قال باحثون ومفكرون عراقيون وعرب إن مستقبل العلاقات العراقية الأميركية بعد الانسحاب تواجهه تحديات الوضع الأمني وتدخلات الجوار والعلاقات الشيعية السنية والعربية الكردية والمناطق المتنازع عليها. وأشاروا إلى أن الانتفاضة في سوريا بلورت رؤية استرتيجية في بغداد بضرورة وجود حلف عراقي إيراني سوري.


مؤتمر إسطنبول حول العراق ما بعد الانسحاب الأميركي

أكدباحثون ومفكرون عراقيون وعرب خلال اختتام مؤتمر quot;العراق بعد الانسحاب الأميركيquot;، الذي نظمه المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية في مدينة إسطنبول التركية، على مدى يومين، وانتهى اليوم، أن العراق الآن أمام تحدٍّ هواختيار إقامة دولة وطنية أم طائفية، وأوضحوا أن نوع الاختيار بين الاثنين سيحدد علاقاته المستقبلية مع محيطه العربي والإقليمي.

ضبابية العلاقات العراقية العربية

تحدث الباحث والمحلل الاستراتيجي العراقي، الدكتور حيدر سعيد عن quot;رؤية عراقية للعلاقات العربية العراقية ما بعد الانسحابquot;، فأشار إلى أن العراق والعرب لم يتبنوا علاقة استراتيجية في ما بينهم خلال السنوات التسع الماضية، التي أعقبت التغيير في العراق، لكن في السنة الأخيرة فقط بدأت تظهر صورة طبيعية لعلاقات العراق مع العرب.

وأشار إلى أن العرب كانوا يتخوفون من عراق ما بعد صدام حسين (الرئيس العراقي السابق)، وصعود الشيعة إلى الحكم، حيث ظلت نظرة العرب إلى شيعة العراق نمطية من خلال الاعتقاد بولائهم إلى إيران.

ولفت إلى أنه بفضل الضغوط الأميركية على العرب، وتحذيرهم من أن غيابهم عن العراق يسمح بتوسع النفوذ الإيراني وتقويته في هذا البلد، فقد عاد العرب إلى العراق وبدأوا في فتح سفاراتهم في بغدادـ ولكن بتصور أن ساحته ستكون فضاء لصراع مع إيران.

وأوضح أن هناك متغيرات وتحولات عدة ستتحكم مستقبلاً بالعلاقات الاستراتيجية العراقية العربية، ومنها أحداث الربيع العربي والانسحاب الأميركي وصعود العراق قوة اقتصادية في المنطقة والعالم، والضغط الإيراني والتشيّع العروبي.

وأضاف أن أولى المتغيرات في المنطقة هي تحول سياسات العراق تجاه سوريا من الاتهام بتسهيل عمليات الإرهاب في العراق إلى القول أخيرًا إن سقوط الرئيس السوري بشار الأسد يشكل خطًا أحمر بالنسبة إلى العراق.

وقال إنه بعد بدء الربيع العربي، تبلورت رؤية استراتيجية عراقية بضرورة وجود حلف عراقي إيراني سوري. موضحًا أن بعض المعلومات تشير إلى وجود ميليشيات في جنوب العراق تستعد لمحاربة السنّة فيما إذا تسلم الإخوان أو السلفيون السلطة في سوريا.

العراق في مواجهة اختيار بين دولة وطنية أو طائفية

أما الباحث الفلسطيني الدكتور بشير نافع، فتحدث عن quot;الرؤية العربية للعلاقات العراقية العربية بعد الانسحابquot;، فقدم تصورًا للجغرافيا السياسية للمناخ العراقي وتطوره التاريخي.. وقال إن سمات هذه في العراق حالياً هي جغرافيا مرهقة، أي إن جيران العراق يشعرون بأن العراق يهددهم.

وأشار إلى أن الدولة العراقية الحديثة حافظت منذ ولادتها عام 1921 على سيادة بلدها وحدودها وأمن شعبهاـ لكن العراق مستباح الآن من قبل الدول الإقليمية. وأشار إلى أن مستقبل العراق ما بعد الانسحاب الاميركي يشير إلى احتمالات عدة، فإما الاستمرار على الوضع الحالي، أو حصول انفجار دموي طائفي، أو وعي النخبة السياسية وسعيها إلى عراق وطني ومتوازن.

