الرئيس التونسي المنصف المرزوقي

قام الرئيس التونسي المنصف المرزوقي بأول زيارة رسمية له خارج البلاد منذ انتخابه رئيسًا للجمهورية، وتوجّه إلى ليبيا في زيارة دامت يومين، أعرب خلالها عن ترابط الدولتين على الأصعدة كافة. ومن المنتظر أن تكون لهذه الزيارة نتائج إيجابية للشعبين.


تونس: في أول زيارة خارجية رسمية له بعد انتخابه رئيسًا للجمهورية التونسية، توجّه المنصف المرزوقي إلى ليبيا، وأعرب عن عمق العلاقات التاريخية، التي تربط البلدين الشقيقين تونس وليبيا، فكل منهما بحاجة الآن إلى الآخر أكثر من أي وقت مضى. وأكد على أنّ زيارته هذه تأتي في سياق وضع اللبنات الأولى لعهد جديد من الوفاق المشترك، المبني على التواصل الإيجابي في العديد من المجالات، وخاصة الإقتصادي والإجتماعي والسياسي والأمني.

ولأن هذه الزيارة تحمل بعدًا سياسيًا، فقد أكد المرزوقي: quot;مثلما يريد التونسيون استرجاع بن علي من السعودية، فللشعب الليبي الحق في استرجاع المحمودي، ولكن على أرضية محاكمة عادلة وقانونية، تحمى فيها الحرمة الجسديةquot;. وأشار إلى أنّ عفوًا عامًا سيصدر في 14 كانون الثاني (يناير) الجاري سيشمل السجناء الليبيين في تونس، والذين تورّطوا في تجاوزات بسيطة.

على المستوى الإقتصادي، فقد بيّن د. المرزوقي أنّ زيارة مرتقبة سيقوم بها قريبًا رئيس الحكومة حمادي الجبالي إلى ليبياتهدف إلىالتأكيد على عمق العلاقات التونسية الليبية، وتفعيل الاتفاقيات المبرمة سابقًا بين البلدين، كالإتفاقيات الإقتصادية.

هذه الزيارة جاءت مباشرة بعد قيام مجموعة ليبية مسلحة وخارجة عن القانون باختطاف رئيس مركز للحرس الحدودي بين البلدين ليل الأحد الماضي، ثم عاودت مجموعة أخرى الهجوم على مركز حدودي آخر ليل الإثنين، وهو ما جعل فريقًا أمنيًا يرافق المرزوقي إلى ليبيا، كما الفريقين السياسي والإقتصادي.

وقد أكد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الإنتقالي الليبي أنّ هذه الحادثة فردية، ولا تعبّر عن عدم رغبة الشعب الليبي في إقامة شراكة حقيقية بين البلدين الشقيقين.

رئيسة منظمة الأعراف وداد بوشماوي، التي رافقت المرزوقي في زيارته إلى ليبيا، أكدت لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أنّ تونس ستعمل على تفعيل ما يسمّى بالحريات الأربع، وهي حرية التنقل والإقامة والعمل والملكية.

وأضافت بوشماوي رئيسة الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية إنّ اللقاء مع أعضاء المجلس الوطني الانتقالي الليبي تمحور حول كيفية إنشاء اتفاقية تعاون بين اتحاد الصناعة والتجارة التونسي، واتحاد الغرف الليبي، وفتح مكتب لأصحاب الأعمال الليبيين في منظمة الأعراف، وإحداث منتدى دائم بين الجانبين، إضافة إلى تبادل الخبرات وتحرير تبادل السلع.

من جانبه، أكد رفيق عبد السلاموزير الشؤون الخارجية على ضرورة إقامة تعاون أمني متين مع الأشقاء الليبيين، خاصة أنّ المرحلة المقبلة ستكون إيجابية بكل المقاييس، وستتجاوز الطابع المزاجي، الذي كانت تتسم به في الماضي.

