أطاحت ثورة 25 يناير بنظام حسني مبارك |
يرى مراقبون ومحللون مصريون أن الثورة المصرية، التي أطاحت قبل عام بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، نجحت في تحقيق بعض أهدافها، فيما لم تحقق بعد الجزء الآخر من الأهداف والتطلعات التي قامت من أجلها.
قبل نهاية الشهر الجاري، تحلّ على مصر وشعبها الذكرى الأولى لثورة 25 يناير،التي أطاحت برأس النظام السابق وأعوانه، الذي ظل جاثمًا على أنفاس الشعب المصري ثلاثين عامًا.
ويرى مراقبون أن السنوات العشر الأخيرة من عمر النظام توحّش فيها الفساد، الذي نخر جسد الأمّة المصرية، واستنزف مقدراتها وثرواتها، وجرف عقول علمائها، وأصاب شباب مصر، الذي يمثل أكثر من نسبة 60% من تعداد الشعب، في مقتل.
وقد فجّر ثورة 25 يناير الشباب بدمائهم، وأيّدها الجيش. وقد رفعت الثورة شعارات quot;حرية، كرامة، عدالة اجتماعيةquot;.
في السطور الآتية تستطلع quot;إيلافquot; آراء بعض الخبراء في الإستراتيجية والسياسة والأحزاب لتقويم أداء المشهد الثوري والمجلس العسكري والثوار، وهل استطاعت الثورة تحقيق أهدافها وشعاراتها خلال عام من اندلاعها؟، وما هي التحفظات على اللاعبين الأساسيين في المشهد الثوري؟، وماذا عن مقارنة الثورة المصرية بنظيرتها التونسية، والنتائج التي نخلص إليها؟، وما هي قراءاتهم لمستقبل الثورة المصرية بعد الانتهاء من انتخابات مجلسي الشعب والشورى والرئاسة؟.
إسقاط رأس النظام
يرى الخبير الإستراتيجي لواء د.نبيل فؤاد: أن ثورة 25 يناير نجحت في إسقاط رأس النظام السابق، وهذه هي بداية التغييرات، وأن الثورة لها أهدافها، وليس من الضرورة أن تحقق أهدافها فورًا بعد قيامها، وخلال عام واحد، وذلك لأن هناك عوامل وتحديات داخلية وخارجية وإقليمية ودولية.
لكن ما يمكن التأكيد عليه هو أن التغييرات بعد الثورة تتم، وإن كانت ببطء في بعض الأحيان، لكنها نجحت في تحقيق بعض الأهداف، ويبقى مسألة وقت فقط إنجاز البقية، مضيفًا quot;أما بالنسبة إلى تحقيق أحد أهداف الثورة، وهو quot;العدالة الاجتماعيةquot;، فهذا أمر مستحيل تحقيقه خلال عام واحد، لأن ميراث حسني مبارك ثقيل خلال ثلاثين عامًا، ولكننا الآن على الطريق، وفي سبيلنا إلى تحقيق أهدافنا الراهنة والمستقبلية، ولا رجعة إلى الوراءquot;.
الثوار تفتتوا
حول تقويمه أداء الثوار والمجلس العسكري، أكد فؤاد: أنه بالنسبة إلى الثوار فهذه ثورة شعبية، ولكنها تتصف بسمات معينة، وهي أن الثورة ليست لها قيادة ولا فلسفة ولا برنامج ثوري، لذلك لم تكن واضحة الرؤية، أو تتبلور للثوار، فتفتتوا إلى ائتلافات عديدة،ما أضعف قوتهم، وتجلى ذلك في الانتخابات خلالجولتي مجلس الشعب، لأن من المعروف أن العملية الديمقراطية بدايتهاتكون فيصندوق الانتخابات، وهذا ما كشف عنه من نتائج.
لذلك فإن الثوار لا يلومون إلا أنفسهم، لأنهم سمحوا لقيادات الأحزاب وخلافه باستقطابهم، وساروا في ركابهم ، كما ترك الثوار الحبل على الغارب بالنسبة إلى quot;البلطجيةquot;، واختلط في ما بينهم الحابل بالنابل.
كما اتهم الشعب الثوار، لأنهم تركوا المندسين يدخلون بينهم، حيث كانت توجد لجان شعبية في بداية الثورة، تفتش وتحقق على مداخل ميدان التحرير، لكن الثوار لم يفعلوا ذلك في أحداث شارع محمد محمود أو شارع الشيخ ريحان أو مجلس الوزراء وحرق المجمع العلمي.
