انعكست التقلبات السياسية في المنطقة العربية على المرأة العربية، فتولدلديها خوف من فقدان حقوقها المدنية والقانونية التي ناضلت من أجلها سنوات طويلة، ما أشعل صفحات مواقع التوصل الإجتماعي بأصوات المطالبين والمطالبات بتحسين وضع المرأة العربية وحمايتها من القوانين والأعراف الجائرة.


تعيش المرأة العربية هاجسًا مرده إلى ما يحدث اليوم في المنطقة العربية وانعكاساته على حقوقها المدنية والقانونية المستقبلية، ما خلف لديها مخاوف من العودة الى الوراء بدلًا من التقدم ولو خطوة واحدة، في ما يختص بكافة حقوقها الإجتماعية والمدنية والقانونية والسياسية. وهذا ما جعلها تصرخ على مواقع التواصل الإجتماعي مطالبة بانتفاضة لصيانة حقوقها من الإنتقاص، والمطالبة بباقي الحقوق، على إعتبار أنها لم تكن في وضع جيد من قبل، ولكنها تسير من سيئ إلى أسوأ، ومطالبة بالمساواة مع الرجل وفقًا لبنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقره ميثاق الأمم المتحدة.

فخ الشريعة

شاركت المرأة العربية في ثورات الربيع العربي مطالبةً بالتغيير والإصلاح والعدالة والحرية والديمقراطية، التي حرمت منها لعقود طويلة. وكانت هذه المرأة تأمل أن يشملها حصاد الربيع العربي، وأن تجني ثمار التغيير والإصلاح تحسنًا في وضعها الإجتماعي، لكنها اكتشفت أنها ربما تكون قد دقت مسماراً في نعش حريتها. فهي لم تجنِ ما كانت تريده، بل أمست مهددة بانتقاص حقوقها تحت بند بما لا يخالف الشريعة الإسلامية، ما خلق لغطاً حول معنى وجود تلك الجملة في نص التشريع القانوني.

فقد استشعر البعض وجود فخ منصوب، لتكون الشريعة بذلك سيفًا مسلطًا على رقبة المرأة. فكلما فتحت فاها مطالبة بأي حق، وجب عليها انتظار ما تقره الشريعة الإسلامية، لتكون مقدمة لحرمانها من حقوق كثيرة في مجال الحريات العامة، ناضلت كثيرًا للحصول عليها. فالتناقض الموجود بين الفقهاء في تفسير النصوص القرآنية الخاصة بالنساء هو ما ولد تلك المخاوف لدى الناشطين والناشطات في مجال حقوق المرأة من استغلال هذة العبارة وسوء استخدامها.

مكملة بعدما كانت مساوية

رصدت منظمات حقوق الإنسان تراجعًا في منسوب مكاسب المرأة، في ظل التقلبات في المنطقة العربية. كما سجلت خروقات لانتهاكات حقوق الإنسان في بعض البلدان العربية. ففي صعيد مصر على سبيل المثال، تم قص شعر فتاتين لرفضهما الحجاب. كما تم في تونس اغتصاب إمرأة من قبل رجل شرطة، بالإضافة إلى جرائم الشرف التي تلف الوطن العربي بلا استثناء قبل الثورات وبعدها، وحرمان الفتاة من التعليم، وفرض الحجاب عليها تعسفًا وإجبارها على النقاب في بعض المناطق العربية، وزواج القاصرات، وختان البنات.

يعود كل ذلك لإختلاف تأويل الفقهاء والمشرعين لتفسير الشريعة الإسلامية في ما يخص المرأة، إذ يتم في بعض الأحيان تفسيره بما يلائم العادات والتقاليد الجائرة على المرأة بشكل كبير، والتي تزيد من تسلط العقلية الذكورية على المرأة.

ففي تونس، تنص مسودة الدستور على اعتبار المرأة مكملة للرجل بعد أن كانت مساوية له منذ عهد الحبيب بورقيبة، مؤسس الجمهورية التونسية.

وفي مصر، صرحت اللجنة التأسيسية للدستور، على لسان عضوها محمد البلتاجي، أن وضع المرأة في الدستور الجديد سيكون وفق ما تنص عليه الشريعة الإسلامية، قائلًا: quot;إن بنودًا تتناول حقوق المرأة في الدستور الجديد ستتضمن عبارة (بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية) لضمان عدم تطبيق أي تشريعات دولية بخصوص المرأة تتناقض والشريعة الإسلامية.

الخوف من رجال الشريعة وليس من الشريعة

يقر حافظ أبو سعدة، رئيس منظمة حقوق الإنسان في مصر، بوجود مخاوف حقيقية من انتقاص حقوق المرأة في المرحلة المقبلة، معتبرًا أن وضع المرأة لم يكن جيدًا من قبل، لكن وضعها الأن أسوأ مما كان عليه سابقاً.

