ينظم الجيش العراقي استعراضاَ كبيراً بمناسبة ذكرى تأسيسه عام 1921 لإثبات قدرته على حماية البلاد وسد فراغ الإنسحاب الأميركي الذي وصفه خبير عسكري بأنه أفقد العراق القدرة على الردع وجعله غير قادر على المبادرة الحاسمة لأنه لا يمتلك قوةً جويةً فاعلة.

استعراض سابق للجيش العراقي

فيما يحتفل العراق اليوم الجمعة بالذكرى 91 لتأسيس جيشه الوطني وينظم استعراضا عسكريا ضخما في بغداد لإثبات قدرته على حماية البلاد وسد فراغ الانسحاب الاميركي، فإن خبيرا وقائدا عسكريا عراقيا رفيعا سابقا اكد في حديث مع ايلافquot; ان الانسحاب أفقد القوات العراقية القدرة على الردع مشيرا الى انها الان بحاجة الى اعادة بناء عقائدية وتسليحية قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

قدرات هائلة سابقاً وضعيفة حالياً

وينظم الجيش العراقي اليوم استعراضاً عسكريا كبيرا لمناسبة ذكرى تأسيسه عام 1921 تشارك فيه تشكيلاته البرية والبحرية والجوية وفرق تمثل الدفاع المدني وقوات الأمن الداخلي وذلك بحضور مسؤولين حكوميين وقادة سياسيين ورؤساء البعثات الدبلوماسية في بغداد .

وتأسس الجيش العراقي في السادس من كانون الثاني (يناير) عام 1921 بفوج اطلق عليه اسم quot;فوج موسى الكاظمquot;. وبعد دخول القوات الاميركية الى البلاد التي اسقطت نظامه السابق عام 2003 اصدر الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر أمرا بحل الجيش وباشر بتأسيس آخر بتشكيلات جديدة.

وكان الجيش العراقي يعتبر واحدا من اقوى جيوش المنطقة تدريبا وتسليحا وقد وصل عدد افراده الى نحو مليون رجل خلال الحرب العراقية الايرانية بين عامي 1980 و 1988 موزعين على 50 فرقة، ويمتلك ثلاثة آلاف دبابة وثلاثة الاف اخرى من ناقلات الجند المدرعة والمئات من قطع المدفعية الثقيلة اضافة الى اعداد ضخمة من صواريخ ارض ـ جو وصواريخ ارض ـ ارض بعيدة المدى . كما كانت القوة الجوية تضم اكثر من 600 طائرة مقاتلة معظمها حديثة والمئات من طائرات الهليكوبتر متعددة الاغراض اضافة الى طائرات النقل.

ويقدر عدد افراد الجيش العراقي الجديد حوالى 350 الف رجل موزعين على 15 فرقة مشاة واحدة منها فرقة مشاة آلية وتمتلك قواته البرية حاليا 172 دبابة قتال رئيسة كما تعاقدت الحكومة العراقية على شراء 140 دبابة quot;أبرامزquot; أميركية بدأت تسلمها منذ صيف عام 2010 اضافة الى 140 أخرى في عام 2011 ومئات من العجلات المدرعة معظمها نوع quot;هامفيquot; اميركية الصنع .

اما القوة الجوية العراقية فتضم حاليا 1600 فرد وهي على الرغم من عدم امتلاكها حالياً طائرات مقاتلة إلا انها تملك طائرات تدريب ونقل بالإضافة إلى مروحيات هجومية ولوجستية. وتخطط القوة الجوية لاقتناء طائرة مقاتلة نوع أف 16 اميركية وطائرات فرنسية من نوع ميراج.

وهناك ايضا القوة البحرية التي تتشكل من 800 فرد ومن المخطط زيادتهم إلى 2500 وقد تعاقدت الحكومة العراقية مع إيطاليا على شراء 4 سفن متوسطة تسلم العراق اثنتين منها.

وباكتمال خروج القوات الاميركية من العراق في 18 من الشهر الماضي يعتقد محللون عسكريون ان الجيش العراقي الجديد لن يستطيع القيام بمهامه في الدفاع عن الامن الخارجي والداخلي للبلاد. ومؤخرا اكد رئيس اركان الجيش العراقي الفريق بابكر زيباري عدم قدرة القوات العراقية على حماية البلاد قبل عام 2020.

ويعتقد خبراء عسكريون ان بناء الجيش العراقي الجديد لابد ان يكون على اسس مهنية تعتمد الكفاءة بعيداً عن الولاءات الطائفية او الحزبية أو العرقية او المناطقية والتي أضعفته كثيراً واثارت الشكوك حول قدرته على ملء فراغ انسحاب القوات الاميركية من العراق.

حاجة الجيش لإعادة بناء عقائدية وتسليحية

الفريق الركن المتقاعد رعد الحمداني

وحول اوضاع الجيش العراقي الحالي، اكد الفريق الركن المتقاعد رعد الحمداني قائد قوات الحرس الجمهوري في المنطقة الجنوبية لدى غزو العراق عام 2003 ان الانسحاب الاميركي أفقد القوات العراقية القدرة على الردع مشيرا الى انها الان بحاجة الى اعادة بناء عقائدية وتسليحية قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

واضاف الحمداني في حديث مع quot;إيلافquot; لمناسبة الذكرى 91 لتأسيس الجيش العراقي ان القدرات الحالية الدفاعية والامنية لهذا الجيش لا تعدو قدرات شرطة تتصف بالسعة على حساب الخبرة والكفاءة والمهنية بحيث يمكن وصفها بقوات مشاة من الدرجة الثالثة تفتقر الى منظومات القيادة والسيطرة والانضباط والامكانات الاستخبارية العلمية .

