ليست لدى السلطات المغربية الحالية نية واضحة للتصدّي للفساد الذي ينخر كافة القطاعات الحيوية في المملكة بحسب نشطاء جمعويين وحقوقيين. يأتي ذلك فيما ترصد منظمات المجتمع المدني ظواهر مفزعة لانتشار آفة الفساد المالي والاقتصادي والسياسي.


الرباط: يرى محللون ونشطاء جمعويون أن قضية محاربة الفساد في المغرب مرتبطة بشكل quot;جوهريquot; بتوفر الإرادة السياسية لذلك.

وكان تقرير أخير أصدرته الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة (هيئة حكومية)، أشار إلى أن quot;رقعة الفساد آخذة في التوسع والامتداد داخلَ مجالات تدبير الشأن العام في المغرب، مشيرًا إلى أن ذلك يعكس الوضعية التي يوجد فيها المغرب، والتي لم تتحسن على الرغم من الجهود المبذولة من أجل تطويق الظاهرة خلال العقد الأخير. مؤكدًا غياب البعد الاستراتيجي لسياسة فعّالة وناجعة لأجل محاربة الفساد.

ثقافة الفساد

يرى المحلل الاقتصادي إدريس بنعلي أن الفساد مرض متفشٍ في المجتمعات المتخلفة.

وقال بنعلي لـquot;إيلافquot;: quot;طبيعة الأنظمة السياسية في هذه الدول لا تعتمد على الكفاءة والحنكة، ولكن على أساس القرب من النظام، فالمغرب كمثل الكثير من الدول المتخلفة دولة يتفشى فيها الفساد، ويتقوّى أيضًا.quot;

أرجع الخبير الاقتصادي البدايات الأولى لتفشي الفساد في المغرب إلى السبعينيات من القرن الماضي حين كانت هناك إشارات من الدولة تحرض على ممارسة الرشوة واقتصاد الريع ومنح الامتيازات quot;قصد التقرب من الحكمquot;، كما قال.

وأوضح بأن سياسة المغرب التي اتبعت حينها إنما كانت فرصة للكثير من المغاربة كي يصبحوا رجال أعمال حين ولجوا بنسب 50 في المئة كانت حصتهم في الشركات التي استعادتها الدولة.

وأضاف: quot;من أوله النظام مبني على الفساد، وهناك قواعد لعبة لا تحترم، والغنى والثروة يتأتيان عبر التقرب من الحكم، والفساد من الناحية السياسية تجلى أيضًا في خلق أحزاب سياسية لكي تساند الحكم ومن ثم كانت تقوم بما تريد، فالقطاع العام كان قطاعًا للفساد، لأن الكثير من الشركات العامة كانت تعيش وضعًا، من الناحية الاقتصادية، لم تكن لها مبررات وجود ولكنها ظلت موجودة وتساندها الدولة، كانت كالبقرة الحلوب، هنا تكونت ثروات الفساد.quot; إلى أن أصبح الفساد مع مرور الزمن ثقافة وتسيير وعقلية.

وأكد أن المغرب الآن يعيش هذه الثقافة، quot;ويبدو من الطبيعي أن يمنح أحدهم رشوة وحتى في كلام الناس تتجلى هذه الثقافة، هذا كله ناتج عن الفساد.quot;

غياب الإرادة السياسية

أشار الخبير الاقتصادي إلى أن على الحكومة الحالية أن تفكر في آليات محاربة الفساد، quot;في الوقت الذي توجد فيه لوبيات تدافع عن الفساد ولا تتركك تفعل ما تشاءquot;، مشككًا في امتلاك الحكومة الحالية لسلطة محاربة الفساد.

وكانت الحكومة المغربية قد أخرجت لائحة المأذونيات، اعتبرت لحظتها إعلانًا عن نية الحكومة في محاربة الفساد، لكن سرعان ما تم توقيفها، ما اعتبرته الكثير من الأوساط السياسية والمهتمين بالشأن السياسي المغربي بفقدان الحكومة لسلطة اتخاذ قرارات مشابهة.

