بينما تنتظر نساء العراق أن تؤسس الحكومة لهن منتديات لإعانة العوائل الفقيرة والارامل والمطلقات، وهنّ بالملايين، أعلنت نساء مسؤولين حكوميين تأسيس منتدى الإبداع، رأى فيه العراقيون صورة بهية لاتساع الهوة في العراق، بين نساء الحكومة ونساء الشعب.


عبد الجبار العتابي من بغداد: استغرب المواطنون العراقيون من مختلف شرائح المجتمع، وبينهم مثقفون ونساء، تأسيس نساء المسؤولين في الحكومة العراقية وبناتهم quot;منتدى الابداعquot;، مؤكدين أن مثل هذا المنتدى يذكرهم بالأسر الارستقراطية التي كانت تؤسس الاندية الاجتماعية وتقيم حفلاتها الخاصة، بعيدًا عن الشعب وهمومه وانشغاله بالظروف الحياتية القاسية. وهناك من وصف الأمر بأنه يدل من دون ريب على سوء الطبقة السياسية الحاكمة، من نمط ماري انطوانيت التي تطلعت من شرفة قصرها للمتظاهرين وسمعتهم يطالبون بالخبز فقالت لخادمتها ـ لماذا لا يأكلون البسكويت؟

يزيد الفوارق الطبقية

كانت مجموعة من نساء وبنات المسؤولين في الحكومة والبرلمان قد اعلنت عن تأسيس هذا المنتدى الخاص بهن. وقالت وسن طاهر، مديرة المنتدى، معرّفة به: quot;نحن مجموعة من زوجات المسؤولين في الحكومة والبرلمان، أسسنا تجمعًا أطلقنا عليه اسم منتدى الإبداع، اسسناه من اجل استغلال شاباتنا الوقت الضائع الذي ينقضي بين مشاهدة التلفاز والتصفح على الانترنت، لا سيما بعد إلغاء دروس الفنون والرياضة في مدارس المنطقة، فضلًا عن انشغال الازواج بالأعمال الحكومية وصعوبة تنقلهن في بغداد بسبب تردي الوضع الامني، الأمر الذي دفعنا لهذه الخطوةquot;.

إلا أن هذا التعريف أثار حساسيات عدة بين شرائح المجتمع العراقي. فقد وصفت ميسون بابان، الناطقة باسم المنظمة الوطنية لحقوق الانسان العراقية تأسيس مثل هذه المنتديات لزوجات وبنات المسؤولين بغير منطقي، وأكدت أن الأمر quot;شكّل صدمة لنا لأننا كنا نتوقع أن تؤسس الحكومة منتديات لاعانة العوائل المعدمة، لا سيما النساء الفقيرات، فالأرامل والمطلقات يعانين من فقر مدقع، وكان الاحرى بزوجات وبنات المسؤولين القيام بنشاطات اجتماعية تساعد المرأة العراقية للحصول على رغيف الخبزquot;.

وأضافت: quot;رفاهية زوجات وبنات المسؤولين ستزيد من الفوارق الطبقية وستثير مشاكل كثيرةquot;.

البئر واحدة

المحامية سؤدد سليم لفتت إلى أن quot;النسوة المعذبات واللواتي لا يجدن وقتًا للراحة لإعالة عوائلهن في ازدياد، بينما تخرج إلينا نساء المسؤولين ليؤسسن نادياً للضحك والترفيه والثرثرة، يسمينه نادي الابداع، لا ابداع فيه سوى الغيبة والنميمة الاستهزاء بهموم النساء الفقيراتquot;.

وقالت فنانة،طلبت عدم ذكر اسمها: quot;إنه منتدى الفارغات اللواتي لا هم لديهن سوى حساب الاموال التي يأخذها ازواجهن من جنون الفساد المالي والاداري الذي يعشش في البلدquot;.

أضافت: quot;انا لا اعرف زوجةً لمسؤول او ابنةً لمسؤول مبدعة حققت شيئًا يذكر، فمن أين اتاهن الابداع؟ لقد اجتمعن على تمتين العلاقات بين ازواجهن، كي لا يغدر أحدهم بالآخر ،لأنهم يشربون جميعًا من بئر واحدةquot;.

التاريخ لا يرحم

من جانبها، قالت الاعلامية أسماء عبيد: quot;إذا كن فعلًا مبدعات، وهدفهن دعم حركة الإبداع في العراق، ودعم المبدعين والمبدعات، فلا بأس بذلك. أما أن يكون مجرد التأسيس لغرض الوجاهة الاجتماعية والتسلية والبروز إعلاميًا فلا أجد ذلك خطوة مفيدة، لأن المفروض أن يكنّ حلقة وصل بين المبدعين من كلا الجنسين والمسؤولين، ينقلن معاناتهم ويدعمنهم فعليًاquot;.

