ابتهجت غالبية التيارات السياسية في مصر فرحاً بصدور حكم قضائي بإلغاء اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، معتبرين إياه الحل الأمثل للأزمة التي كانت محتدمة بين القوى السياسية الليبراليية، إضافة إلى الأزهر والكنيسة والمحكمة الدستورية العليا من جانب، والقوى الإسلامية ممثلة في الإخوان والسلفيين من جانب آخر.


الدستور أولاً

القاهرة: رغم ذلك كله، ما زالت الأزمة مستمرة، بل تعقدت أكثر من ذي قبل، لاسيما في ظل إصرار المجلس العسكري بقيادة المشير حسين طنطاوي على الإنتهاء من صياغة الدستور والإستفتاء عليه قبل حلول موعد تسلم الرئيس المنتخب السلطة في 30 يونيو/ حزيران المقبل.

ويرى خبراء وسياسيون أن هناك صعوبة بالغة في تشكيل لجنة تأسيسية جديدة، ثم وضع الدستور خلال هذه الفترة. وبرزت إلى السطح مرة أخرى أزمة quot;الدستور أم الإنتخابات أولاًquot;، التي طفت للمرة الأولى في بداية شهر آذار/مارس 2011، وانتهت بـquot;الإنتخابات البرلمانية أولاًquot;، وها هي تعود من جديد، ولكن مع اقتراب الإنتخابات الرئاسية، فبينما يطالب البعض بتأجيل الإنتخابات الرئاسية، ووضع الدستور أولاً، يدعو البعض الآخر إلى إجراء الإنتخابات في موعدها، وتأجيل وضع الدستور إلى ما بعد تسلم الرئيس السلطة من العسكر.

غموض
ووفقاً للدكتور وحيد عبد المجيد النائب في مجلس الشعب فإن المشهد السياسي في مصر يعاني أزمة حقيقية، لافتاً إلى أن استمرار الخلاف حول اللجنة التأسيسية الجديدة، وغموض موقفها ومعايير اختيارها، إضافة إلى المطالبة بوضع الدستور قبل الإنتخابات الرئاسية أمر في غاية الصعوبة.
وأضاف لـquot;إيلافquot; أن اللجنة الجديدة في حال تشكيلها ستكون أمام تحدّ خطر، مشيراً إلى أنها ستكون مطالبة بأن تدخل في سباق مع الزمن وتصل الليل بالنهار من أجل الإنتهاء من وضع الدستور قبل 30 يونيو المقبل.

وينبه إلى أنه في حالة عدم تحقيق هذا الهدف، فإن البديل هو تسليم السلطة من المجلس العسكري إلى الرئيس المنتخب بصلاحيات واسعة، ما قد يؤدي إلى حدوث صدام بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية أو رئيس الجمهورية، ولا أحد يستبعد إمكانية تدخل الرئيس في أعمال اللجنة التأسيسية.

ولفت إلى أن كل هذه التعقيدات ترجع إلى رفض بعض القوى السياسية والمجلس العسكري وضع الدستور أولاً في آذار/مارس 2011، بعد سقوط نظام الحكم السابق، مشيراً إلى أن الشعب المصري والثورة يدفعان الثمن من الأمن والإستقرار بسبب هذا الخطأ. غير أن عبد المجيد يحبذ الإنتهاء من الدستور قبل الإنتخابات الرئاسية، وفي الوقت نفسه، يشدد على أهمية إجراء الإنتخابات في موعدها، وتسليم السلطة في 30 يونيو المقبل.

الدستور قبل الرئاسة
وحسب وجهة نظر الدكتور بهاء الدين شعبان مؤسس حزب الحزب الإشتراكي المصري، فإن هناك العديد من الأزمات تواجه وضع الدستور حالياً. وأوضح لـquot;إيلافquot; أن معايير اختيار اللجنة التأسيسية ما زالت غامضة، إضافة إلى توقع حدوث مشاكل وأزمات عند اختيار الأعضاء، فضلاً عن المشاكل التي سوف تواجهها عند وضع الدستور، حيث يتطلب ذلك التدقيق واستطلاع آراء ممثلين عن مختلف التيارات وأطياف المجتمع، وصياغة كل بنود الدستور، والإستفتاء عليها، ولفت إلى أنه من رابع المستحيلات حدوث كل هذه الإجراءات خلال أقل من 60 يوماً.

تظاهرات العام الماضي

يرجع شعبان ذلك المأزق إلى خطة إدارة المرحلة الإنتقالية الخاطئة، حيث تم البدء بالإنتخابات أولاً، في حين كان من الأولى أو الأصح أن يكون الدستور أولاً. ولفت إلى أنه بسبب هذه الخريطة الخاطئة تأخرنا أكثر من عام عن تونس، مشيراً إلى أنه رغم أن من نادوا بالإنتخابات أولاً، كانوا يبررون هذا الأمر بالحصول على الاستقرار والأمن وإدارة عجلة الإنتاج، إلا أن شيئاً من ذلك لم يتحقق، بل تدهورت الأحوال الأمنية والإقتصادية عما كانت عليه قبل شهر مارس 2011، موعد الإستفتاء على الإعلان الدستوري.

يبدي شعبان مرونة كبيرة بشأن تأجيل الإنتخابات الرئاسية في سبيل إعداد دستور حقيقي، يكون معبّراً عن ثورة 25 يناير، ويلبي تطلعات الشعب المصري في الحرية والتنمية والديمقراطية، وقال إن موعد 30 يونيو/ حزيران ليس مقدساً، ويمكن تأجيل الإنتخابات، حتى يتم وضع الأساس السليم لبناء الدولة، مشيراً إلى أنه لا يمكن إقامة كل السلطات مثل البرلمان والرئيس، من دون أن يوضع الدستور الذي سينظم عملها، ويحدد سلطات كل منها.

لا دستور مع العسكر
وفي الوقت الذي ينادي فيه شعبان بتأجيل الإنتخابات، يرفض شباب الثورة هذا الطرح، بل يتبنون أطروحة أخرى، تتمثل في ضرورة تأجيل وضع الدستور إلى ما بعد عودة العسكر إلى ثكناته. وقالت أنجي حمدي عضو المكتب السياسي لحركة 6 أبريل إن الجميع الآن، وعلى رأسهم الغالبية، أدرك الخطأ الذي وقع فيه، من خلال محاولة فرض غالبيتهم على الشعب وقوى الثورة، كما أدركوا أن الثوار كانوا وما زالوا يسيرون على الطريق الصحيح.

لافتة إلى أن الحركة وشباب الثورة عموماً لديهم موقف مبدئي وواضح من هذه المسألة، ويرفعون شعار quot;لا دستور تحت حكم العسكرquot;، وشددت حمدي على ضرورة العمل وفق قاعدة الدستور ملك لكل المصريين، وليس لغالبية البرلمان عند إعادة تشكيل تأسيسية الدستور، مشيرة إلى أن حركة 6 أبريل سوف تعقد اجتماعات ستتم خلال الأيام المقبلة مع مختلف التيارات السياسية والقوى الثورية، من أجل مناقشة ووضع معايير وآليات لاختيار اللجنة التأسيسية للدستور.

وأكدت حمدي أهمية التمسك بالجدول الزمني المحدد لتسليم السلطة للرئيس المنتخب في 30 يونيو/ حزيران المقبل، ولكن في الوقت نفسه يجب تأجيل وضع الدستور إلى ما بعد هذا التاريخ، حتى لا تتم صياغة الدستور في ظل حكم العسكر.