لندن: تبين وثائق عُثر عليها في المجمع الذي قُتل فيه أسامة بن لادن قبل عام، أن علاقة عمل متينة كانت تربط بين قادة تنظيم القاعدة وملا عمر قائد حركة طالبان، بما في ذلك التباحث في أحيان كثيرة بشأن تنفيذ عمليات مشتركة ضد قوات حلف الأطلسي في أفغانستان والحكومة الأفغانية وأهداف في باكستان.
وتكشف المراسلات عن حديث ثلاثي بين بن لادن ونائبه وقتذاك أيمن الظواهري وملا عمر، الذي يُعتقد أنه في باكستان منذ هروبه من أفغانستان، عقب انهيار نظامه نتيجة الغزو الأميركي عام 2001.
ونقلت صحيفة الغارديان عن مصدر في واشنطن مطلع على هذه الوثائق، أنها تشير إلى quot;درجة عالية من التقارب الأيديولوجيquot;.
ومن المتوقع أن يبدد الكشف عن العثور على هذه الوثائق الآمال المعقودة على تحقيق السلام في أفغانستان عن طريق المفاوضات، حيث يتركز النقاش بين المحللين وصانعي السياسة على ما إذا كانت طالبان، التي تعتبر بنظر كثير من المراقبين، حركة ذات أجندة وطنية أفغانية، ستوفر مرة أخرى ملاذًا آمنًا للقاعدة أو لمتطرفين مماثلين أو ما إذا كان من الممكن إقناعها بنبذ الإرهاب.
ويرى خبراء أن أحد الاحتمالات القائمة يتمثل في أنه رغم العلاقة الوثيقة التي أقامها ملا عمر مع بن لادن والظواهري، فإن قياديين آخرين في طالبان يرون إشكالية كبيرة في مثل هذا التحالف القوي أو التعاون المتين مع تنظيم القاعدة.
ويقدر مسؤولون استخباراتيون غربيون أن هناك 100 مقاتلاً على الأقل من عناصر القاعدة يتمركزون في أفغانستان. وأقدمت الأمم المتحدة في العام الماضي على تقسيم قائمتها السوداء للتمييز بين طالبان والقاعدة.
وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون إن تسوية سياسية من نوع ما بمشاركة طالبان شرط لازم للاستقرار في أفغانستان بعد رحيل القوات الغربية بحلول عام 2014.
وتعود بعض المراسلات، التي تتضمنها الوثائق، إلى سنوات عديدة، ولكن مراسلات أخرى أحدث عهدًا تعود إلى أسابيع قليلة قبل مقتل بن لادن في 2 أيار (مايو) الماضي.
وقال المصدر، الذي تحدث لصحيفة الغارديان، quot;إن مسائل وقضايا تُثار.فهم لا يتفقون على كل شيء، ولكن من الواضح أن مصلحة تجمعهم في التعاونquot; ضد حلف الأطلسي والحكومة الأفغانية وضرب أهداف في باكستان.
وأضاف المصدر أن اثنين من أطراف هذا الحديث الثلاثي، الظواهري وعمر، ما زالا على قيد الحياة اليوم، quot;وليس هناك سبب للاعتقاد أن أيًا منهما غيَّر آراءه تغييرًا جذريًا خلال العام الماضيquot;.
وتولى الظواهري قيادة تنظيم القاعدة بعد مقتل بن لادن.كما إن المحققين فوجئوا بعدد القياديين المشاركين في النقاشات من تنظيم القاعدة، بحسب المصدر.
ويبدو أن بن لادن كان على اتصال مباشر أو غير مباشر مع جماعة بوكو حرام النيجيرية والعديد من الجماعات المتطرفة الأخرى. وكما في حالة طالبان كان المحللون يناقشون ما إذا كانت جماعة بوكو حرام على اتصال بتنظيم القاعدة أو أحد فروعه.
لكن الوثائق التي عُثر عليها تبين أن قادة الجماعة النيجيرية كانوا على اتصال بالمستويات العليا لتنظيم القاعدة خلال الأشهرالـ18 الماضية، مؤكدة ما قاله قيادي في بوكو حرام لصحيفة الغارديان في مطلع العام.
ومن المرجح أن يجري الآن تصنيف معلومات أخرى تحويها الوثائق، بما في ذلك توجيهات أملاها بن لادن إلى أتباعه لتفادي الهجمات العشوائية التي تقتل مسلمين والتفكير في تغيير اسم القاعدة.
