عقد البيت الأبيض سلسلة من الاجتماعات السرية خلال الأشهر الأخيرة لبحث التهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا والنظر للمرة الأولى في التحضير لتوجيه ضربات أحادية، كما كشف مسؤولون أميركيون.


خلية تابعة لتنظيم القاعدة في شمال افريقيا

إعداد عبد الاله مجيد: تعبّر هذه الاجتماعات عن القلق من تعاظم خطر تنظيم القاعدة في أفريقيا منذ سيطرته على مساحات شاسعة من مالي، وحصوله على أسلحة من ترسانة النظام الليبي السابق. وبدأت هذه الاجتماعات والنقاشات قبل هجوم 11 ايلول/سبتمبر على القنصلية الأميركية في بنغازي، ولكنها اكتسبت طابعًا ملحًا بعد الهجوم الذي اتُهم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بالمسؤولية عنه.

وأكد المسؤولون الاميركيون ان الاجتماعات والنقاشات السرية تركزت على البحث عن سبل مساعدة جيوش المنطقة لمواجهة تنظيم القاعدة، ولكنها درست ايضًا امكانية التدخل الأميركي المباشر إذا استمر نشاط القاعدة بلا كابح.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤول كبير مختص بشؤون مكافحة الارهاب من المشاركين في الاجتماعات السرية quot;نحن الآن لسنا في وضع لا يتيح لنا ان نفعل الكثيرquot;. واضاف ان المسؤولين بسبب ذلك بدأوا يفكرون في احتمالات أخرى، منها استخدام طائرات بدون طيار.

يقود هذا المجهود مستشار البيت الأبيض لمكافحة الارهاب جون برينان بمشاركة مسؤولين من وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية والبنتاغون. وقام قائد القوات الاميركية في افريقيا quot;افريكومquot; بجولة في المنطقة خلال الأسابيع الأخيرة، شملت موريتانيا والجزائر وبلدانا اخرى يمكن ان تساهم في قوة لحفظ السلام تُنشر في مالي. وامتنع مسؤولو البيت الأبيض عن التعليق على هذه التطورات.

واعلن الجنرال كارتر هام قائد quot;افريكومquot; خلال زيارته للمغرب يوم الجمعة انه quot;ليست هناك خطط لتدخل عسكري اميركي مباشرquot; في مالي، ولكنه ومسؤولين آخرين جعلوا من الواضح بلا لبس ان الولايات المتحدة مستعدة لدعم جهود مكافحة الارهاب أو عمليات حفظ السلام التي تقوم بها دول اخرى.

يضاف الى ذلك ان الجيش الاميركي نفذ سلسلة مهمات استخباراتية سرية، بينها استخدام طائرات مدنية في عمليات استطلاع ومراقبة الاتصالات فوق الصحراء الكبرى ومنطقة الساحل.

تعكس هذه الصحوة في النشاط الاميركي مراجعة الأجهزة الاستخباراتية الاميركية لتقويمها السابق الذي نظر الى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي على انه من الفروع الضعيفة لتنظيم القاعدة. فان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي انبثق من بقايا العمل الاسلامي المسلح في الجزائر، وكان يُعد آفة محلية بالأساس يستخدم اعمال الخطف وغيرها من الجرائم لدعم اجندته التي تهدف الى اقامة حكم الاسلامي كما يفهمه تنظيم القاعدة.

لكن هذا التقويم تغير منذ العام الماضي، وخاصة بعدما اثبتت هذه الجماعة قدرتها على استغلال الفوضى السياسية في عدد من دول المنطقة. فان الانقلاب الذي حدث في مالي أدى الى انقسام البلد وتمكين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وحركات متمردة أخرى من السيطرة على مدن شمالي مالي، بينها غاو وتمبكتو.

كما ان اسقاط دكتاتور ليبيا العقيد معمر القذافي اطلق موجة من نزوح المرتزقة الأفارقة مع اسلحتهم عائدين الى بلدان تنشط فيها عناصر القاعدة. وتطرقت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون الى هذا التطور في الأمم المتحدة، قائلة ان quot;الارهابيين يسعون الى توسيع دائرة نشاطهم وشبكاتهم في اتجاهات متعددةquot;.

