مع اشتعال حدة المنافسة بين الرئيس باراك أوباما ومنافسه ميت رومني مع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية، وقبل يوم واحد فقط من المناظرة الرئاسية التي ستبدأ بينهما يوم غد بخصوص السياسة الخارجية، من المحتمل أن يتم التطرق خلالها إلى العملية التي نجح فيها فريق أميركي في تصفية زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
أشرف أبوجلالة من القاهرة، وكالات: في ظل احتدام الأجواء التنافسية بين المرشحين الديمقراطي والجمهوري، ومحاولة الأول تصوير العملية على أنها واحدة من أهم انجازاته الفردية، ورد الثاني بتأكيده على أن الفضل يعود فيها إلى ضباط الجيش والمخابرات المحترفين، سردت صحيفة واشنطن بوست الأميركية خلاصة لحقيقة ما دار في العملية من كواليس، وأبرزت في السياق عينه كذلك خمس خرافات لطالما أثير من حولها الجدل بهذا الخصوص.
1- قرار تنفيذ العملية كان قراراً غاية في الصعوبة. وهذا ليس صحيحاً. لأن فكرة مخالفة أوباما لنصيحة أبرز مستشاريه بخصوص أمر فريق البحرية الأميركية quot;سيلquot; بشن هجوم على مقر إقامة بن لادن في باكستان قد نشأت على ما يبدو من تقارير تحدثت عن مناقشات حماسية أجراها الرئيس في الأسابيع التي سبقت الغارة.
ونُقِل عن توني بلينكين، مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس جو بايدن، متحدثاً لشبكة سي إن إن قوله quot;أولاً لم نكن متيقنين في البداية من مكان بن لادن، والأدلة التي كانت لدينا كانت ظرفية. وثانياً أوصى معظم أبرز مستشاري أوباما بمسار عمل مختلفquot;.
وبحلول اجتماعهم الأخير قبل ثلاثة أيام من شن الغارة، فضَّل كل المدراء تقريباً فكرة إرسال فريق سيل، وفقاً لمقابلات أجرتها الصحيفة. وكان الاستثناء الوحيد بايدن، الذي كان يريد مزيداً من الوقت للتأكد من وجود بن لادن في المكان الذي يعيش فيه.
مع هذا، فقد سبق وأن تقبل أوباما قبلها بأشهر عدة أن فرص وجود بن لادن في المجمع هي في الأساس 50 ndash; 50. وقد أمده مستشاروه ببدائل لشن هجوم مباشر. وكان يفضل وزير الدفاع، روبرت غيتس، ونائب رئيس هيئة الأركان المشتركة، جيمس كارترايت، إطلاق قذيفة صغيرة من طائرة آلية تعمل بدون طيار فوق الرجل الطويل الذي كان يُرَى في كثير من الأحيان وهو يمشي بداخل أسوار ذلك المجمع السكني.
وأوضحت الصحيفة أن ذلك الخيار كانت تتزايد معه أخطار فقدان الهدف، لكنه كان أقل خطورة بشكل أكبر عن إرسال فريق quot;سيلquot; لباكستان. ثم غيَّر غيتس رأيه في وقت لاحق بشأن هجوم الطائرة الآلية، لكن أوباما كان قد أذن بشن الغارة بحلول ذلك الوقت.
2- قيام أوباما بإلغاء العملية مرات عدة. وهذا هو الادعاء الذي نقله ريتشارد مينيتيرين، صاحب كتاب quot;القيادة من الخلفquot;، الذي نشر في الصيف الماضي. وهو ادعاء يروق على ما يبدو لهؤلاء الذين ينظرن إلى الرئيس باعتباره شخصية مسالمة ومنغلقة، لكنه يتناقض مع كل وصف قاله المدراء المعنيون، والذين قابلت الصحيفة كثيرون منهم. كما إنه يتناقض مع الجدول الزمني الخاص بالتحضير للمهمة.
3- اشتراك فريق سيل في تبادل لإطلاق النار لمدة طويلة. وهذا أمر مبالغ فيه، وقد استمد من التصريحات التي أدلى بها مسؤولو إدارة أوباما لوسائل الإعلام، قبل أن يحصلوا على كامل تفاصيل العملية.
لكن الحقيقة هي أن الفريق واجه انفجاراً واحداً لنيران غير دقيقة، كما بدا واضحاً من جانب إبراهيم أحمد سعيد، وهو الرسول الذي قاد القوات الأميركية عن غير قصد إلى مكان بن لادن. وقد تم إطلاق النار من جانبه بمجرد أن وصل الفريق إلى المجمع السكني، ورد الفريق بإطلاق أعيرة نارية هو الآخر، ما أسفر عن مقتل سعيد. واستمر الفريق في إطلاق النار أثناء تنقله من غرفة إلى أخرى، ما تسبب في مقتل شقيق سعيد وزوجته ونجل بن لادن وبن لادن نفسه.
4- حياة بن لادن المترفة. وهي خرافة استمدت من تصريحات سبق وأن أدلى بها برينان، مستشار الأمن القومي، في الأيام التي تلت الغارة. حيث وصف بن لادن بـ quot;المنافقquot; وقال إنه quot;كان يعيش في ترفquot;. والحقيقة هي أن بن لادن كان زاهداً، ويرفض العيش بسبل الراحة الحديثة، مثل تكييف الهواء والتبريد. واختبأ في آخر خمس سنوات في حياته برفقة ثلاث من زوجاته وعدد من أبنائه في الطبقتين العلويتين الضيقين في ذلك المنزل الكائن في منطقة أبوت أباد، لا يغادرونه إلا للتمشية في الحديقة.
