التسريبات القادمة من أروقة الجمعية التأسيسية لوضع الدستور المصري للجمهورية الثانية، تشير إلى وجود أزمات متلاحقة تهدد هذا الكيان، ومنها على سبيل المثال الخلافات حول صياغة المادة 36 التي تتحدث عن المساواة بين الرجل والمرأة، بما لا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية.


القاهرة:كما تواجه الجمعية التأسيسية دعاوى قضائية تهدد بحلها، والعودة إلى المربع رقم صفر، والبدء من جديد في إختيار جمعية تأسيسية جديدة. ومن المقرر أن تصدر محكمة القضاء الإداري حكمها في القضية بعد غد الموافق في16 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

المربع رقم صفر

العودة إلى المربع رقم صفر، أخطر ما يخشاه المصريون في الجمعية التأسيسية الجديدة، هو صدور حكم بعد غد الثلاثاء الموافق 16 أكتوبر/ تشرين الأول، بحلها، والعودة إلى المربع رقم صفر.

وقال أبو العز الحريري الناشط السياسي، إن التشكيل الجديد للجمعية التأسيسية للدستور جاء مخالفًا لحكم محكمة القضاء الإداري الذي قضى ببطلان تشكيل الجمعية الأولى، مشيراً إلى أن العلة التي أدت إلى صدور حكم ببطلان التشكيل الأول مازال قائماً.

وأوضح الحريري لـquot;إيلافquot; أن الجمعية التأسيسية الثانية تضم من بين أعضائها نواباً من مجلسي الشعب والشورى، رغم صدور حكم قضائي من المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، وتأييد هذا الحكم من قبل المحكمة الإدارية العليا، وبالتالي فإن التشكيل الحالي باطل، رغم ما يقال إن هؤلاء النواب إنضموا للتشكيل الثانيبصفتهم الحزبية وليس بصفتهمالنيابة، ووصف ذلك بأنه التفاف على أحكام القضاء، في وقت قامت فيه ثورة 25 ينايرعلى احترام القضاء وتنفيذ أحكامه.

تشكيل باطل

وقال المحامي شحاته محمد شحاته، رئيس المركزي العربي للنزاهة والشفافية، وهو أيضاً واحد من عشرات المحامين الذين أقاموا الدعوى، إن محكمة القضاء الإداري أشارت في حكمها السابق إلى أن الإعلان الدستوري قد حدد بصراحة ووضوح وغير لبس كيفية تشكيل هيئة الناخبين quot;الاجتماع المشتركquot; والمهمة التي تقوم بها.

وأضاف في صحيفة الدعوى، أن الإعلان الدستوري حدد بعد ذلك مهمة الجمعية التأسيسية، فالأولى تتولى انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية، والثانية تتولى إعداد مشروع الدستور الجديد للبلاد، وهما مهمتان منفصلتان غير متداخلتين.

ولفتت الدعوى إلى أن هذا التحديد الواضح بتشكيل واختصاص كل منهما، يقتضي الالتزام بالحدود المرسومة لهما دون تداخل أو خلط بما يحول دون أن يكون أي من المشاركين في الاجتماع المشترك من بين الأعضاء الذين يتم اختيارهم عن طريق الانتخاب كأعضاء في الجمعية التأسيسية، ولهم فقط أداء المهمة المحددة لهم في المادة (60) من الإعلان الدستوري التي قصرتها على عملية انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية، والذي يقتضي بطبيعة الحال وضع الضوابط والشروط اللازم توافرها فيمن يرشح نفسه لعضوية الجمعية التأسيسية، ويكون مؤهلاً للاشتراك في وضع وإعداد دستور جديد لمصر، ثم تتولى بعد ذلك وفقاً لضوابط وقواعد الانتخاب اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية، وهم مائة عضو، من بين المتوافر فيهم شروط الترشيح من العناصر المؤهلة لهذه المهمة، مشيراً إلى أن الجمعية بهذا التشكيل تعتبر باطلة.

مشاكل الصياغة

وتعتبر الخلافات حول صياغة مواد الدستور أبرز الصعوبات التي تواجه الجمعية في الوقت الراهن، أو في حالة صدور حكم قضائي بالإبقاء عليها. وظهر ذلك واضحاً في ما يخص المادة 36، التي نصها كالتالي quot;تلتزم الدولة باتخاذ كل التدابير التي ترسخ مساواة المرأة مع الرجل في مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وسائر المجالات الأخرى، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلاميةquot;، وأثارت تلك الصياغة سخط وغضب المدافعين عن حقوق المرأة.

وقالت الناشطة نهاد ابو القمصان رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة لـquot;إيلافquot; إن تلك الصياغة تلاقي معارضة شديدة، مشيرة إلى أنها تطرح إشكالتين، الأولى: إزدواج المرجعية في الدستور، ففي الوقت الذي تنص المادة الثانية من الدستور على أن quot;مبادئquot; الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، نجد أن المادة 36 تنص على أن المساواة بين الرجل والمرأة مشروطة بـquot;أحكام الشريعةquot;، مشيرة إلى أن هناك فرقاً شاسعاً ما بين كلمتي quot;مبادئquot;، وquot;أحكامquot;، مما يدل على أن هناك إتجاهاً للتشدد في التعامل مع المرأة في الدستور الجديد.

