أرامل يطالبون بمحاكمة الرئيس التشادي السابق حسين حبري بتهمة ارتكاب جرائم حرب

بعد أخذ ورد، حزمت السينغال أمرها وأمرت بالإعداد لمحاكمة الرئيس التشادي السابق حسين حبري، لكنّ هذه المحاكمة قد تورّط رئيس الوزراء السينغالي وأباه بحكم علاقتهما الوطيدة بحبري وأمواله المودعة في بنك غرب أفريقيا.


لندن: منذ تموز (يوليو) الماضي، يسود مسألة محاكمة الرئيس التشادي السابق حسين حبري أخذ ورد، يكاد يحول هرجًا ومرجًا قضائيًا. ففي بداية ذلك الشهر تقريبًا، أعلن مصطفى غيراسي، المتحدث بلسان الحكومة السينغالية، أن حكومة بلاده قررت تسليم حبري للسلطات المركزية في نجامينا، العاصمة التشادية، إذ كان لاجئًا فيها منذ اطاح به الرئيس التشادي الحالي ادريس ديبي اتنو في العام 1990.

فحبري حكم تشاد بين العامين 1982 و1990، وهو متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وتعذيب، ومسؤول عن سقوط اكثر من 40 الف قتيل من المعارضين السياسيين ومن بعض المجموعات القبلية بحسب تقرير لجنة تحقيق تشادية، إلى جانب الاتهامات الليبية بتعذيب ليبيين واغتصاب ليبيات أثناء الحرب التي قامت بين ليبيا وتشاد في الثمانينات.

السينغال ترحّله

الرئيس التشادي السابق حسين حبري

بدا القرار السينغالي حينذاك أكيدًا، مع تأكيدات حكومة نجامينا أن دكار اتخذت قرارها بترحيل حسين حبري إلى بلاده سريعًا، ليحاكم فيها، خصوصًا أن الرئيس السينغالي عبد الله واد لم يقدم على محاكمة حبري، على الرغم من موافقته على طلب بهذا الشأن رفعه الاتحاد الأفريقي باسم أفريقيا كلها في العام 2006.

تقرر ترحيل حبري عن دكار في الحادي عشر من شهر تموز (يوليو) الماضي. لكن، قبل يوم واحد فقط، أعلنت الحكومة السنغالية تعليق quot;القرار الأكيدquot; الذي أذاعه غيراسي قبل أيام. وقالت مصادر الحكومة السينغالية إن التراجع عن القرار تم نتيجة طلب كبير مفوضي الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نيفي بيلاي، الذي اعتبر من غير المقبول عودة حبري إلى بلاده بعدما أصدرت بحقه حكمًا غيابيًا بالاعدام في العام 2008 بتهمة المساس بأمن تشاد.

... ثم تتراجع!

وفي العشرين من الشهر نفسه، طلبت محكمة العدل الدولية من السنغال محاكمة من دون إبطاء، على جريمة الابادة الجماعية التي ارتكبها نظامه أو تسليمه إلى حكومة بلاده.

وقال بيتر تومكا، رئيس المحكمة خلال جلسة في لاهاي، إن quot;المحكمة تجمع على أن تقوم جمهورية السنغال بتسليم قضية حسين حبري من دون ابطاء الى السلطات المختصة لرفع الدعوى الجنائية أو أن تقوم بتسليمهquot;، مشيرًا إلى أن السنغال لن تحاكم حبري سوى على الجرائم التي ارتكبت بعد تصديق داكار على اتفاقية مكافحة التعذيب، في السادس والعشرين من شهر حزيران (يونيو) 1987، وبعد دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ.

والجدير ذكره في هذا الاطار أن المادة السابعة من هذه الاتفاقية تحديدًا تنصّ على واجب كل دولة يخضع المتهم بالجريمة لولايتها القضائية أن تحيله الى سلطاتها القضائية المختصة أو تقوم بتسليمه لقضاء بلاده.

لتؤكد محاكمته بنهاية 2012

وإذا كانت الحكومة السينغالية قد تغاضت عن مطالبات الاتحاد الأفريقي بمحاكمة حبري، اعتبرت بلجيكا أن رفض داكار إجراء المحاكمة أو تسليمه لمحاكمته يعد انتهاكًا واضحًا للالتزام العام بقمع جرائم القانون الدولي الانساني. وما كان منها إلا أن رفعت الأمر إلى محكمة العدل الدولية في التاسع من شباط (فبراير) 2009، مطالبة المحكمة بأن تأمر السنغال بمحاكمته او تسليمه.

وفي هذا السياق، أسف كليمان أبايفوتا، رئيس جمعية ضحايا القمع السياسي في تشاد لأن محكمة العدل الدولية لم تأمر بتسليم حبري إلى بلجيكا المستعدة لمحاكمته. وبعد صدور مطالبة محكمة العدل الدولية للسينغال بالاسراع في محاكمة حبري، أكدت الحكومة السينغالية تصميمها على تنظيم هذه المحاكمة بحلول نهاية العام الجاري.

رئيس الوزراء السينغالي الحالي عبدول مباي

وأعلنت وزارة العدل السينغالية تشكيل مجموعة عمل بدأت مشاوراتها توًا في دكار مع خبراء الاتحاد الافريقي لدراسة التدابير العملية لهذه المحاكمة، على أن يكون الانطلاق من القضاء السنغالي بعد خضوعه للتعديلات المطلوبة، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية الملف وانتخاب تشكيلة من القضاة، من السينغال ومن خارجها.

مساءلة رئيس الوزراء ووالده

ثمة جانب آخر لم يسلط الضوء عليه في قضية محاكمة حبري. فهو حين فر من نجامينا في الأول من كانون الأول (ديسمبر) 1990، حمل في حقائبه نحو 16 مليار فرنك أفريقي، أي ما يعادل 24.4 مليون يورو.

وما إن وصل حبري بثروته إلى السينغال، بعد توقف سريع في الكاميرون، أودع هذه الأموال في حساب ببنك غرب أفريقيا (CBAO)، وهو مؤسسة مصرفية قامت على أنقاض الفرع السنغالي في البنك الدولي لغرب أفريقيا (BIAO).

مع اقتراب موعد محاكمة حبري في السينغال، تشكل هذه الثروة عبئًا ثقيلًا على صدر السياسيين السينغاليين، إذ حين أودع حبري أمواله في بنك غرب أفريقيا، كان رئيس الوزراء السينغالي الحالي عبدول مباي هو نفسه المدير التنفيذي للبنك حينها، ما سيعرضه للمساءلة من جانب المحكمة الخاصة بمحاكمة حبري.

وقد تستعيض هذه المحكمة برئيس الوزراء عن والده القاضي كيبا مباي، الرئيس السابق للمحكمة العليا في السنغال والقاضي السابق في محكمة العدل الدولية، الذي كان مقربًا جدًا من حبري، وما تردد في التدخل لصالحه لدى الرئيس السابق عبدو ضيوف، والرئيس الحالي عبد الله واد.