تدخل الأزمة السياسية العراقية اليوم ثلاجة الانتطار حتى تنتهي عطلة عيد الأضحى في نهاية الشهر الجاري لتعاود الخلافات والتصريحات تصاعدها، وقد يذهب ثمنًا لها أكثر من ضحية يمكن تقديمها كأضحية متأخرة لعيد الساسة في العراق، الذي تتناهبه الخلافات والأزمات بلا انقطاع منذ نحو عقد من الزمان.


عبد الرحمن الماجدي من أمستردام: تسبب قرب حلول عيد الأضحى بتوقف نشاطات العملية السياسية العراقية ليدخل الساسة في فترة راحة واستجمام وحجّ جماعي كما في كل عام، شمل هذه المرة حتى غير المتدينين منهم.

فبعدما كانت الأنظار تتجه نحو السليمانية quot;مقر الرئيس العراقي جلال الطالبانيquot; بعد عودته من رحلته العلاجية في ألمانيا في الشهر الماضي، تراجعت تفاؤلات المنتظرين عودة الرئيس بحلّ سحري للعملية السياسية التي تعصف بها أزمات شتى، لعل أبزرها مشكلة المركز مع إقليم كردستان العراق المتخوف من التوجهات التسليحية العراقية، وكان آخرها مع روسيا الاتحادية في الأسبوع الماضي، بعقد كبير بلغت قيمته نحو 4 مليارات دولارات ونصف مليار، إضافة إلى ازمة ائتلاف دولة القانون مع كل من ائتلاف العراقية والتيار الصدري، الذين ينظرون بعين الوجل إلى كل تحرك يقوم به رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، المتهم بالتفرد في اتخاذ القرارات في حكومة الشراكة الوطنية، التي لم تحلّ حتى الآن مشكلة وزاراتها الامنية التي تتوزع حصصها بين الكتل المتخالفة.

الأنباء الواردة من أربيل تشير إلى تحضير لاجتماعات بين خصوم ريئس الوزراء العراقي للبحث في إيحاء مشروع سحب الثقة من المالكي، الذي لم يكتب له النجاح حين طرح قبل أشهر.

وقد أرجأ التحالف الكردستاني زيارة وفد يمثله لبغداد وفق ما أعلنه النائب عن التحالف الكردستاني حسن جهاد الى ما بعد عيد الاضحى، مبيناً ان الوفد quot;سيأتي الى بغداد بعد عطلة العيد، وسيكون برئاسة نائب رئيس وزراء الاقليم، اذ سيخوض مع القيادات العراقية في كثير من القضايا الخلافيةquot;.

مشيرا الى ان القضايا التي سيتم التطرق إليها، هي القضايا الخلافية بين الاقليم والمركز، منها تسليح الجيش العراقي، وموضوع النفطquot;. حيث كان رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني اجتمع أخيرًا بالقوى الكردستانية، وتقرر ارسال وفد كردي الى بغداد للتفاوض حول القضايا الخلافية بين الاقليم والمركز.

من جانبه أكد النائب عن التحالف الوطني عادل فضالة المالكي أن الرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية جلال الطالباني، ورئيس الوزراء نوري المالكي، ورئيس مجلس النواب اسامة النجيفي) سيجتمعون بعد عيد الاضحى، لوضع اللمسات الاخيرة لعقد الاجتماع الوطني، الذي سيحسم الوزارات الامنية، التي تعتبر إحدى المشاكل العالقة منذ تشكيل الحكومة، وتتحمّل هذا التأخير الكتل السياسية، وليس رئيس الوزراء نوري المالكي، لان هذه الكتل لم ترشح شخصيات كفوءة وفقا للنائب المالكي.

تأتي هذه التأجيلات إلى ما بعد العيد مع هجوم شنه عضو إئتلاف دولة القانون النائب علي الشلاه على أعضاء القائمة العراقية في مجلس النواب قائلاً إنهم quot;تركوا مجلس النواب، وذهبوا لاداء مناسك الحج، حتى من دون إخبار الحكومة العراقيةquot;. مبينًا quot;أن القائمة العراقية لم يبق منها في مجلس النواب الا عشرون نائبا، والبقية غادرت عبر مطارات دول شقيقة لأداء فريضة الحج بدعوة خاصةquot;.