حرمان المرأة من حقوقها

وأوضحت أن هناك تفسيرات عديدة وغالبيتها متشددة في ما يخص أحكام الشريعة الإسلامية بشأن حقوق المرأة. وأضافت أن الصياغة الحالية تحرم المرأة من أبسط حقوقها، ألا وهو التعليم المنصوص عليه في مواد أخرى من الدستور، لاسيما أن هناك من يفسرون أحكام الشريعة بأنها تمنح ولي الأمر سواء الأب أو الأخ أو الزوج ولاية كاملة على المرأة، وأنها مثلاً لا يحق لها الخروج من المنزل أو تلقي التعليم أو حتى الخروج للعلاج إلا بعد إذن ولي الأمر.

ولفتت إلى أن تلك الصياغة سوف تحرم المرأة المصرية من جملة من الحقوق حصلت عليها بعد نضال لسنوات طويلة، ومنها حق السفر لتلقي العلم مثلاً، بعد أن كان غير مسموح به إلا بعد إذن الزوج.

ونبهت إلى أن تلك الصياغة تؤكد وجود تربص بالمرأة بعد الثورة، لاسيما أن أصوات متشددة تدعو إلى مراجعة القوانين التي صدرت لصالح المرأة خلال السنوات القليلة التي سبقت الثورة، بدعوى أنها quot;قوانين سوزانquot;، منوهة بأن تلك القوانين والحقوق صدرت بعد نضال طويلة من المرأة المصرية، وليس نتيجة تدخل سوزان مبارك.

تعسف التيار الإسلامي

يواجه التيار الإسلامي في مصر إتهامات تتعلق بالإنفراد بصياغة الدستور الجديد والتعسف في إستخدام أغلبيته داخل الجمعية التأسيسية، ما دفع الكثير من الأعضاء المنتمين للتيار المدني إلى الإنسحاب، ورغم عودة بعضهم إلا أن الخلافات مازالت قائمة.

وهناك دعوة أخرى انطلقت بهدف مقاطعة الجمعية، وتبني الدكتور محمد البرادعي وكيل مؤسسي حزب الدستور وحمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي تلك الدعوة، quot; نظراً لعوار تشكيلها واهدارها للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والعدالة الاجتماعية للمصريين والاعتراضات المشروعة على كثير من النصوص التى تسربت عن النقاشات داخل الجمعية الحاليةquot;.

كما دعا القطبان السياسيان quot;الشخصيات المنتمية للقوى والاحزاب الوطنية الديمقراطية إلى الإنسحاب من التشكيل الحالي للجمعية التأسيسية، وتحميل رئيس الجمهورية المنتخب محمد مرسي مسؤولية الاخلال بوعده السابق قبل جولة اعادة الانتخابات الرئاسية بالحرص على معالجة تشكيل الجمعية ليكون اكثر توازناً وتعبيرًا عن تمثيل كافة قوى المجتمع المصري وتنوعهاquot;.

وقال الدكتور جابر نصار الفقيه الدستوري، لـquot;إيلافquot; إن هناك بعض الجهات والتيارات تسعى لفرض وجهات نظرها على الدستور الجديد، مشيراً إلى أن ذلك أدى إلى إنسحاب بعض الأعضاء المنتمين للتيارات المدنية. ولفت إلى أن هناك خلافات بشأن بعض المواد التي يصل عددها إلى سبع مواد على الأكثر، ومنها أربع مواد تم تأجيل النقاش حولها، إلا أن الأعضاء فوجئوا بنشرها على الموقع الإلكتروني للجمعية التأسيسية بالصياغة نفسها التي هي محل خلاف.

وأضاف أن بعض الأعضاء الذين أعلنوا إنسحابهم من الجمعية عادوا إليها مرة أخرى للنضال ضد محاولات فرض وجهات نظر محددة أو خلط الدين بالدولة في الدستور الجديد، الذي ينبغي أن يحفظ حقوق جميع فئات المجتمع، وحذر من أن قرار الإنسحاب مازال قائماً إذا لم يخرج الدستور معبراً عن المصريين جميعاً وبما يليق بتاريخ مصر، وليس فئة أو تيار بعينه.

قانوني ودستوري

فيما يؤكد صبحي صالح عضو الجمعية التأسيسية والقيادي في جماعة الإخوان المسلمين، أن التشكيل الحالي للجمعية قانوني ودستوري، ولا تشوبه أية شائبة، وقال لـquot;إيلافquot; إن الضجة التي أثيرت حول صياغة المادة 36، غير مبررة.

مشيراً إلى أن تلك الصياغة جاءت لتتوافق مع الشريعة الإسلامية في ما يخص الطلاق والزواج و المواريث، التي تنص على أنه quot;للذكر مثل حظ الإنثيينquot;، وترك النص على الإطلاق يفتح الباب أمام مخالفة الشريعة الإسلامية في هذا الشأن. وأضاف أن التيارات الإسلامية لا تستهدف النيل من كرامة أو حقوق المرأة أو العودة بها إلى عصر الحريم، كما يقال.

وأضاف أن أعمال الجمعية التأسيسية تجرى في أجواء تتسم بالشفافية والنزاهة، وتهدف إلى صياغة عقد إجتماعي متوازن يحفظ حقوق جميع فئات المجتمع المصري ككل، ولكن شريطة ألا تتعارض تلك الحقوق مع الشريعة الإسلامية. ولفت إلى أن الجمعية التأسيسية تعبر عن جميع التيارات السياسية وفئات المجتمع، والقول بأن التيار الإسلامي يسيطر عليها عارٍ تماماً من الصحة، والهدف منه تعطيل أعمال الجمعية والعودة بها وبالبلاد إلى المربع رقم صفر.