مظاهر الفرح التي عمّت تونس من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الاولى لثورة 14 يناير 2011، لم تجعل التونسيين يهملون واقعهم الصعب، فمعالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تنتظرهم، ستكون محددا رئيسا للحكم على نجاح الثورة من عدمها.

شباب تونسي يحتفل بالذكرى الأولى لثورة 14 يناير في العاصمة

تونس: بعد عام على هروب الرئيس التونسي المخلوع إلى السعودية، ومع احتفال التونسيين بالذكرى الأولى لثورتهم، يرى مراقبون ومحللون أنّ الشعب التونسيّ حقق الكثير، لكن ما زال ينقصه الكثير من العمل ليحقق أهداف ثورته.

واحتفلت تونس أولى دول الربيع العربي بالذكرى الأولى لسقوط زين العابدين بن علي أمس بمشاركة آلاف المواطنين رجالا ونساء وأطفالا في شارع الحبيب بورقيبة الرئيس مطالبين laquo;بالحرية والكرامةraquo;. وشارك في الاحتفالات عدد من الزعماء العرب يتقدمهم أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي أكد تطلع بلاده الى laquo;إقامة علاقات مميزة مع الشقيقة تونسraquo;، معلنا عن مساهمة قطرية في صندوق دعم أسر شهداء الثورة التونسية.

مرحلة انتقالية

تعيش تونس حاليا مرحلة انتقالية دقيقة، سمتها الأبرز انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في أول انتخابات ديمقراطية ونزيهة، والطلبات الاجتماعية النشطة نتيجة وجود أكثر من 800 ألف عاطل عن العمل ينتظرون حقهم في التشغيل، غيرهم من أهالي الشهداء الذين يأملون من الحكومة محاكمة قتلة أبنائهم، علاوة على صحافيين يناضلون من أجل إعلام حرّ بعيدا عن أي نوع من الوصاية.

إرث من الملفات الشائكة والعويصة تنتظر الحكومة الجديدة، التي ابتدأت عملها مؤخرا، واستحقاقات عديدة تنتظر التحقيق في السنة الثانية لثورة تونس.

وتشير الصحافة التونسية باستمرار إلى أنّ الاقتصاد معطل، والاستثمارات الداخلية والخارجية متوقفة منذ الثورة، وأن الاسعار التهبت، والقدرة الشرائية للمواطنين اهترأت، وحركة التشغيل جامدة أو تكاد، ونسبة النمو في حدود الصفر والموازنة في عجز، والبطالة في تفاقم، وملفات الفساد متراكمة وتكاد تتموقع في جميع أعضاء جسم الدولة ومؤسساتهاquot;.

اقتصاد يستغيث

في العام الأول من الثورة التونسية، حقق التونسيون الكثير من الإنجازات رغم الاحتجاجات والإعتصامات و الفوضى التي صبغت السنة الأولى من ثورة الحرية والكرامة وأهمها الانتخابات التي اتسمت بالشفافية والنزاهة وحازت رضا العالم، وأثمرت مجلسا تأسيسيا سيعمل على صياغة دستور جديد للجمهورية الثانية.

وما زالت الثورة تعاني تبعات اقتصادلا يزال في حاجة إلى إجراءات تعيده إلى سالف نشاطه لتدور العجلة من جديد لأن أهداف الثورة لن تتحقق اعتمادا على اقتصاد ضعيف ونسبة نمو تقارب الصفر وعجز في الميزانية قد يصل إلى 6 %.

من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي نوفل الزيادي متحدثا عن السنة الأولى من عمر الثورة التونسية وما تحقق بخصوص الاقتصاد الوطني قائلا:quot; لقد تحقق الكثير في الفترة الماضية بعد الثورة على مستوى الحريات حيث أصبح بإمكان التونسي أن يعبر عن رأيه بكل حرية وبعيدا عن الخوف الذي كبّل التونسيين طوال عقود، ولكن على المستوى الاقتصادي كان الوقع سلبيا جدا خلال 2011، فالنمو بقي في حدود الصفر إلى جانب ما تم تسجيله من عجز في الميزانية بلغ حدّ 6% إلى جانب نسبة تضخم فاقت 6% هي الأخرى وهو ما انعكس سلبيا على الطاقة الشرائية للمواطن التونسي الذي أصبح عاجزا عن توفير ما يحتاجهquot;.

وعن الأسباب التي وقفت وراء هذا التدهور الذي حصل على مستوى الاقتصاد، أضاف الخبير الزيادي أنّ كثرة الإعتصامات والاحتجاجات وغلق المؤسسات الاقتصادية والأوضاع السياسية والإجتماعية التي لم تكن مستقرة طوال العام أدت إلى تعطيل الدورة الاقتصادية وبالتالي وقف النموّ.

وأشار الخبير في حديث لـquot;إيلافquot; إلى أنّ السنة الحالية 2012 ستكون مليئة بالتحديات الاجتماعية وخاصة الإقتصادية وأهمية الجانب الإقتصادي تتمثل في أنه لا يمكن تحقيق أهداف الثورة على المستوى الاجتماعي دون إحراز تطور واضح على المستوى الاقتصادي وعودة عجلة الاقتصاد إلى الدوران، والتحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة تتمثل في ضرورة العمل الفوري من أجل إيجاد حلول سريعة حتى يقف نزيف الإعتصامات والإضرابات التي تعطل الاقتصاد إلى جانب تنشيط الدورة الاقتصادية وعدم التركيز على سياسة التقشف دون تنشيط الاقتصاد بتشجيع الاستثمار الوطني و الأجنبي لإحداث فرص عمل جديدة وذلك في إطار الحوكمة الرشيدة التي تتسم بالشفافية والنجاعةquot;.

نظام سياسي جديد

من جانبه، اعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي لـquot;إيلافquot; أنّ ما تحقق خلال العام الأول من الثورة التونسية يعتبر مهما على مستوى المقياس الزمني، حيث تمت إعادة بناء النظام السياسي وهو هدف هام من أهداف الثورة ولكن ما ينقص الآن هو العمل على استكمال الحريات الأساسية من خلال صياغة الدستور متضمنا هذه الحريات.

وأشار الجورشي إلى أنه من الضروري التعجيل بالقيام بإصلاحات تهمّ بصفة خاصة استقلالية القضاء وإصلاح المنظومة الأمنية وتدعيم حرية الإعلام ودعم استقلالية منظمات المجتمع المدني وذلك دون نسيان أهم التحديات التي تتمثل أساسا في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية ورسم سياسة خارجية واضحة ومتوازنة تراعي مصلحة البلاد دون الانصهارquot;، على حدّ تعبيره.