اما الكاتب والصحافي محمد غازي الاخرس فقال: quot;هذا منتهى الاستهتار بمشاعر الناس، فعلى زوجات المسؤولين، مع احترامنا الشديد لإبداعهن، الذهاب إلى مناطق الحسينية والشيشان وحي طارق أو حي التنك، وإلى قرى لا يزال ناسها يشربون من الأنهار وينقلونه بالحمير، والتطلع إلى الوجوه المتشققة والأرجل المفطرة، وعليهن سماع أنين اليتامى وصراخ الثكالى وآلام المقهورين من الفقر والجوع قبل أن يبدعن أو يؤسسن منتداهن العتيد، لكن التاريخ لا يرحمquot;.

وأضاف: quot;هذا الخبر، في الواقع، دليل على إننا محكومون من أسوأ طبقة سياسية. والله يشعر واحدنا بالخيبة وهو يسمع بهذا الخبر الغريب! فأي إبداع نبع عندهن فجأة، بعد أن تسلم أزواجهن وظائف حكومية رفيعة؟؟ إنه استهتار علني أتمنى أن يتوقف في أقرب فرصةquot;.

تفاؤل وامنيات

أما الاعلامية التفات حسن فقالت: quot;في ظل الصراعات المتتالية، اطلقت هذه المجموعة النسوية ما لديهن رغبة في تفعيل الدور الانساني والخدمي للمجتمع العراقي، وقمن بتأسيس منتدى الابداع ليفتح نافذة من الامل والعطاء لأبناء العراق من دون تمييزquot;.

أضافت: quot;اذا كان المنتدى خاصًا في المنطقة الخضراء، فلا اعتقد أنه سيخدم أي شريحة من شرائح المجتمع، أما اذا كان عامًا خارج المنطقة الخضراء، ولديه فريق عمل منتشر في محافظات العراق، فسوف يكون فعالًا في خدمة المجتمع العراقيquot;.

ونوّهت الاعلامية سرى الدهلكي بالخطوة، قائلةً إنها جيدة، quot;فلو اخذت كل زوجة مسؤول بيد إحدى كاتباتنا أو مثقفاتنا العراقيات لأصبح المنتدى هذا تجمعًا جيدًا وجديدًاquot;.

وتابعت: quot;اتمنى أن لا يقتصر عمل المشروع على الدعاية الانتخابية لازواج النساء فيه، وان يكون رابطًا بين الدولة والمثقفة العراقية.

واهجرنهم في المضاجع... حتى!

الشاعر ابراهيم الخياط، الناطق باسم اتحاد الادباء في العراق، قال: quot;من المحتمل أن تكون التسمية هذه قد أتت طمعًا بقطف مكافأة الادباء والفنانين والصحافيين، البالغة ألف دولار سنويًا، وذلك غيرة من العدادات واللطامات اللواتي أسسن أيضًا تجمعًا لهن، وشملن بالمنحة الابداعية.

اضاف: quot;يمكن لهذا التجمع أن ينجح اذا ما اقتدت المنتميات اليه بنساء ليبيريا، اللواتي لجأن في العام 2003 إلى الاضراب عن النوم في الاسرة الزوجية، داعيات لنشر السلام في ربوع البلاد، ثم تبعتهن نساء توغو في هذا العام للاحتجاج على رئيسهن المؤبد، فبعد أن صار الفساد عندنا يطارد البطاقة التموينية، وبعد أن صار الارهاب يقتحم سجوننا ويطلق سراح عصاباته، وبعد أن استفحلت الازمة السياسية فغدت لاعرف لديها ولا نكر، وبعد أن صار المسؤولون يصوتون في الاجتماعات المغلقة ويعارضون في الإعلام المفتوح في أكبر عملية نفاق سياسي يشهدها الشرق والغرب، وبعد كل هذا الضيم الذي أنزلته المحاصصة على رأس العراق، ما ألطف أن يبادر هذا المنتدى إلى اعلان الاضراب عن النوم في أسرة الزوجية إلى حين ايقاف الفساد المالي والاداري، أو إلى حين احياء علاقات المركز بالاقليم، أو إلى حين الإسراع في سن قوانين الانتخابات والاحزاب والمحكمة الاتحادية والنفط والغاز، وأنا متأكد أن ازواجهن سيتعاملون معهن بمنتهى الاوروبيةquot;.
ختم: quot;لكن اذا استخدمن هذا الاضراب للدعوة إلى تقديم تنازلات متبادلة بين الكتل المتنفذة، فأنا على يقين أنهن سيدخلن في تعداد مليونية المطلقاتquot;.