5- اهتمام طاقم أوباما بتسريب أسرار عن الغارة للصحافيين. وهو ما لم يحدث، وربما قيل ذلك من جانب الخصوم السياسيين لأوباما على أمل تشويش ذلك النجاح غير المخلوط من جانب أوباما ورفاقه على صعيد الأمن القومي والسياسة الخارجية لبلاده.
وكان التسريب الوحيد الأبرز هو ذلك الذي تم من قِبل مات بيسونيت، مؤلف كتاب quot;ما من يوم سهلquot;، وهو عضو سابق في فريق سيل كان يستخدم اسم مارك أوين، ويواجه الآن تهديدات من قبل البنتاغون بأن تتم محاسبته على فعلته.
السياسة الخارجية ليست عاملا حاسمًا للأميركيين
وقد يدخل تطور اخير في صلب اخر مناظرة متلفزة بين أوباما ورومني، وستكون مخصصة هذه المرة للسياسة الخارجية.
والمقصود، موافقة إيران على اجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة حول برنامجها النووي كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز السبت. لكن واشنطن نفت هذه المعلومات.
وقبل 15 يوما من الاستحقاق الانتخابي في السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، سيتواجه أوباما ورومني اللذان لا يزالان متقاربين في استطلاعات الرأي، في جامعة في بوكا ريتون بولاية فلوريدا (جنوب شرق) في اطار ثالث مناظرة بينهما هذا الشهر. وكان الرئيس اخفق في ادائه في المناظرة الاولى قبل ان يحسن وضعه الثلاثاء الماضي اثناء المناظرة الثانية.
وخلافا للاقتصاد لا تعتبر السياسة الخارجية عاملا حاسما في خيار الناخبين الاميركيين الا في وضع خطير، كما حصل مع جيمي كارتر في 1980، اثناء ازمة الرهائن الاميركيين الطويلة في إيران. وعلى عكس ذلك استفاد جورج دبليو بوش في 2004 من تأثير التعبئة ابان الحرب في العراق.
وشدد أوباما على انه وفى بوعوده الاساسية مثل الانسحاب من العراق وبدء المرحلة الانتقالية في افغانستان وتحقيق نجاحات ضد تنظيم القاعدة. وقد تحدث الرئيس بلهجة ساخرة اثناء عشاء ساهر شارك فيه ايضا خصمه مساء الخميس، عن مناظرة الاثنين قائلا quot;اروي لكم النهاية: لقد نلنا من بن لادنquot;. فمقتل زعيم القاعدة في ايار/مايو 2011 عطل الى حد كبير الانتقاد التقليدي الذي يوجهه الجمهوريون الى الديموقراطيين آخذين عليهم ضعفهم المفترض في الشؤون الامنية.
وتوقع جوستان فاييس صاحب كتاب quot;باراك أوباما وسياسته الخارجيةquot; من مؤسسة بروكينغز للابحاث ان يركز أوباما الاثنين على الدور quot;المعطى له بشكل تلقائي: فهو القائد الاعلى للقوات المسلحة وقد امر بالغارة على بن لادن وضربات الطائرات بدون طيار على (الامام اليمني انور) العولقي والاف اخرينquot; من المشتبه بانتمائهم الى الشبكة المتطرفةquot;.
ومنذ بدء الحملة الانتخابية يسعى رومني الى تشويه هذه الصورة خصوصا بمهاجمة استراتيجية الادارة الديموقراطية في الملف الإيراني. وفي هذا الصدد قال المرشح الجمهوري خلال المناظرة الثانية قرب نيويورك quot;باتت إيران (اليوم) اقرب باربع سنوات من اقتناء قنبلة نوويةquot;. لكن هذه الحجة قد تنعدم ان وافقت طهران فعلا على التفاوض، بعد ان عانى اقتصادها من العقوبات المشددة التي فرضها أوباما بالتنسيق مع قسم من المجتمع الدولي.
ويتهم رومني أوباما بانه quot;تخلىquot; عن اسرائيل كما يأخذ عليه تراخيه في موضوع سوريا بين تطورات اخرى عنيفة في اطار quot;الربيع العربيquot;. وقال الثلاثاء الماضي ان استراتيجية أوباما في الشرق الاوسط quot;على وشك الانهيار تحت انظارناquot;.
والموضوع الرئيسي الذي يسعى رومني الى وضع الرئيس المرشح في موقع صعب بشأنه هو الهجوم الذي اودى بحياة اربعة دبلوماسيين اميركيين بينهم السفير في ليبيا في 11 ايلول/سبتمبر الماضي في بنغازي شرق ليبيا.
كذلك من المتوقع ان يعود المرشح الجمهوري في بوكا ريتون الى هذا الموضوع بعد ان اتهم أوباما بانه تأخر في وصف ذلك الهجوم بquot;الارهابيquot;. لكن ذلك الاتهام خاطىء وقد استعادته المشرفة على مناظرة الثلاثاء.
وسيستأنف أوباما ورومني صباح الثلاثاء حملتهما بوتيرة متسارعة اكثر فاكثر. ومن المقرر ان يتوجه الرئيس الى ست ولايات بين الثلاثاء والخميس، بدءا بفلوريدا وصولا الى اوهايو مرورا بكولورادو ونيفادا وفرجينيا وايلينوي.
وباستثناء الاخيرة معقل أوباما حيث سيصوت مسبقا الخميس، تعتبر هذه الولايات حاسمة في انتخابات تنظم من ولاية الى اخرى. وفي هذا الاطار ما زال أوباما يحتفظ بتقدمه على خصمه رغم تعادلهما تقريبا في استطلاعات الرأي الوطنية.
التعليقات