وأوضح أن الموقف العراقي المؤيد لسوريا حاليًا قد تبلور بفعل ضغط إيراني.. وأضاف أن شيعة العراق كانوا شركاء أساسيين في تأسيس الدولة العراقية الراهنة، خاصة بعد تفجيرهم لثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني.. وقال إن على شيعة العراق الآن الاختيار بين دولة وطنية أو دولة طائفية.. وأوضح أن نوع الاختيار بين الاثنين سيحدد علاقات العراق المستقبلية مع محيطه العربي والإقليمي.

مواقف القوى العراقية متباينة من أحداث سوريا

عن موضوع quot;تطورات الوضع السوري وانعكاساته على العراق بعد الانسحابquot;، أشار الدكتور قاسم محمد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين العراقية، في حديثه إلى quot;إيلافquot;، إلى أن المواقف العراقية مما يجري في سوريا تتباين بتباين موقف كل كتلة، بعكس الموقف الكردي الموحد في تأييد الانتفاضة السورية.

وبيّن أن هذا التجاذب في الموقف من سوريا قد دفع الحكومة العراقية إلى طرح مبادرة حوار بين النظام والمعارضة في سوريا، وأن تكون صناديق الاقتراع هي الحكم فيمن يحكم سوريا النظام الحالي أم معارضيه. في الوقت عينه، دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى إنهاء حكم الحزب الواحد في سوريا.

وأشار الباحث إلى أن موقف العراق مما يجري في سوريا يأخذ بالاعتبار تقديم مصالح العراق على أي مصلحة أخرى في المنطقة. وأكد على ضرورة اتخاذ العراق لموقف واضح وحاسم مما يجري في سوريا، مع الأخذ بنظر الاعتبار إمكانية التغيير هناك ووصول نظام جديد إلى سدة الحكم.

الاهتمام الدولي بالعراق ينطلق من الحرص على نفطه

حول أوضاع العراق ودول الجوار في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي وسيناريوهات الصراع والتعاون، قال الدكتور جوشيار عقراوي أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين في إقليم كردستان العراق، إنه لا يمكن في هذه المرحلة فصل البيئة الداخلية العراقية عن البيئة السياسية الخارجية المحيطة بالعراق.

وأشار إلى أن علاقات العراق مع الولايات المتحدة ومع الدول الإقليمية سيتحكم فيها الاهتمام الدولي بالطاقة، التي يمثلها النفط العراقي، الذي يمكن أن يتحول إلى قوة مؤثرة. وأضاف أنه لذلك فإن الكثير من الدول الغربية المتطلعة إلى نفط العراق، ترى أنه من الضروري تحقيق استقرار مستمر في العراق، وتعزيز الديمقراطية فيه.

ولفت إلى أن تلك الدول حريصة على استثمار الثروات الطبيعية في العراق في أجواء آمنة ومستقرة، ولذلك فهي لا تريد اندلاع حرب أهلية في هذا البلد.

بالنسبة إلى علاقات العراق المستقبلية مع إيران، أشار إلى أنه من الصعوبة التكهن الآن بطبيعتها، نظرًا إلى تعقد ظروف المنطقة، في ظل الصراعات الداخلية والإقليمية والدولية، التي تشهدها، موضحًا أن تركيا وإيران تعملان من أجل منع تصادم مذهبي في العراق، وعدم توجّه الأكراد نحو إعلان دولة مستقلة.

توقعات بحرب أهلية في العراق

في ما يخص مستقبل العلاقات العراقية الأميركية بعد الانسحاب، أشار الدكتور باسل حسين الغريري نائب مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية إلى أن هذه العلاقات تواجهها تحديات الوضع الأمني وتدخلات الجوار والعلاقات الشيعية السنية والعربية الكردية والمناطق المتنازع عليها.