تضم الوثائق مذكرات تحدد أهدافًا استراتيجية عامة من دون تخطيط مباشر من جانب بن لادن بشأن التفاصيل، بحسب المصدر.
ورغم المراسلات مع ملا عمر وجماعات أخرى، يبدو أن بن لادن كان منقطعًا عن العمل اليومي للتنظيم، وأن مراسلاته كانت تُكتب على كومبيوتر في مجمع أبوت آباد ثم تُحمَّل على أصابع ذاكرة، ويرسلها ساع من مقاهي انترنت بعيدة. وهذا الساعي هو الذي قاد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في النهايةنحو زعيم القاعدة.
يمكن الآن رسم صورة موثوقة لحياة بن لادن خلال فترة اختفائه من شهادات أرامله التي إطلعت عليها صحيفة الغارديان، وأحاديث ضباط في الاستخبارات الباكستانية قاموا باستجوابهن، كما أوردها الجنرال الباكستاني المتقاعد شوكت قادر، وإفادات متطرفين وقعوا في قبضة الولايات المتحدة، ونُشرت على موقع ويكيليكس، ومقابلات مع مسؤولين أميركيين سابقين.
فبعد سقوط نظام طالبان في تشرين الثاني (نوفمبر) 2001 غادرت زوجات بن لادن وأطفاله أفغانستان، هاربين أولاً إلى كراتشي، حيث أمضوا بضعة أشهر. وتوجه بن لادن نفسه شمالاً إلى إقليم كونار الأفغاني البعيد بعد معركة تورا بورا في كانون الأول (ديسمبر) 2001.
وبحسب مسؤولين في الاستخبارات الباكستانية، كما نقل عنهم شوكت قادر، فإن قياديًا في القاعدة اعتقلته الاستخبارات الباكستانية في عام 2006 قال للمحققين إن بن لادن التقى في كونار وقتذاك قلب الدين حكمتيار، الذي يقود جماعة أفغانية مسلحة. كما ذهب مسؤولون في الاستخبارات الباكستانية إلى أن خالد شيخ محمد قال لهم إن زعيم القاعدة موجود هناك.
وقال مسؤولون أميركيون سابقون لصحيفة الغارديان، إن معلومات كثيرة تشير إلى أن بن لادن كان في المنطقة الشرقية من أفغانستان، ومنها كان يقوم بين حين وآخر بزيارات عبر الحدود إلى باكستان.
وبحلول عام 2004 يبدو أن بن لادن انتقل إلى باكستان بصورة دائمة. وبحسب إفادة أرملته اليمنية الأصغر سنًا، أمل، فإنها وأطفالها التحقوا بزوجها في منزل يقع في منطقة معزولة في وادي سوات في شمال غرب باكستان، في آذار (مارس) 2004 قبل الانتقال إلى بيت آمن آخر في بلدة اسمها هاريبور، تبعد 36 كلم عن أبوت آباد في خريف ذلك العام.
وفي أوائل صيف 2005 انتقلت العائلة إلى المجمع حديث البناء، حيث أمضوا السنوات الست التالية، والتحقت بهم هناك زوجة بن لادن الثانية مع أطفالها الثلاثة.
وبحسب ضباط الاستخبارات الباكستانية، الذين قابلهم قادر، فإن القيادي في القاعدة أبو فرج الليبي ظل يستطلع المكان طيلة العام السابق، ثم توجه إلى وادي سوات لنيل موافقة بن لادن على الانتقال إليه. وأصرّ بن لادن على شراء أرض المجمع، وليس استئجاره، ورسم معالم تصميمه.
وكتب قادر أن بن لادن تمكن من إخفاء هويته، منتحلاً شخصية مقاتل سابق من الباشتون، كان لم يزل على قائمة المطلوبين في باكستان، ويحلم بالعودة إلى وطنه قبل أن يموت.
ويعتقد مسؤولون أمنيون غربيون أن أكبر زوجات بن لادن سنًا، التحقت به في أبوت آباد بعد إخلاء سبيلها في صفقة بين السلطات الإيرانية وجماعة مسلحة باكستانية، كانت تحتجز دبلوماسيًا إيرانيًا.
وبحلول تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 تعرفت الاستخبارات الأميركية على هوية الساعي وتحركاته، ثم قاد مطارديه في النهاية إلى مجمع أبوت آباد.
التعليقات