هذه الجوانب السياسية والإقتصادية والأمنية تحدّث عنها الصحافي والمحلل السياسي، صلاح الدين الجورشي، فبيّن أن هذه الزيارة تعتبر تاريخية، لأنها أول زيارة يقوم بها رئيس تونسي منتخب بعد الثورة، سواء في تونس أو ليبيا، كما إنه وللمرة الأولىفي تونس يقوم الرئيس، وبعد انتخابه، بزيارة رسمية خارجية إلى ليبيا، عوضًا من فرنسا أو السعودية أو الجزائر، واختيار ليبيا مفهوم، لأننا نتحدث عن ثورتين تزامنتا، ولكن مع أسبقية التجربة التونسية.

هذه الزيارة تأتي كذلك بعد الموقف العظيم، الذي اتخذه الشعب التونسي تجاه الثورة الليبية، فعلى المستوى السياسي، تعتبر تونس من الدول الأولى، التي اعترفت بالمجلس الوطني الإنتقالي الليبي، وثانيًا، وعلى المستوى الإنساني، فتونس وقفت واحتضنت ما لا يقلّ عن مائة ألف لاجئ ليبي، وثالثًا، وعلى المستوى العسكري، فقد سهلت وكانت تونس إحدى الدول الأساسية، التي مكنت من تسليح الثوار أثناء الثورة الليبية.

ويضيف الجورشي إنه بعد هذه الوقفة التاريخية لتونس مع الشعب الليبي، ينتظر الشعب التونسي، لن أقول مكافأة، ولكن أقول نوعًا من الإرتقاء بمستوى العلاقة بين البلدين إلى مستوى استراتيجي، ومع ذلك هناك عدد من الملفات المفتوحة على المستويات كافة.

عن هذه الملفات المفتوحة يقول صلاح الدين الجورشي: quot;الملف الإقتصادي يبدو الأهم، لأن تونس تضررت كثيرًا أثناء الثورة الليبية، نتيجة تجمّد المبادلات التجارية بين البلدين، وهو ما أثر على التجار والشركات التونسية، والملف الثاني هو ملفّ العمال التونسيين، الذين عادوالدى انطلاق الثورة الليبية، وتركوا ممتلكاتهم ومن دون الحصول على مستحقاتهم، وهؤلاء العمّال ينتظرون الآن من رئيس الجمهورية ومن الحكومة التونسية أن يدافعا عنهم لدى السلطات الليبية وتمكينهم من العودة، والملف الثالث، والذي يشغل التونسيين، هو موقعهم وموقع الشركات التونسية في الملف الضخم، الذي ستنطلق فيه ليبيا، وهو عملية إعادة الإعمار، وهل سيكون للتونسيين نصيب في هذا المشروع.

أما عن الوضع الأمني، فإن الجورشي يرى أنّ هناك مسألتين تطرحان في هذا السياق، المسألة الأولى هي الإجابة عن الأسئلة: من يكون هؤلاء؟، فهم ليسوا أفرادًا، بل عناصر ومجموعات مسلحة، تتحرك في فضاء جغرافي مهم وشاسع، من يقف وراءهم؟، ما هي مطالبهم؟، لماذا يقومون الآن بهذه العمليات؟، نحن حتى الآن لا نملك معلومات دقيقة، وهل الأمر له علاقة برئيس الوزراء الليبي المحمودي المسجون في تونس؟، وهل الأمر له علاقة بابتزاز الطرف التونسي؟، أم بابتزاز الطرف الليبي؟. المسألة الثانية، التي تطرح في هذا السياق، أن تونس تتعرّض للكثير من الإزعاج في هذا المجال، وتعمّ فوضى السلاح ليبيا.