وتوقع أن يشهد العراق خلال الأشهر المقبلة صراعًا، تنتج منه حرب أهلية دامية متاثرة أيضًا بالوضع الإقليمي وبالتطورات الحاصلة في سوريا. وأشار إلى أنه مع تحول الاستراتيجية الأميركية نحو التركيز على مناطق أخرى في العالم، مع الحفاظ على دورها في منطقة الشرق الأوسط، ولكن من دون التدخل العسكري، الذي انتهى دوره بخروج القوات الأميركية من العراق، فإنه لا توجد حلول لمشاكل العراق الحالية.

دور المرجعيات الدينية بعد الانسحاب

من جانبه، أشار الأستاذ الجامعي الدكتور قحطان الخفاجي إلى أن دور المرجعيات الدينية يتباين من خلال مواقف العراقيين منها. موضحًا أن الشعب يعتقد بعدم فاعليتها نتيجة استثمار الأحزاب السياسية لمواقف المرجعيات مما يحصل في البلاد.

وأشار إلى أن هناك احتمالات عدةلدور المرجعية مستقبلاً، فهي إما أن تتصدى لمخلفات الاحتلال، لإنقاذ العراق من هذه المخلفات، أو تعمل على تصحيح إخفاقات الدولة أو تدفع باتجاه مساهمة المقربين منها في العملية السياسية لتصحيح مساراتها.

وأوضح الخفاجي أنه أجريت استبيانات عدةبين التشكيلات المجتمعية العراقية حول مواقفها من المرجعيات، فأشار 85 من منتسبي إحدى الجامعات إلى ضرورة ابتعاد المرجعيات عن الشأن السياسي، والتفرغ للإرشاد، بينما أشار 63% من عمال البناء إلى أهمية ابتعادها عن الأمور السياسية، لكن 84 من المشاركين في المراسيم الحسينية (نسبة إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب) رأوا بضرورة الإبقاء على دور المرجعيات في الشأن السياسي.

يذكر أن المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية مؤسسة بحثية متخصصة، تعنى بإجراء الدراسات والبحوث الاستراتيجية المتعلقة بالشأن العراقي وفق رؤية موضوعية غايتها إثراء الدراسات الأكاديمية، والمساهمة في استثمار الكفاءات العراقية، من أجل تصويب وتطوير تجربة بناء الدولة العراقية.

وقد تأسس المركز في بغداد عام 2006، واتخذ من عمان مركزًا رئيسًا مؤقتًا له، لكن لديه فرع في بغداد، نظرًا إلى الأوضاع الأمنية فيها.. وهو يضم عدداً من الأقسام العلمية، بحسب تنوع اهتمامات المركز وهيكليته، حيث يشرف عليها عدد من المتخصصين في العلوم السياسية والعلوم ذات الصلة.

ويهدف المركز إلى دراسة وتحليل واستشراف مجمل التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية الجارية في العراق وانعكاساتها على مستقبل البلاد والوطن العربي، ونشر الوعي العلمي لدى الرأي العام العراقي والعالمي بحقيقة ما يجري في العراق، والاهتمام بمخاطبة السياسيين والباحثين والمهتمين.. والمؤسسة العسكرية ودورها في تحقيق الاستقرار السياسي في العراق... وسيناريو تقسيم العراق.

وشهد عام 2008 تنظيم ندوات عن: الموازنة المالية العامة وأزمة الاقتصاد العراقي.. ومستقبل الوحدة الوطنية في العراق في ضوء التطورات السياسية الراهنة.. ومستقبل بناء الدولة في العراق.. رؤية تحليلية.

كما نظم المركز عام 2009 ندوات ومؤتمرات حول: نحو استراتيجية عربية فاعلة تجاه العراق.. والمرأة العراقية واستحقاقات التغيير.. وفي عام 2010 نظمندوتين عن الانتخابات التشريعية ومستقبل العراق .. وعراق ما بعد الانتخابات.

كما يقوم المركز برصد شهري للأوضاع على الساحة العراقية والعربية والدولية ومحاولة تحليل كل الظواهر المرئية وغير المرئية وإعداد خلاصة تقديرية مقاربة نسبية للموقف موضع البحث والتحليل.