ملفات كثيرة عالقة بين الدول الأفريقية، لكن عودة مصر إلى لعب دورها الفاعل في القارة السوداء يترك أصداء إيجابية، ويسرّع تنفيذ الحلول، ليعود الاستقرار والنمو إلى دول أتعبتها الحروب.


أسمرة: يجد مراقب الأحداث والمعطيات الراهنة في المنطقة أن ثمة تحولات ومتغيرات ومستجدات طرأت على الساحة الأفريقية، ابتدأت بانفصال جنوب السودان عن الشمال ونتائجه وآثاره المحلية والإقليمية والدولية، خصوصًا انعكاساته على مصر حيث حدودها الجنوبية وعمقها الإستراتيجي لما له من أهمية قصوى بالنسبة إليها، والعلاقة بين شطري السودان على الرغم من اتفاقية السلام، إلا ان ثمة ملفات ما زالت عالقة بينهما، تمت تسوية ملفين منها خلال الأسبوعين الماضيين في أديس أبابا، هما النفط وإنشاء منطقة عازلة بين البلدين، وذلك بحضور الرئيسين عمر البشير وسلفا كير.

بارقة أمل

يعاني الصومال منذ عشرين عاما مآسي الحرب الأهلية التي مزقت أوصاله إلى دويلات. إلا أن بارقة أمل جديدة تلوح في الأفق، بتولي حسن شيخ محمود رئاسة الصومال. فعلى عاتقه تقع أعباء توحيد البلاد والتئام أبناء الشعب الصومالي تحت راية واحدة بدلًا من التشرذم والتقسيم، إلى جانب فرض الأمن في ربوع البلاد وإعادة إعمار ما خلفته الحرب الأهلية، وتنمية الموارد الاقتصادية وتوفير الخدمات المختلفة من صحة وتعليم وغيرها.

وهناك اليمن وما تشهده ساحته حاليًا من محاولات النظام السابق وجذوره في مختلف مؤسسات الدولة عرقلة النظام الجديد في البلاد، مع عوامل أخرى مساعدة مثل وجود تنظيم القاعدة والحوثيين الذين يساهمون في تأزيم الموقف، فضلًا عن تدهور الوضع الاقتصادي على الرغم من دعم دول مجلس التعاون الخليجي للنظام اليمني الجديد للخروج من هذه الأزمةـ من دون أن ننسى الأهمية الإستراتيجية لليمن في البحر الأحمر، لقربه من باب المندب ومن خليج عدن.

إثيوبيا وثمن استقلاليتها

تشهد إثيوبيا تحولات ومتغيرات سياسية عدة بعد رحيل رئيس الوزراء ميليس زيناوي، الذي حكم البلاد طيلة عشرين عاما مضت، ومع بداية عهد جديد لنائبه هيلي ماريام ديسالين.

تبرز توقعات وتكهنات عدة حول طبيعة النهج الذي سيتبعه محليًا وإقليميًا، خصوصًا مع دول الجوار، والطريقة التي سيُعالج بها القضايا والملفات المختلفة، بما فيها ملف النزاع الحدودي مع جارته إريتريا، بعد أن شهدت السنوات القليلة الماضية نزاعًا مسلحًا بين البلدين، ارتضى الطرفان بعده اللجوء للتحكيم الدولي، الذي حكم بأحقية أريتريا في إقليم بادمي.

لكن هذا الحكم لم ينفذ حتى الآن، على الرغم من وجود غطاء دولي ورعاية أميركية. ولا بد أن هذه العرقلة هي الثمن الذي دفعته الحكومة الأريترية نتيجة تمسكها باستقلاليتها في القرار ورفضها الهيمنة الأميركية، بالاضافة إلى افتعال أزمات متوالية بين بلدين تجمعهما قواسم مشتركة جغرافيًا وتاريخيًا و لغويًا واجتماعيًا.

التحدي الأكبر الذي سيواجهه رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد هو قضية حوض النيل، والاتفاقية الإطارية المسماة باتفاقية عنتيبي، ومدى إمكانية بدء صفحة جديدة في العلاقات مع مصر والسودان، ووضع صيغة تفاهم مقبولة تخدم مصلحة دول المنبع والمصب.

إرادة أريترية قوية

أريتريا دولة حديثة الاستقلال والعهد، استقلت عن إثيوبيا منذ 19 عاما فقط. ومنذ ذلك الحين، تضع الحكومة الاريترية في قمة أولوياتها تأهيل البنية التحتية في دولة كل مرافقها الحكومية مدمرة، بعد سنوات طويلة من الاحتلال عانى خلالها الشعب الأريتري الكثير، وقدم التضحيات من أجل حريته واستقلاليته.

