بدأ عدد كبير من البغداديين التنقل عبر الزوارق النهرية، بعدما صارت الجسور الثلاثة عشر الممتدة على جانبي دجلة معروفة بازدحام حركة المرور فيها. وكانت السلطات فرضت منع إبحار الزوارق هناك لأسباب أمنية، لاسيما الضفاف التي تقترب من القصور الرئاسية والمؤسسات الحكومية الحساسة.
عراقيون يستخدمون الزوارق للتنقل عبر نهر دجلة في بغداد |
وسيم باسم بغداد: تعوّد حميد كامل، الذي يمتلك متجرًا في شارع النهر في بغداد، التنقل بزورق يقطع جانبي نهر دجلة، حيث يوفر له النقل عبر هذه الطريقة الجهد والوقت. ومنذ نحو سنة لم يعد كامل يستقلّ السيارات، حيث يشكل له الانتظار عند المفارز الأمنية، والاختناقات المرورية، قلقًا كبيرًا.
يقول صاحب الزورق عطية قنبر إن الكثير من أصحاب الزوارق اليوم يشعرون بالراحة لعودة الحياة إلى هذه المهنة بعد فترة انقطاع دامت عقودًا من الزمن. ويتابع قنبر: هذه المهنة أصبحت مصدر رزق رئيسًا لي، بعدما أصبح التنقل بين ضفتي النهر حاجة يومية لا غنى عنها من قبل الكثير من المواطنين.
حركة لا تنقطع
يحصي قنبر نحو ثلاثين زورقًا في حركة دؤوبة، لا تنقطع من الصباح الى المساء، على ضفة النهر القريبة من جسر (السنك) الذي يخترق القلب التجاري للعاصمة بغداد. وعند جسر الشهداء، الذي يطل على شارع الرشيد المشهور في بغداد، تلمح على الضفاف حركة بشرية لا تنقطع.
وفي منطقتي الكاظمية والأعظمية، يعمل عدد من أصحاب الزوارق، بينهم أمين جعفر، الذي وفر كل وسائل الأمان في زورقه لنقل الناس. ويتابع: في الصباح ينقل زورقي الموظفين و(مراجعي) الدوائر الحكومية والطلاب بين ضفتي النهر. أما في المساء فإن الحركة لا تنقطع أيضًا، حيث يتردد البعض لغرض النزهة النهرية. وتقع منطقتا الأعظمية والكاظمية على ضفتين من نهر دجلة اشتهرتا بمناظرهما الجميلة والخلابة.
ويشعر محمد كامل بالزهو لعودة الحياة إلى (كورنيش) الأعظمية، حيث يلاحظ المرء حركة الزوارق الدؤوبة وهي تقوم بأعمالها. وكان الكورنيش قد أعيد فتحه وتأهيله بعد فترة انقطاع دامت سنوات، ليصبح من جديد المتنفس للناس عبر الاستمتاع بهذا المرفأ السياحي، الذي يمثل النقل النهري مظهرًا متميزًا له.
أسباب امنية
عبر عقود من الزمن، فرضت السلطات المعنية منع إبحار الزوارق بين ضفتي النهر لأسباب أمنية، لاسيما الضفاف التي تقترب من القصور الرئاسية والمؤسسات الحكومية الحساسة. وفي الوقت الحاضر، فإن الكثير من الضفاف لا يمكن الوصول إليها أيضًا بسبب قربها من مراكز قيادة أو قصور مسؤولين أو مؤسسات مهمة.
يقول مالك الزورق أحمد كامل إننا ممنوعون من الاقتراب من الضفاف المحاذية للمنطقة الخضراء. لكن محمد حسن من الشرطة النهرية يقول ان هناك ضوابط وقوانين يتوجب على الجميع الالتزام بها. ويتابع: بعض المواطنين يضجر من نقاط التفتيش قرب مرسى للزوارق في جانب الكرخ، لكننا نفعل ذلك لضمان سلامتهم. ويقول: أحبطنا محاولات عدة للقيام بأعمال إرهابية عبر استخدام الزوارق النهرية على نهر دجلة.
ويمكن للمرء ملاحظة حركة دؤوبة للناس والزوارق على ضفتي النهر في أماكن عدة في بغداد على طول النهر الذي يقسم العاصمة الى قسمين.
السياحة النهرية
وبحسب المهندس كامل عودة من وزارة النقل، فإن هناك مشروعًا واعدًا بتطوير النقل والسياحة النهرية في دجلة. ويتابع: عادت رحلات الزوارق إلى نهر دجلة، بعد توقف دام ست سنوات، حيث يمكن استخدامها لأغراض المشاريع السياحية والنقل النهري، والإمدادات اللوجستية.
يجني سعيد هاشم نحو ما يعادل السبعين دولارا في اليوم، الذي يعمل فيه، حيث ينقل الطلاب والموظفين والزائرين من منطقة الرصافة إلى الكرخ، وبالعكس. ويتابع: وفي المساء، هناك الجولات السياحية في النهر.
لكن المهندس عودة يشكك في شروط الأمان للزوارق على نهر دجلة، حيث إن غالبيتها بدائية، وغير متين ، وتنقصها تقنيات الملاحة والإرشاد ووسائل الإنقاذ في الحالات الطارئة. ويقول سهيل حاتم (60 سنة) ويمتلك زورقًا خشبيًا للنقل إنه ترك المهنة طوال عقود بسبب إجراءات المنع. وظل حاتم طيلة هذه الفترة متأملاً النهر، ومتمنيًا عودة حياة النقل النهري إليه.
ويتابع: اليوم نمتلك حرية التنقل، لكنها حرية منقوصة، فلايزال الكثير من ضفاف النهر غير مسموح لنا بالاقتراب منه. يضاف إلى ذلك أن نهر دجلة لا يصلح بشكل كلي للملاحة، لوجود الجزرات الوسطية فيه، وانحسار مناسيب الماء فيه. ويتذكر حاتم النزهات النهرية، لاسيما في رمضان، التي كان ينظمها البغداديون في النهر، في الستينات وأوائل السبعينات من القرن المنصرم.
ونظمت وزارة الداخلية العراقية إجراءات النقل النهري اليوم وفق ضوابط، بحسب مراقب النقل البحري سلمان فاضل، الذي يوضح شروط الحصول على إجازة نقل نهري، عبر الحصول على موافقة وهوية لغرض منع الأعمال المخالفة للقانون.
ويقول الخبير في شؤون الملاحة النهرية سعد القريشي إن الطمى في النهر والجزرات الوسطية وبدائية تصنيع الزوارق تمثل تحديًا كبيرًا للجهات المعنية، التي تنظر بعين القلق الى حوادث الغرق التي تحدث يوميًا.
خطر داهم
ويتابع: النقل النهري بهذه الطريقة بدائي جدًا، ويمثل خطرًا محدقًا بالراكبين، ولاسيما أن الكثير من مستقلي الزوارق، خاصة النساء والأطفال، لا يجيدون السباحة. ويأمل معظم العراقيين بتشجيع الدولة للسياحة النهرية، التي تمثل حلاً للاختناقات المرورية في العراق، إضافة إلى أنها تكون متنفسًا للترفيه عن الناس.
وكانت وزارة النقل العراقية أنجزت في العام الماضي مشاريع سياحية، من ضمنها زورق سياحي وسط نهر دجلة تمهيدًا لإنعاش السياحة النهرية. كما تأمل الوزارة في تسيير رحلات نهرية بين منطقتي البصرة وخرمشهر الإيرانية.
التعليقات