واشار الى ان بناء الجيش الحالي لم يتم وفق السياقات الصحيحة المعروفة عسكريا لبناء الجيوش وهي: وحدة الهدف السياسي ذي القيمة الاخلاقية العلمية التي تعزز المعنويات العالية لدى العسكريين، ثم وحدة القيادة من خلال وجود رأس قيادي على هرم الجيش تكون فيه القاعدة ملتزمة وتحترم القيادة وصولا الى تحقيق الانضباط العسكري، وهذه كلها امور يفتقدها الجيش الحالي اضافة الى التخويل المتدرج للصلاحيات وبالشكل الذي يعزز تحمل المسؤوليات العسكرية التي لا يمكن لاي جيش ان يؤدي واجباته بالشكل المطلوب من دونها.

وفي ما يخص التركيبة الاجتماعية للجيش الحالي اشار الى ان تشكيل هذا الجيش اخذ منذ البداية منحى طائفيا وعرقيا بحيث ان بعض الفرق العسكرية قد افرغت من منتسبي مكون معين وهو امر لايؤشر الى مستقبل يتناسب ومهام القوات المسلحة العراقية. وقال ان الامر الاخر الذي يفقد هذه القوات قدراتها المطلوبة هي دورات quot;الدمجquot; التي يتم فيها دمج مسلحي الميليشيات السابقة بالجيش لضمان الولاء للاحزاب الحاكمة وهؤلاء غير مؤهلين عسكريا او اكاديميا او علميا . وشدد على ان هذا الامر يشكل خطورة كبرى على القوات المسلحة ستقود الى صراعات دموية حيث انه وفي اي ازمة سياسية مقبلة ستؤدي تداعياتها الى صراع مسلح بين تشكيلات الجيش المتعددة الولاءات.

جيش قادر على اداء مهماته الوطنية

وللخروج من الدوامة الحالية التي يوجد فيها الجيش، قال العسكري العراقي ان هذا الجيش يعاني حاليا ثغرات كبيرة لان القوات الاميركية كانت تشكل قوة الردع ولكن انسحابها جعل القوات العراقية مكشوفة غير قادرة على المبادرة الحاسمة لانها لا تمتلك قوة جوية فاعلة من خلال اسلحة ومنظومات دفاع جوي قادرة على التصدي لاي اعتداءات خارجية او تعقب المجموعات المسلحة على الارض.

واشار الى ان قوات الامن الداخلي تمتلك حاليا خبرة لا بأس بها ولكن تنقصها منظومات استخبارية ذات تقنيات علمية كان الاميركيون يوفرونها لها، ولذلك، فان هذه القوات تفتقد الى تحليل المعلومات من خلال كفاءات مهنية قادرة على التدقيق والتحليل وتحويل المعلومة الى استخبارية يبنى عليها القرار.

ووصف شراء العراق اسلحة اميركية ورفضه قيام خبراء اميركيين بتدريب العراقيين على استخدامها بأنه امر غير منطقي. واوضح ان تسليح اي دولة يبنى على العقيدة العسكرية لتلك الدولة وهذه تخضع لعوامل جغرافية وتاريخية ومستوى تعليمي عالٍ. وتساءل حول من سيتولى ادامة تلك الاسلحة المشتراة والتدريب عليها، فقال انه لذلك سيكون استخدام الطائرات والدبابات المشتراة محدودا لان تقنياتها عالية في وقت لايتوفر العراق على إمكانات بشرية قادرة على استخدامها.

وحول المطلوب لتحسين اوضاع القوات العراقية والارتقاء بقدراتها، اكد الحمداني ضرورة اعادة بناء المؤسسات الدفاعية والامنية وفق المبادئ والسياقات المهنية التي تتماشى وروح العصر وينسجم مع الطفرات التقنية التي يشهدها العالم تسليحا وتجهيزا واعدادا للمقاتلين بحسب اختصاصاتهم.

وشدد على ضرورة عدم اخضاع القوات المسلحة لاي توجيهات او تصنيفات سياسية عرقية أو طائفية حتى تنسجم ومتطلبات بناء جيش قوي مقتدر. واكد اهمية وضع عقيدة تتفق مع واقع العراق وظروفه الحالية وحجم التهديدات والتحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها، واشار هنا الى ضرورة عقد اتفاقيات دولية واقليمية للحفاظ على الامن الوطني العراقي لحين اكمال الاستعدادات الكاملة لبناء مؤسسة عسكرية بتشكيلاتها المتنوعة التخصصات ووضع التوصيف الوظيفي لكل منظوماتها القيادية وملاكاتها الوسطى والميدانية.

ورأى الحمداني انه بدون ذلك، فان الثغرات التي تعاني منها القوات العراقية ستتوسع كما ستستمر تحديات التهديدات الداخلية وخاصة من قبل الجماعات المسلحة على مختلف انتماءاتها.

ويأتي هذا التحليل العسكري في وقت أدت سلسلة هجمات شهدها العراق امس بينها هجوم انتحاري استهدف زوارا في محافظة ذي قار الجنوبية كانوا متوجهين سيرا على الاقدام الى مدينة كربلاء لإحياء ذكرى أربعينية الامام الحسين وانفجارات هزت بغداد الى مقتل 68 شخصا واصابة حوالى 150 اخرين بجروح في موجة عنف تتزامن مع الازمة السياسية التي تعيشها البلاد. وهذه الحصيلة من الخسائر هي الاكبر في يوم واحد منذ 15 اب (اغسطس) الماضي حين اسفرت سلسلة هجمات في مدن عدة عن سقوط 74 قتيلا .