تكليف مفاجئ
وأوضح فؤاد أنه بالنسبة إلى أداء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فليست لديه الخبرة في العمل السياسي الداخلي، وما حدث بالنسبة إلى المجلس كان مفاجئًا، وكلفوا بها فجأة من دون تمهيد أو إعداد مسبق، وحاولوا السير بالسفينة ببطء أحيانًا أو بسرعة أحيانًا أخرى.
وقد يكون هناك بطء في اتخاذ القرار، بسبب قيامهم بالدراسة الكافية للقرار، وتحتاج بعض القرارات ضبطًا، كما يختلف المستشارون عن بعضهم، وكل قرار نجد له جبهات مؤيدة، وأخرى معارضة.
لا مقارنة بين الثورتين
بشأن المقارنة بين الثورة المصرية ونظيرتها التونسية، استبعد فؤاد المقارنة بين الثورتين، لأن هناكخصوصية للثورة المصرية ولمصر من نواحومعطيات عدة، غير أنه استبشر خيرًا بالنسبة إلى مستقبل الثورة المصرية بعد مرور عام عليها.
مؤكدًا أن مصر على المسار الصحيح الآن، وسيستكمل بإجراء انتخابات مجلس الشورى، ثم مرحلة تعديل الدستور، وستتوج بانتخاب رئيس مدني في شهر حزيران (يونيو) المقبل، ثم انتقال السلطة إليه، مشددًا على أن ما هومنتظر لمصر أفضل مما مضى.
الشعب يمتلك قراره
من جانبه أكد د. رفيق حبيب المفكر والباحث ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة ndash;الذراع السياسي للإخوان المسلمين: أن ثورة 25 يناير نجحت في تحقيق هدفها المركزي، وهو أن يكون الشعب صاحب القرار السياسي، وأسقطت النظام السابق المستبد، وفتحت الطريق أمام بناء نظام سياسي جديد بدستور جديد، وأيضًا أسست أول انتخابات ديمقراطية وحرة، وأصبح الشعب صاحب القرار والاختيار في ما خصمستقبله، وهذا هو الإنجاز الأهم، لأن استعادة الشعب لدوره فتح أمامه الطريق إلى تحقيق كل مطالبه وأحلامه واحتياجاته.
وتابع: وقد تحقق الجزء الأول الخاص بالحرية، متمثلاً في التحول الديمقراطي، والآن أصبح الطريق ممهدًا ومفتوحًا أمام الشعب، لكي يحقق إرادته المتمثلة في بقية أهداف وشعارات الثورة، وهي الكرامة والعدالة الاجتماعية.
معتبرًا أن المسار نحو بناء نظام سياسي جديد لتسليم السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية منتخبة، بدأ يتحقق على أرض الواقع، عبر جدول زمني محدد ومعروف، وربما نكون قد تأخرنا، لكننا قاربنا على الانتهاء من الفترة المرحلة الانتقاليةquot;.
المراحل الانتقالية صعبة
حول تقويمه أداء المجلس العسكري خلال عام من الثورة، وأيضًا الثوار، أكد حبيب: أنه يجب أن ندرك أن المراحل الانتقالية صعبةن وبالتالي يجب ألا نتصور أنه كان يمكن إدارتها بصورة مثالية.
أما على صعيد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فيعتقد أنه في البداية كان لديه تصور يعتمد على سرعة تسليم السلطة كسلطة مدنية منتخبة، وكان هذا اختيارًا سليمًا، لكنه أصبح بعد ذلك طرفًا في الجدل السياسي، واستجاب للضغوط، فأطال المرحلة الانتقالية، وبالتالي تورّط في المشهد السياسي.
في المقابل تميزت ائتلافات شباب الثورة بالروح الحماسية، والإصرار على إنجاز مطالب الثورة، لكن غاب عنها وضع رؤية عملية للمرحلة الانتقالية،كما غابت عن ائتلافات شباب الثورة أهمية تأمين المرحلة الانتقالية، حتى لا ينزلق المجتمع في اشتباكات، كما غاب عنهم أيضًا الاهتمام بما سيحدث في ما بعد المرحلة الانتقالية أكثر من الاهتمام بتفاصيل المرحلة الانتقالية.
