أخذت الولايات المتحدة تزيد ما تقدمه من معلومات استخباراتية إلى تركيا وتكثف مشاوراتها العسكرية معها من وراء الكواليس في وقت يتحسب البلدان لاحتمال تفاقم الحرب الأهلية في سوريا وتطورها إلى حرب إقليمية، كما أفاد مسؤولون أميركيون وأطلسيون.


عبد الإله مجيد: كانت ادارة اوباما اعلنت انها لا تريد الانجرار عسكريًا الى النزاع السوري، وظلت طيلة أشهر تقاوم ضغوط حلفاء عرب وبعض الجمهوريين لدعم المعارضة السورية المسلحة بمساعدات ذات معنى.

لكن حين فاض النزاع السوري الداخلي خارج حدود سوريا الشمالية الى تركيا، بادرت الولايات المتحدة الى تعزيز تعاونها مع تركيا العضو المهم في حلف شمالي الأطلسي.

واجتمع مسؤولون عسكريون من البلدين خلال الأسابيع الماضية لإعداد خطط طوارئ، تشتمل على فرض مناطق حظر جوي فوق الأراضي السورية أو السيطرة على ترسانات النظام السوري من الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية، كما كشف مسؤولون اميركيون.

واضاف المسؤولون ان اجهزة الاستخبارات الاميركية كانت ايضًا مصدر المعلومات، التي أدت الى تحرك الجيش التركي لاعتراض طائرة مدنية سورية آتية من موسكو في طريقها الى دمشق، وإجبارها على الهبوط في تركيا، للاشتباه في أنها تحمل معدات عسكرية روسية الصنع.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤول اميركي طلب عدم ذكر اسمه ان الطائرة السورية كانت تحمل مكونات رادار وقطع غيار كهربائية لمنظومات الدفاع الجوي روسية الصنع، التي يستخدمها جيش النظام السوري. ويعتمد النظام السوري منذ عقود على روسيا لمساعدته على بناء شبكات الرادار ودفاعاته الجوية، التي تعتبر من بين الأوسع في الشرق الأوسط.

أثار إجبار الطائرة على الهبوط وتفتيشها نزاعًا دبلوماسيا بين تركيا وروسيا وسوريا، وصبّ مزيدا من الزيت على الاحتقان الذي حدث بين انقرة ودمشق في 3 تشرين الأول/اكتوبر، عندما قُتل خمسة مدنيين اتراك بقذيفة اطلقتها قوات النظام السوري.

منذ ذلك الوقت استمر القصف المتبادل عبر الحدود بالارتباط مع هجمات الجيش النظامي على مقاتلي الجيش الحر في مناطق الحدود الشمالية، وسقوط قذائف احيانا داخل الأراضي التركية. وكانت تركيا ترد بنيران المدفعية محذرة دمشق من تزايد خطر اندلاع حرب شاملة.

واعلنت الولايات المتحدة وحلف الأطلسي دعمهما لتركيا وحقها في الدفاع عن النفس مع الدعوة في الوقت نفسه الى ضبط النفس والتأكيد في الوقت نفسه ان لا واشنطن ولا بروكسل تعتزم التورّط عسكريا.

لكن ما يجري وراء الكواليس قصة مغايرة. فان المناوشات الحدودية أحدثت تغييرا في الحسابات الاستراتيجية، ودفعت المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين الاميركيين بصفة خاصة الى تعزيز التعاون مع تركيا.

واعلن السفير الاميركي في انقرة فرانسيس ريتشاردوني للصحافيين quot;استطيع ان اؤكد لكم ان جيشينا وضباطنا على اتصال، وهذا الاسبوع اعرف ان هناك تركيزًا خاصًا على سوريا من جانب خبرائنا العسكريين، وان ما يتقنه العسكريون هو التخطيط لكل الطوارئ ولكل الاحتمالاتquot;.

وقال ريتشاردوني ان قرارا سياسيا لم يُتخذ لدعم أو فرض منطقة حظر جوي فوق الأراضي السورية من اجل حماية المدنيين أو ناشطي المعارضة، ولكنه اعترف بأن المسؤولين الاميركيين والاتراك والأطلسيين يبحثون كل الخيارات المطروحة. وقال quot;هل نفكر في ذلك؟quot; ثم أضاف quot;نحن نفكر في كل شيءquot;.