وأريتريا بلد يزخر بالثروات التعدينية والزراعية والحيوانية والسمكية، بفضل موقعها على البحر الأحمر ، ومينائي مصوع وعصب، إلى جانب موقعها الإستراتيجي في القرن الأفريقي وفي دول حوض النيل.

تضع الحكومة الأريترية في سلم أولوياتها مسألة وضع نهاية للأزمات المفتعلة مع جارتها إثيوبيا، من جانب بعض القوى الخارجية، بهدف زعزعة الاستقرار في هذه المنطقة من العالم. ويلمس زائر هذا البلد إرادة قوية لدى القيادة السياسية الأريترية وكافة أعضاء الحكومة للبدء في مرحلة جديدة من العلاقات والتفاهمات والإستراتيجيات والاتفاقيات في كافة المجالات مع مصر، خصوصًا بعد رحيل النظام السابق الذي أهمل أفريقيا ومصالح مصر فيها لمدة عشرين عاما تقريبًا.

على الصعيد الشعبي، يستبشر المواطن في اريتريا خيرًا بعودة مصر إلى الساحة الأفريقية بكل ثقلها ووزنها الإقليمي، وتعويض السنوات الطويلة التي غابت فيها عن انتمائها الأفريقي وعمقها الإستراتيجي، من خلال زيادة آفاق التعاون الثنائي في كافة المجالات.

مصر الجديدة

أما في مصر، وبعد التحولات التي أفرزتها ثورة 25 يناير واتباع القيادة السياسية الجديدة لسياسة خارجية واعدة على صعيد كافة الدوائر العربية والأفريقية والإسلامية والآسيوية وعدم الانحياز، تحرص هذه القيادة على وضع مصالح البلد في قمة أولوياتها من دون التبعية لقوى خارجية كما كان متبعًا خلال ثلاثين عامًا ماضية.

هذا النهج الجديد للسياسة الخارجية المصرية، وخصوصًا في أفريقيا، يبشر بعودة قوية لمصر الأفريقية والمعروفة بريادتها على الساحة الأفريقية بما تقدمه من مجهود وتعاون مع دول القارة، من خلال مؤسساتها المختلفة، ومن بينها الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا، والذي ساهم بدور كبير في إعطاء دفعة للعلاقات المصرية ndash; الأفريقية على مدى سنوات طويلة في كافة المجالات، مع التركيز على الجوانب الاقتصادية والفنية.

ومصر، إحدى أكبر دولتين على البحر الأحمر إلى جانب السعودية، تتميز بموقعها الإستراتيجي وبرصيدها السياسي الكبير والمتميز منذ عهد عبدالناصر، مرورًا بعهد أنور السادات حتى العام 1981. وتستطيع إحداث طفرة جديدة في سياساتها الخارجية الأفريقية، سياسيًا واقتصاديًا واستراتيجيًا وأمنيًا وثقافيًا وزراعيًا.

تعاون إستراتيجي وتكامل اقتصادي

ولتكن هذه البداية الجديدة لبناء علاقات خارجية قوية لمصر في أفريقيا، انطلاقًا من مثلث مصر والسودان واريتريا، نظرًا لعدة عوامل، أولها الحدود الجغرافية المشتركة التي تتقاسمها الدول الثلاث، وثانيها باعتبار الدول الثلاث من الدول المطلة على البحر الأحمر وما له من أهمية في تأمين الملاحة في هذه المنطقة والتصدي للقرصنة، وثالثها كون الدول الثلاث من دول حوض النيل، لما لذلك من أهمية بالغة في التعاون الفني للموارد المائية والتنسيق في كافة المواقف، ووضع إستراتيجية مائية للحفاظ على موارد الدول الثلاث مع بحث الاستفادة من المياه المهدرة خصوصًا في السودان، ورابعها وجود عامل مؤثر يساعد على تنمية التجارة والاستثمار في كافة المجالات، وهو الطريق الدولي الذي يربط بين أريتريا ndash;السودان والذي تم الانتهاء منه، والطريق الدولي الذي يربط بين السودان ومصر.

السودان عامل مشترك بين مصر وأريتريا بحكم موقعها الهام. وفي رأي القيادة السياسية في اريتريا أن هذا الطريق سيتمخض عنه آثار إيجابية على الدول الثلاث على صعيد زيادة التجارة البينية، وحجم الاستثمارات، وإقامة المشروعات الزراعية والصناعية، وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة على الطريق الدولي الممتد من إريتريا إلى السودان وانتهاءً بمصر، واستفادة شعوب الدول الثلاث، وفتح فرص ومجالات عمل جديدة لهم.

يمكن أن يكون مثلث مصر والسودان وأريتريا بدايةً لانضمام دول أخرى بالبحر الأحمر والقرن الأفريقي، مثل الصومال وجيبوتي واليمن وإثيوبيا وجنوب السودان. كما يمكن أن يمتد مستقبلًا إلى دول شمال أفريقيا من خلال مصر.