نموذجان متقاربان
وبشأن ثورتي مصر وتونس والقواسم المشتركة ونتائج كل واحدة منهما بعد مرور عام على اندلاعهما، بيّن حبيب أن الثورتين تمثلان نموذجًا متقاربًا، فالثورة في مصر أنجزت في أيام قليلة، ولم تسفر عن سقوط الدولة أو انشقاق القوات المسلحة، وبالتالي أصبحت أكثر قدرة على الإنجاز الديمقراطي. كما إن كلاً من مصر وتونس بدآ في التحول الديمقراطي عبر صناديق الاقتراع، والفارق الوحيد بين الثورتين أن مصر لها وضع مركزي ومحوري في العالم العربي، ولذلك فإن ما يحدث فيها من تحولات يصعب أن يمر من دون تدخلات تحاول عرقلة المسيرة.
عن تصوره المستقبلي لمرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، قال حبيب: أعتقد أنه عندما تنجز مصر الخطوة الأولى المتمثلة في تسليم السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى سلطة مدنية، وتتجاوز ما سوف تتعرّض له من كبوات أخرى خلال الشهور المقبلة، سوف تبدأ أول خطوة نحو الأمام، ومتوقعًا أن تتلوها خطوات، ثم تبدأ مسيرة التحول والتقدم.
أهداف الثورة
من جهته أكد د.مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة أن الثورة نجحت في تحقيق بعض الأهداف، ولم يتحقق الباقي منها، وإذا كان الهدفالأساسي هو إسقاط نظام، وبناء آخر، فالجزء الأول من الهدف تحقق عبر إسقاط النظام. أما الجزء الثاني فتم البدء فيه من لال إجراء الانتخابات البرلمانية، وهي مختلفة عن كل الانتخابات السابقة، وسيسفر عن هذه الانتخابات برلمان يلعب دورًا بشكل جاد في التشريع والرقابة البرلمانية على الحكومة.
وقد يبدو أن المواطن لم يشعر بهذا البرلمان حتى الآن،لأن العملية الانتخابية لم تكتمل بعد،حيث بقيت المرحلة الثالثة، والتي بدأت -الثلاثاء- ثم ستجري انتخابات مجلس الشورى، ثم انتخابات الرئاسة، وسيتم تحديد صلاحيات الرئيس، لأنها كانت من قبل غير محددة، وهذا سيستغرق شهورًا عدةخلال الفترة المقبلة.
طفرة في الحريات
وتابع: بالنسبة إلى تحقيق شعار الثورة وهو quot;الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعيةquot; فقد حدثت طفرة في الحريات، وأصبح الشعب يعبّر عن مطالبه ومظالمه بصور شتى أكثر تعبيرًا من الدول الغربية، التي تضع قواعد لذلك من حيث الأماكن المسموح بها والتوقيت.
أما بالنسبة إلى العدالة الاجتماعية فلم نستشعرها إلى الآن، لأن قواعد النظام السابق مازالت تطبّق حتى الآن ولم يتم تغييرها،داعيًا إلى ضرورة إعادة النظر في سياسات العدالة الاجتماعية، سواء بالنسبة إلى الأجور ورفع الحد الأدنى لهاوتحديد حد أقصى أيضًا.
أما أخطر وأهم شيء على الإطلاق فهو إزالة العشوائيات، وإعادة تسكين أهلها في مجتمعات عمرانية جديدة محترمة، وبالتالي أمور لها رؤية، ثم تتحول إلى إرادة وفعل، ثم تتخذ في شكل قرارات تنفذ.
التعددية
عن رؤيته للمشهد السياسي،شدد علوي على أن أخطر ما في المشهد السياسي هو التعددية في الائتلافات الثورية، التي وصلت إلى حد الانقسام، والمؤشرات في علم السياسة توضح لنا أن عدد الائتلافات والقوى السياسية والأحزاب بالمئات، وهذا التعدد الكبير، صاحبه انقسام في الرأي بين كيانين، وعلى أصحاب الغالبية في البرلمان دور ومسؤولية كبيرة في الفترة المقبلة، لأن الغالبية بمبادرات مهمة وبآرائهم التوافقية مع الأقلية،قادرة أن تعكسذلك إيجابًا على المجتمع، وهذا ما أدعو إليه.