لم يدخل ريتشاردوني في تفاصيل الاتصالات والمحادثات العسكرية الأخيرة بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن سوريا، ولكن تصريحاته جاءت بعد زيارة قائد قوات حلف الأطلسي والقوات الاميركية في اوروبا الادميرال جيمس ستافريديس الى انقرة وازمير في مطلع تشرين الأول/اكتوبر.

ولم يتحدث ستافريديس للصحافيين، ولكنه نشر رسالة على فايسبوك، قال فيها انه اجتمع مع وزير الدفاع التركي عصمت يلماز ورئيس الاركان التركي نجدت اوزيل، واجرى معهما quot;محادثات مهمة تتعلق بالأحداث الجارية في بلاد الشامquot;.

وأكد مسؤول اطلسي ان ستافريديس بحث الوضع المتفجر على الحدود السورية ـ التركية، ولكنه اضاف ان تركيا لم تقدم أية طلبات رسمية لمساعدتها عسكريًا، لا من حلف الأطلسي ولا من واشنطن.

لا تريد تركيا من حلف الأطلسي في الوقت الحاضر أكثر من مواقف معلنة بدعمها، وتأكيدات بأن الحلف سيهبّ لمساعدتها، إذا دعت الحاجة، كما أوضح روس ولسن السفير الاميركي السابق في تركيا والمدير حاليًا في مركز دينو باتريشيو يوريشيا التابع للمجلس الأطلسي في واشنطن.

وقال ولسن ان ما يريده الأتراك حاليًا هو دعم سياسي، وليس أسرابًا من المقاتلات أو آلافًا من الجنود، ولكنه اضاف ان تركيا تريد من الولايات المتحدة وحلف الأطلسي ان يؤكدا ايضا استعدادهما لتحديث التحضيرات والخطط العسكرية في حال خروج الأحداث على الحدود السورية عن السيطرة.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن ولسن quot;ان هناك بنظر الاتراك جملة سيناريوهات يمكن ان تسفر عن تدخل خارجي، ولكنهم لا يرون احدًا يتحدث عن الأمر بالقدر الذي يودون رؤيتهquot;.

وكانت ادارة اوباما لوّحت بالتدخل إذا استخدم نظام الأسد اسلحة كيمياوية أو بيولوجية، وقال مسؤولون في البنتاغون انهم يراقبون حركة هذه الأسلحة ومواقع تخزينها.

لكن الادارة الاميركية، إذ تضع نصب عينيها الانتخابات الوشيكة، اعلنت انها تدعو اولاً الى حل سياسي للحرب الأهلية السورية، وحثت مجلس الأمن الدولي على التحرك، رغم اعتراض روسيا والصين اللتين تتمتعان بحق الفيتو في المجلس.

وقال سونر كاجابتاي مدير برنامج البحث التركي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ان تركيا، إزاء هذا الشلل الاميركي، قد تضغط على حلف الأطلسي للتدخل حتى من دون قرار أو تفويض من مجلس الأمن الدولي، ربما بفرض منطقة حظر جوي أو اقامة ملاذ آمن للاجئين السوريين إذا تفاقمت الحرب الأهلية. ولجأ الى تركيا حتى الآن أكثر من 100 الف سوري.

وقال كاجابتاي quot;ان حلف الأطلسي هو الأمم المتحدة بالنسبة إلى أنقرة حين يتعلق الأمر بسورياquot;. واعترف كاجابتاي بأن العديد من الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الأطلسي ستحجم عن التدخل بتأثير الأزمة الاقتصادية في اوروبا، ولكنه قال ان البديل سيكون تقدم دول أطلسية مختارة، كأن تكون الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لمساعدة تركيا على تدخل عسكري مع بقاء الدول الأخرى خارج الحلبة.

وقال كاجابتاي quot;انه يمكن ان يكون quot;ائتلاف المحاربينquot; داخل حلف الأطلسيquot; على غرار ما فعله الحلف خلال العام الماضي في ليبيا بإسقاط العقيد معمّر القذافي.