خلال السنوات الثلاث الماضية بمعدل 3 إلى 10 إلى 30%، مشيرة إلى أن عدد النساء المدخنات للشيشة يزداد بشكل كبير.

وأطلقت الجمعية عدة حملات لمكافحة تدخين المرأة للشيشة منها quot;المرأة في خطر... لا للشيشةquot;، وquot;احترسي... الشيشة تسرق أنوثتك وأمومتكquot;، quot;العار وبنات الشيشةquot; لكنها لم تؤت ثمارها، ما يستدعي قيام خبراء علم الإجتماع بدراسة الظاهرة.

صناعة رائجة

والشيشة ليست أداة للتدخين فقط، بل صناعة رائجة في مصر، ويتم تصديرها للخارج أيضاً، وتنتشر ورش تصنيع الشيشة في مناطق الحسين والجمالية والعتبة وسط القاهرة، ويقول سمير الشيشي أحد أشهر صناع الشيشة في مصر لـquot;إيلافquot; مفاخراً إن عائلته أول من أدخل الشيشة لمصر، ولذلك ارتبط لقبها بالشيشة، إن الشيشة المصرية مميزة جدا بمتانتها ونقوشها العربية، مشيراً إلى أن الشيشة تصنع على مراحل، حيث يتم تصنيع quot;الفارغةquot; أي القارورة الزجاجية ويتم تصنيع قاعدة مطاطية لها، من أجل حمايتها من الكسر عند وضعها على الأرض، ثم يصنع quot;القلبquot; من النحاس أو الصلب الرقيق غير القابل للكسر، ثم صنع quot;الليquot; من المطاط ثم يصنع quot;المبسمquot; من البلاستيك النقي أو الزجاج أو الصلب أو النحاس.

ولفت الشيشي إلى أن مصر تصدر الشيشة إلى دول الخليج ولا سيما قطر والإمارات والبحرين، وإلى دول أوروبية مثل النمسا وألمانيا وهولندا وبريطانيا، بالإضافة إلى دول شرق أسيا مثل ماليزيا. ونوه بأن أسعار الشيشة العادية تتراوح ما بين 60 و250 جنيهاً، وهناك شيش تصنع خصيصاً لبعض الزبائن ويطلبون فيها خامات ونقوش مميزة، وعادة يطلبها رجال الأعمال والأمراء، مشيراً إلى أنه صنع شيشة لأحد الأمراء كان quot;القلبquot; من النحاس الخالص المطلي بماء الذهب، وتكلفت نحو سبعة آلاف جنيه.