تأييد مطالب الثورة
وأكد علوي أن المجلس العسكري مؤسسة محترمة، التزمت بتأييد مطالب الثورة والثوار، ولم يستخدم القوة، كما حدث في بلدان عربية أخرى، وكان موقفه واضحًا منذ البداية، ولا شك في أن بعض الأشياء، التي كانت تفسر بشكل غير إيجابي، تعود إلى ضخامة المسؤوليةفي بلد كبير، مثل مصر، وحجم مشاكلها الكبيرة، مع غياب مؤسسة الأمن وضعف الاقتصاد.
فضلاً عن أن عنصر المفاجأة في تولي المجلس العسكري مقاليد الحكم، ومسؤوليته عن هذا الإرث الثقيلمن إدارة السياسات في قضايا داخلية ليس جزءًا من مهامه الوطنية إلا في حالة الأزمات.
وأضاف: quot;وبلا شك نقدّر موقف المجلس من تأييد الثورة والثوار منذ الوهلة الأولى وعدم استخدامهم القوة، والاستجابة لمطالب القوى السياسية المختلفة بتخفيض الفترة الانتقالية، حيث كانت من قبل في عام 2013. أما الآن فستنتهي في 30 حزيران (يونيو) المقبل، وهذا شيئ إيجابيquot;.
وأضاف: أما بالنسبة إلى الثوار فهم قد فجّروا الثورة، وقاموا بها، وأحدثوا هذا التغيير الكبير في المجتمع، وإنما الإشكالية في أن خبرة الإدارة السياسية تتكون عبر الزمن، حيث إن تشكيل أحزاب جديدة وخوض انتخابات يحتاج وقتًا، وهذا ليس سهلاً على كل الثوار، وليس الثوار المصريين فقط.
والمؤشر إلى ذلك أن عدد الثوار الذين حصلوا على مقاعدفي البرلمان محدود، إضافة إلى أن الأمر بالنسبة إلى الثوار يحتاج مزيدًا من الوقت ومزيدًا من الخبرة في الأداء السياسي مع الناس في الشارع، وألا تكون في إطار ميدان التحرير، وإنما التحرك بين أطياف المجتمع وجزء من الحركة اليومية على السياسة.
الفارق بين الثورتين
في ما يتعلق بالمقارنة بين الثورتين المصرية والتونسية ونتائجهما بعد مرور عام على اندلاعهما، أشار علوي إلى أنه خلال 5 شهور سيكون لدينا في مصر رئيس جمهورية، وليس مؤقتًا، والفارق الأساسي في ثورة تونس عن مصر، أنه فيالأولى أنجزوا واختصروا الزمن قبل مصر بستة شهور، فضلاً عن أن مصر يبلغ تعداد سكانها85 مليون نسمة، وهي الدولة العربية الكبرى، فهي تؤثر فيمن حولها وتتأثر به.
وبالتالي الصورة السياسية في مصر أكثر تعقيدًا عنها في تونس، وهذايفسر سبباختيار رئيس خلال عام في تونس،بينما في مصر اختيار الرئيس سيتم في عام وخمسة شهور.
تحقيق الأمنوتعافي الاقتصاد
بشأن قراءته المستقبلية بعد الانتهاء من الانتخابات البرلمانية والصورة التي ستبدو عليها مصر، أوضح علوي أن المستقبل يُقرأ في ظل عدد من المحددات، منها قدرة الغالبية في البرلمان على إدارة الشأن البرلماني، لكي يعكس القرار البرلماني، وليس فقط إرادة الغالبية، وإنما إرادة المواطن المصري والقوى السياسية الأخرى، وعدم إهمال آرائها وتوجهاتها، وهذا عنصر مهم جدًا، لأننا أمام حالة خاصة.
فضلاً عن طبيعة العلاقة بين رئيس الدولة والبرلمان والسلطة القضائية، لأنه لابد للرئاسة أن يكون تأثيرها ونفوذها محدودًا تجاه السلطتين التشريعية والقضائية، مع تقليل سلطات الرئيس المقبل، بحيث لا تجور على السلطتين الأخريين، معتقدًاأنها مسألة في غاية الأهمية لتحديد المستقبل، إضافة إلى ضرورة توفير مطلبين مهمين، وهما أولاً: السياسة، لكي يستشعره المواطن، وثانيًا: الاقتصاد حتى يتعافى، والاستقرار السياسي البداية للشأنين الأمن والاقتصاد، وهو مطلب أساسي وأصيل.
التعليقات