لكن مشكلة حج أعضاء البرلمان باتت تتكرر مع كل موسم حج ومن قبل جميع الكتل، حيث يحرص النواب، خاصة من الاحزاب الاسلامية، على استغلالها للسفر، سواء للحج أو تمديدها تحت العذر نفسه لسفرات أخرى خاصة. فبغلق البرلمان العراقي أبوابه مع اقتراب كل موسم حج يتعطل تشريع القوانين.

من تبقى من النواب يواصل تصريحاته حول الازمة التي تعصف بالعملية السياسية في العراق بحثا عن حل، ولو بتقديم أضحية أو اضاح لها من الاحزاب المتناطحة. فالنائب عن دولة القانون سامي العسكري قال في تصريح صحافي ان quot;استمرار البرلمان بتعطيل القوانين لن يبقي خيارًا سوى حله، والذهاب الى انتخابات مبكرة، مضيفاً أن quot;البرلمان مطلوب منه أن يؤدي واجبه، لكنه أصبح عقبة أمام عمل الحكومة واقرار القوانين. وهم رد، كما يبدو، على تسريبات أربيل بمعاودة طرح سحب الثقة من رئيس الوزراء او استجوابه في البرلمان التي يخطط لها خصوم دولة القانون.

ليرد عليه النائب حسن العلوي بأن الخريطة السياسية القائمة على أساس التوافق ومنذ انطلاقها بعد عام 2003 تجعل من المستحيل تطبيق الشعارات المرفوعة من قبل بعض السياسيين. وأن الخريطة السياسية تمنع حدوث انتخابات مبكرة او حلا لمجلس النواب او حكومة غالبية سياسية.

وأوضح العلوي أن الذين يطرحون أي شعار من هذه الشعارات يعلمون جيدًا أن لا قدرة على اجراء انتخابات، ولا أحد يستطيع ان يحل مجلس النواب، ولا يمكن ان تكون حكومة غالبية سياسية في العراق، لانها تتعارض مع التوافق السياسي القائم بين المكونات، فهذه أكذوبة، والذين يتداولونها اعلم من غيرهم انها من المستحيلات السياسية.

فيما يرى النائب عن ائتلاف دولة القانون سلمان الموسوي ان في حال تم تشكيل حكومة الغالبية سينخرط في تشكيلها ممثلون عن محافظات الانبار وكركوك ونينوى وصلاح الدين وديالى، ممن لم يكن لهم تمثيل في الحكومة الحالية، مضيفا أنquot; فكرة حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة ليست ورقة للضغط او مجرد تلويح، وانما هو مقترح للتعجيل بحل الازمة السياسية التي يسعى البعض إلى تعميقها بدلاً من الخروج منهاquot;.

يرى الموسوي أنquot; تفسيرات البعض لحكومة الغالبية على انها ستكون طائفية تمثل غالبية شيعية، عارية من الصحة، لانها ستضم كل من يقتنع بالعملية السياسية، وسيشارك فيها شيوخ عشائر وشخصيات مؤثرة من المحافظات الغربية الذين طالبوا بان يدخلوا في قائمة واحدة مع الحكومةquot;.

يتطابق كلام الموسوي مع رأي الامين العام للكتلة جمال البطيخ في بيان صحافي بأن quot;اكثر من نصف أعضاء البرلمان مع خيار حكومة الغالبية السياسية لإنهاء الأزمة والبدء في بناء البلاد بصورة حقيقية، حيث ان التوجّه الحالي في البرلمان هو نحو تشكيل حكومة الغالبية السياسيةquot;.

وأكد البطيخ أن quot;حكومة المحاصصة فشلت فشلا كبيرا في ادارة شؤون الدولة والمجتمع، لان المحاصصة أصبحت في كل زاوية من زوايا المفاصل الادارية للدولة العراقية.

ويرى متابعون للمشهد السياسي العراقي أن الانظار تتجه منذ الآن حتى تنتهي عطلة عيد الأضحى، ويعود النواب من حجهم وسفرهم وعطلتهم الطويلة، تكون مياه كثيرة قد مرت في نهر الاتصالات بين قادة الكتل الذين باتوا يتحكمون بالعملية السياسية في العراق، ويتبعهم البرلمان كمنفذ لأوامرهم بالتصويت على اتفاق ما او ضده. وسيأتون بضحية جديدة لذبحها على دكة الخلافات السياسية التي دخل الخلاف منذ الآن على من يخلف آخر أضحية كانت تقف على رأس البنك المركزي العراقي الذي صدرت مذكرة توقيف بحق محافظه سنان الشبيبي قبل يومين.