وقال مسؤولون اميركيون انهم يدرسون قدرات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي لأسباب منها تفادي الأخطاء السابقة في الاستهانة بفرع تنظيم القاعدة في اليمن. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤول استخباراتي اميركي كبير قوله ان السؤال الذي يفرض نفسه في نقاشات البيت الأبيض، هو quot;هل ننظر الى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي على انه الآن في موقع مماثل لما كان عليه تنظيم القاعدة في جزيرة العرب قبل خمس سنوات؟quot;.

وكانت الأجهزة الاستخباراتية الاميركية استهانت ايضا بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب كتهديد اقليمي، الى ان كُشفت علاقته بمحاولة تفجير طائرة كانت متجهة الى ديترويت في اواخر عام 2009.

مر اكثر من عام قبل ان تقوم الولايات المتحدة بحملة شاملة ضد تنظيم القاعدة في اليمن، مستخدمة طائرات بدون طيار. ونفذت الولايات المتحدة 33 غارة بهذه الطائرات في اليمن هذا العام، بحسب تقديرات مستقلة. ورغم ذلك واصل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب محاولات تنفيذ هجمات، بينها محاولة تفجير طائرة مدنية أُحبطت في وقت سابق من العام الحالي.

لكن مسؤولين اميركيين أكدوا ان قرارات لم تُتخذ بشأن استخدام طائرات مسلحة بلا طيار ضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي أو غيرها من الأسلحة الفتاكة. فان اقرب قاعدة لهذه الطائرات توجد على الجانب الآخر من افريقيا، في اثيوبيا، وقال مسؤولون اميركيون انهم لن يفكروا في شن غارات احادية إلا كحل أخير.

في هذه الأثناء يجري التشديد، كما قال المسؤولون الاميركيون، على نسخ جوانب من صيغة مكافحة الارهاب المعتمدة في الصومال، حيث نفذت الولايات المتحدة عمليات استخباراتية سرية فضلاً عن غارات جوية، ولكنها اعتمدت من حيث الأساس على قوات افريقية لمواجهة حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة.

وقال الجنرال هام ان المهمة في مالي أصعب بسبب انعدام الاستقرار السياسي والتقاعس عن التحرك في وقت مبكر. واعترف هام للصحافيين خلال زيارته السنغال في تموز/يوليو بأن الولايات المتحدة وحكومة مالي وبلدانا أخرى ذات علاقة quot;فوتت فرصة للتعامل مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي عندما كان ضعيفاquot;، واصفًا التنظيم بأنه quot;الأحسن تمويلاً والأكثر ثراءquot; بين فروع القاعدة، بفضل خطف أجانب مقابل فدية وعمليات التهريب التي يتقنها.

في غضون ذلك تزيد الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية لجيران مالي بعدما حجبتها عن هذه الأخيرة بسبب الانقلاب العسكري، وتجري مناورات عسكرية مشتركة مع جيوشها، وتواصل قيادة quot;افريكومquot; عمليات الاستطلاع الجوي في إطار برنامج مصنف باسم quot;رمل الجدولquot; تنفذه قوات اميركية خاصة تتمركز في بوركينا فاسو.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين اميركيين كبار تأكيدهم ان الولايات المتحدة لم تشارك في الغارة الجوية التي نُفذت في شمال مالي في حزيران/يونيو الماضي، وانهم ما زالوا لا يعرفون ما إذا كانت هناك غارة اصلا. وكانت وسائل اعلام في دول المنطقة تحدثت عن quot;غارة جوية غامضةquot; اسفرت عن مقتل سبعة من عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي كانوا في موكب من اربع عربات.

وقالت حكومة مالي الانتقالية انها ترحّب بمقترح تشكيل قوة لحفظ السلام تضم نحو 3000 جندي من 15 بلدا اعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا quot;إكواسquot;.