وأوضح المحلل الاقتصادي إدريس بنعلي: quot;الهياكل السياسية في المغرب لا تسمح بمحاربة الفساد، فالحكومة مكونة من أربعة أحزاب، بعضها كان سببًا في انتشار الرشوة في المغرب، ولن تترك الحكومة تفعل ما تريد.quot;

فساد مستشرٍ

من جهة أخرى، لم يخفِ رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان إدريس السدراوي أن آليات محاربة الفساد في المغربما زالت جنينية وهي في مرحلة تعاطي الجمعيات الحقوقية لها رغم أهميتها تتبع خلالها الآليات الدولية التي لها علاقة بمحاربة الفساد وتهريب الأموال وتهريب البشر، بالإضافة إلى تتبع ما يرد في التقارير الوطنية من معطيات خاصة بمجموعة من الميزانيات وبالأخص ما يرد في التقارير الموازية الخاصة بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وقال السدراوي لـquot;إيلافquot;: quot;للأسف،ما زال المغرب متأخراً جداًعلى مستوى تقديم تقارير إلى اللجنة المكلفة بتتبع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المغرب، هناك عدة معطياتما زلنا نتساءل عنها كمسألة تخصيص أكثر من 600 مليار سنتيم للسكن، ونوجه مجموعة من المراسلات ونحاول التتبع مآل تلك الأموال.quot;

وتنسق عدة جمعيات مغربية في هذا الإطار للقيام بدعاوى قضائية ضد ناهبي المال العام وكذلك مؤازرة ودعم فاضحي الفساد، كما نساهم كقوة اقتراحية بمجموعة من المقترحات منها اعتبار نهب الأموال ونهب المال العام جرائم فساد لا يطالها التقادم، وتقوية التضامن الدولي بالتعاون مع الجمعيات الدولية لمتابعة وملاحقة ناهبي المال العام والأموال المهربة والرساميل والشركات التي تعرضت للنهاب والتصدي لكافة أشكال الريع والفساد عبر الوسائل القانونية ووسائل التضامن الدولي.

وأضاف السدراوي: quot;استشرى الفساد في المغرب بشكل كبير جداً، وعمّ المجالات الاقتصادية والسياسية لم ينجُ منهحتى المجال الثقافي للأسف، حيث مجموعة من الفضائح تفسرها تقارير المجلس الأعلى للحسابات (هيئة حكومية تراقب المالية العامة للمصالح الإدارية التابعة للدولة) التي تبين حجم وهول هذه الآفة الخطيرة بالمغرب.quot;

حين يقول رئيس الحكومة: quot;عفا الله عما سلفquot;

من جهته، أكد رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام (هيئة مستقلة) طارق السباعي أن مشكل الفساد في المغرب مرتبط بالإرادة السياسية.

وقال السباعي لـquot;إيلافquot;: quot;منذ التأسيس لدينا طلبات هي، كما يقال، خفيفة في اللسان لكنها ثقيلة في الميزان.quot;

وتطالب هيئة السباعي بعدم الإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية والاجتماعية وألا يكون العفو بالنسبة لناهبي المال العام، وألا تتقادم جرائم المال العام، وهي التي لم تتحقق بعد خاصة في ما يتعلق بحماية فاضحي الفساد، رغم صدور قانون بهذا الخصوص غير أنه لم يفعل إلى الآن.

وتساءل السباعي: quot;أين نحن من تحقيق العدالة حين يقول رئيس الحكومة عفا الله عما سلف؟quot;

وكان رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران قد رد في تصريح سابق على الدعوات المتكررة لأجل محاربة الفساد بعبارة quot;عفا الله عما سلفquot;، وهي العبارة التي فهم منها تخلي الحكومة الحالية عن ملف محاربة الفساد واضعة إياه على الرف.

وتعذر على وزير العدل المغربي مصطفى الرميد الإجابة على سؤال quot;إيلافquot; حول الجهود الحكومية التي قامت بها لأجل محاربة الفساد لـquot;أسباب خاصةquot;، مع العلم أنه كان قد وعد بإرسال جواب مكتوب في الموضوع إلا أنه اعتذر في آخر لحظة.

وأضاف السباعي: quot;في الوقت الذي ترفع فيه الجمعيات الحقوقية عدة مطالب بخصوص محاربة الفساد، إلا أن السلطة القضائية المستقلة، كما ينص عليها الدستور الجديد، لم تخرج إلى حيز الوجود بعد، وما زال وزير العدل هو الذي يتحكم في النيابة العامة، أي أن الدولة حينما تقرر محاربة الفساد.quot;

وأوضح أن البطء في معالجة الملفات يستعصي معه تحقيق العدالة، كما أن مسطرة الامتيازات القضائية تمنع بدورها متابعة المسؤولين في المحاكم العادية وهو ما يخلق عدة عراقيل.

وتزامنًا مع المطالب المتعلقة بحماية المبلّغين عن وقائع الفساد كالرشوة من أي اجراءات انتقامية، صدر في المغرب قبل أكثر من سنة قانون يوفر الحماية للضحايا والشهود والخبراء وأفراد أسرهم وأقاربهم المبلغين عن جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ، إلا أنه لم يدخل حيز التطبيق إلى الآن.