يبدو أن الأزمة السورية ألقت بثقلها على الفلسطينيين في البلاد، فالصراع الحالي أرغمهم على تغيير تحالفاتهم بعد أن امتد النزاع إلى مخيم اليرموك الذي شهد عدة مجازر ارتكبها بحقه جيش الأسد.


الفلسطينيون الذين أرغمهم الاحتلال الاسرائيلي منذ عقود على ترك بلادهم واللجوء إلى سوريا، لطالما اعتُبروا من الموالين الأوفياء لآل الأسد الذين وفروا الأمن والاستقرار لهم ولممثليهم.

لكنّ الصراع الدموي المستمر في سوريا بدأ بالتأثير على فلسطينيي سوريا الذين يبلغ عددهم نحو 500 ألف فلسطيني، ويرغمهم على تغيير تحالفاتهم، فيما امتدت شرارات النزاع لتصل إلى مخيم اليرموك في ضواحي دمشق.

وتقول مصادر من المعارضة السورية إن أكثر من 700 فلسطيني قتلوا في الاقتتال بين نظام الرئيس بشار الأسد والمعارضين، وفقاً لما نقلته صحيفة الـ quot;واشنطن بوستquot;. وفي الوقت الذي تتصاعد فيه حدة القتال، اضطر المجتمع الفلسطيني في البلاد إلى اختيار موقعه بين طرفَي المعركة، الأمر الذي زاد الأزمة السورية تعقيداً وفوضوية.

مخيم اليرموك

مخيم اليرموك الذي يضم أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا، شكّل إحدى النقاط المستهدفة من قبل جيش النظام الذي ارتكب مجازر بحق أهله في غضون الثورة السورية.

مقارنةً مع نظيره في الدول الأخرى، يتمتع اللاجئ الفلسطيني في سوريا بمزايا كبيرة، مثل حق امتلاك العقارات. وهذا الواقع كان الركيزة التي اعتمد عليها الرئيس الراحل حافظ الأسد، ومن بعده الأسد الابن، للتأكيد على دوره كزعيم وقائد ومدافع عن القضية الفلسطينية.

أما اليوم، فتؤكد بعض مصادر المعارضة السورية أن هناك وحدات كاملة في الجيش السوري الحر التي تتألف من مقاتلين فلسطينيين. كما أن الامتداد الطائفي للنزاع قسم الفلسطينيين بين مؤيدين ومعارضين وفقاً لانتماءاتهم الدينية، إذ إن السنة يدعمون المعارضة في قتالها ضد النظام الذي ينتمي قادته بمعظمهم إلى الطائفة العلوية.

انقسام حركة حماس

تعتبر حركة حماس المجموعة الأكثر تعبيراً عن انقسام المجتمع الفلسطيني في سوريا. وبدا ذلك جلياً عندما أعرب خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة، عن تأييده المعارضة السورية ونقل مقره إلى قطر، في خطوة وصفتها الـquot;واشنطن بوستquot; بالدرامية لأن حماس كانت تتلقى الدعم من الأسد لأكثر من عشر سنوات.

ويقول أسامة حمدان، رئيس العلاقات الدولية في حماس: quot;نعم تلقينا الدعم من النظام السوري على مر السنوات، لكن الشعب السوري دعمنا أيضاً. نحن الفلسطينيين نسعى للحصول على حريتنا وحق تقرير مصيرنا لذلك لن نقف أبداً ضد إرادة أي وطن أو أي شعبquot;.

لكن يبدو أن الجناح العسكري لحركة حماس يعتمد نهجاً مختلفاً عن مكتبه السياسي، إذ إنه يتلقى الدعم المادي والعسكري من إيران، التي تعد أهم حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد، وهنا يبرز التناقض والانقسام لأن جناح حماس العسكري المتمركز في غزة يدعم النظام السوري.

انقسام حركة حماس حول الأزمة السورية انعكس في تصريحات مشعل، خلال مؤتمر صحافي في القاهرة الأسبوع الماضي، عندما شكر إيران لتقديمها الدعم أثناء العملية العسكرية الإسرائيلية ضد غزة، إلا أنه أعرب عن quot;اختلاف وجهات النظر في مسألة سورياquot;.

وبينما كانت قوات النظام السوري تقصف مخيم اليرموك، الذي يضم حوالى 150 ألف لاجئ فلسطيني، أثناء القتال مع الجيش الحر في الأحياء المجاورة، كانت بعض المخيمات الفلسطينية الأخرى تتعرض للهجوم أيضاً، ما دفع الآلاف من الفلسطينيين للهروب الى دول مجاورة.

هجرة ثانية

منذ بداية الثورة السورية في آذار (مارس) 2011، فر نحو 10 آلاف فلسطيني الى لبنان، الذي يحتضن أكثر من 450 ألف لاجئ فلسطيني. بينما لجأ نحو 1600 فلسطيني آخر الى الأردن، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.

وتخشى حكومات هذه الدول، لاسيما لبنان، من اندلاع عنف سياسي في أراضيها بين الفصائل الداعمة للأسد والفصائل الداعمة للمعارضة السورية، الامر الذي يهدد استقرار البلاد التي تنقسم حكومتها بالفعل بين أحزاب معارضة للأسد ومجموعات أخرى داعمة له.

ويشار إلى أن لبنان شهد في الفترة الأخيرة صدامات واشتباكات بين مناوئين وداعمين للأسد، لا سيما في الشمال. وتؤكد هدى سمرا، المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للإغاثة في لبنان، أن القيادة الفلسطينية تحاول بذل الجهود لإبعاد الفلسطينيين قدر المستطاع عن الصراع السوري من أجل حمايتهم.