ويحمل ابو سعدة الحكومات مسؤولية عدم سن قوانين صارمة تجرم انتهاك حقوق المرأة، والوقوف بقوة أمام الأعراف والتقاليد التي تغلب عليها تسلط العقلية الذكورية، ما جعل المرأة تسعى لسنوات طويلة للحصول على حقوقها المشروعة دينيًا والمرفوضة اجتماعيًا بحكم التقاليد التي تغلب على الدين.

ساهم اختلاف الفقهاء في تفسير نصوص القرآن الكريم كثيرًا في ازدياد التمييز العنصري ضد المرأة. يقول أبو سعدة: quot;لا يوجد تخوف من الشريعة الإسلامية، فالآيات القرآنية مرنة فضفاضة، متسعة المعاني من أجل تطور الحياة الإنسانية، وهذا هو الإعجاز العلمي المتميز في القرآن الكريم، لذلك لا تتعارض وحرية المرأة وحقها في المساواة مع الرجل والعمل والتعليم و الزواج والإختيار والمشاركة في كل قضايا أمتهاquot;.
ويؤكد على أن التخوف الحقيقي يأتي من بعض رجال الدين الذين يرفضون الحداثة ويعتبرون العادات من الدين ويترصدون لقوانين الأحوال الشخصية الخاصة بالمرأة العربية، ويسمونها بالكفر ومخالفة الشريعة، فيدعون لإلغائها من باب التحريم والتجريم.

تحتاج ربيعًا عربيًا

يرى طارق زغلول، مدير المكتب التنفيذي لحقوق الإنسان في مصر، أن المرأة في الربيع العربي لعبت دورًا فعالًا وكبيرًا، وكان يجب أن تعامل بطريقة أفضل، لكنها فوجئت بانخفاض نسبة مشاركتها، وإدراجها في أماكن مهمشة لا تحقق مكاسب كبيرة في البرلمان، ولا تحظى بتأييد واسع في الإنتخابات البرلمانية، من شارع تسيطر عليه التيارات المتشددة.

ويتفق زغلول و أبو سعده في أن الأسلوب الأمثل للنضال هو الاستمرار بالمطالبة، وأن المواثيق الدولية والأديان السماوية كافة كفلت للمرأة حقوقها المشروعة، ولا يحق لأحد أن يمنعها.

واعتبر زغلول أن التعليم هو أول الطريق لحصول المرأة على حقوقها، مع وجوب استمرارها في المشاركة في قضايا أمتها والإنخراط في الأحزاب السياسية والمهنية التي تمتلك برامج وطنية وديمقراطية، من دون ترك الساحة تحت أي ضغوط، وذلك بمساندة ودعم من الحركات المدنية والمنظمات الحقوقية والقوى التقدمية.

تسلط الذكورية

وعن رأي الدين في السجال الدائر حول حقوق المرأة العربية والمسلمة، يؤكد الدكتور الشيخ عماد إنشاصي، إمام مسجد أوكلاهوما سيتي وممثل الجالية المسلمة في ولاية أوكلاهوما، أن الشريعة الإسلامية هي أول من صان المرأة وكفل حقوقها، فلا تتعارض مع حق المرأة في المساواة مع الرجل. يضيف: quot;لم تعامل الشريعة المرأة كسلعة، بل أعطتها حرية الإختيار في ما تريد أن تعمل وحرية اختيار الزوج، كما كفلت لها حرية التعليم، لأن الخالق عز وجل لا يفرق بين مخلوقاته، ولم يكن يومًا ضد المرأة التي خلقها كالرجل، مساوية له في كل شيءquot;.

وتساءل إنشاصي: quot;إذا كان الله قد طبق مبدأ المساواة في الحساب والعقاب يوم القيامة، فلماذا لا تتساوى المرأة مع الرجل في الحقوق، خصوصًا أن التفضيل جاء في القوامة بما أنفقواquot;، ملقيًا اللوم على بعض رجال الدين ومفسري الآيات القرآنية الذين تتغلب عليهم العقلية الذكورية المتسلطة على المرأة.

يتابع: quot;الدين ينصف المرأة، لكن مع الأسف، يتم تغليب العادات والتقاليد ونظرة المجتمع على تطبيق الدين، كما يخضع الدين نفسه لتفسير الفقهاء والمشرعين الذين اختلفوا في تفسيره، طبقًا لرؤيتهم ولعادات المجتمعات التي تتسلط فيها العقلية الذكورية.

ويرى إنشاصي أن واجب أئمة المساجد والمشرعين القانونيين تثقيف الرجل وتربيته على الاقرار بحقوق المرأة، والتعامل معها على أنها إنسان، لا تختلف عن الجنس البشري.