وواضح أنّ الهياكل السياسية المؤقتة في ليبيا لم تستطع السيطرة حتى الآن على الوضع من الناحية الأمنية، حيث إنّ اتحاد ثوار ليبيا، والذي يجمع 70 % منهم، وبعدما تم الإتفاق على اندماجهم في السلطات العسكرية والأمنية، فإذ بهم يطالبون بمطلب سياسي مهم، وهو أن يكون لهم نصيب في المجلس الإنتقالي الليبي بنسبة 40%، وبالتالي فهم يريدون المشاركة في الحكم، وتقاسم السلطة، فهم ليسوا فقط أفرادًا عسكريين، سيطلب منهم العودة إلى ثكناتهم فيلبّون، والآن يريدون أن يكون لهم دور، وبعدما كان لهم دور في الجانب العسكري يريدون التحول إلى طرف سياسي.

ويؤكد الجورشي قائلاً: quot;إلى أن تحسم هذه المسألة، ستبقى هناك تحركات غير محسوبة وخارجة عن نطاق السيطرة، ويبدو الآن أن السلطات الليبية غير مستعدة لأن تقوم بمواجهة مسلحة مع هؤلاء خوفًا من ردود الفعل، وبالتالي انخراطًا كاملاً للأمن داخل ليبيا، وفي انتظار أن يحسم الأمر في هذا السياق سيبقى الوضع غير مستقر، وستتكرر هذه العمليات على الحدود التونسية الليبيةquot;.

وعن جدلية العلاقة بين استتباب الأمن والتبادل التجاري والإقتصادي بين البلدين، يقول الجورشي: quot;لأجل ذلك، يقوم هؤلاء المسلحون بهذه العمليات على الحدود التونسية الليبية، أي إنهم حوّلوا العلاقات التونسية الليبية إلى رهينة، ومن خلال القيام ببعض التجاوزات والإعتداءات على تونس، فهم يضغطون على السلطات الليبية للموافقة على طلباتهم، وبالتالي ابتزازهم سياسيًاquot;.

عنتطلعات الشعب التونسي من خلالهذه الزيارة، يقول صلاح الدين الجورشي: quot;هذا ملف كبير، والمنتظر هو أن تتضح الصورة، لأن هناك رهانًا كبيرًا من الجانب التونسي، والحكومة الحالية لديها رهان في السوق الليبية، لكننا لا نعرف مدى صحة المعلومات التي نملكها عنها، وهل هناك رهان حقيقي على الوضع في ليبيا، وبالتالي على السوق الليبية، التي ستكون حلاً، ولكن إلى أي مدى يمكن أن نستفيد منها، وفي انتظار إجابات محددة من الطرفين الليبي والتونسيخلال هذه الزيارة لرئيس الجمهورية إلى ليبيا، سنعرف بعد أيامماذا تمثل السوق الليبية فعلاً بالنسبة إلىتطلعات التونسيين والحكومة التونسية المؤقتةquot;.

من جانبه أكد الخبير الإقتصادي عبد الرحمن اللاحقة أنّ زيارة رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي إلى ليبيا مهمة جدًا، وتأتي في وقتها: quot;یمكن أن تكون لیبیا ملجأ للعمّال التونسیین، وبالتالي إمكانیة استرجاع الأنفاس للإقتصاد التونسي، حيث یمكن أن یسترجع الآن ما خسره في الفترة الماضیة بسرعة، لأن العلاقات مع لیبیاجيدة جدًا، وھناك تقالید للمعاملات مع الإخوة في لیبیا، التي تمثل طرفًا استراتیجيًا لتونس من خلال المبادلات التجارية والإستثماراتquot;.

وأضاف اللاحقة قائلاً: quot;هذه زيارة مهمّة، وهي اقتصادية بامتياز، حيث من المنتظر أن تنطلق عملیة إعادة الإعمار قريبًا، وحینھا ستكون تونس حاضرة ومشاركة بعدد من مؤسسات المقاولات ذات الخبرة الكبیرة، التي ستقوم بعملیة إعادة الإعمار، وما یقف وراء ھذه العملیة من توفیرفرص عمل لسنوات طویلة، وبالتالي ستخفف ھذه العملیة من الضغط على كاھل الحكومة التونسیة الإنتقالیةquot;.