على غرار المعارك الطائفية التي اندلعت في العراق بعد الغزو الأميركي، جاءت أحدث موجة عنف بين العرب والأكراد في سوريا لتشير إلى زيادة تفكك مجتمع يعاني من تركيبة قوامها مزيج من الطوائف والهويات والتقاليد. الأمر الذي ينبئ بالأسوأ.


أشرف أبوجلالة من القاهرة: بدأت تظهر مخاوف جديدة في سوريا من احتمال نشوب موجات فوضى أوسع في النطاق على خلفية الاشتباكات التي وقعت مؤخراً بين الثوار السوريين ومجموعة من الأكراد في قرية رأس العين السورية القريبة من بلدة سيلانبينار التركية الحدودية.

عينة من الفوضى المرتقبة

لم تعبر تلك الاشتباكات فحسب عن أعمال العنف التي تغمر سوريا، بل عمّا يمكن أن يحدث أيضاً للبلاد في حال انهارت الحكومة الحالية.

أشارت في هذا الصدد صحيفة النيويورك تايمز الأميركية إلى أن الخوف القائم بالفعل في تلك المرتفعات هو ذلك الخاص بأن جماعات سوريا العرقية سوف تتسلح ضد بعضها البعض في السباق الدموي الذي سيحدث في مرحلة ما بعد الرئيس الأسد للاستحواذ على السلطة.

وأضافت الصحيفة أن الميليشيات الكردية الموجودة في شمال سوريا لطالما تمنت أن تظل في منأى عن الحرب الأهلية المشتعلة في سوريا، حيث كان ينصب تركيزها على التحضر لإقامة جيب مستقل لأنفسهم داخل سوريا في حال أطاح الثوار بالحكومة.

الهدف هو الاستقلال

لكن الميليشيات الكردية اقتيدت إلى القتال، بصورة تدريجية، وليس في أذهانها الآن سوى هدف واحد فقط، هو الاستقلال، الذي يعني أيضاً بلقنة الدولة.

مضت النيويورك تايمز تنقل عن شاب يدعى ديفلي فضل علي، عمره 18 عاماً، وقد أفلت للتو من أعمال القتال، قوله :quot; نريد أن يكون لدينا دولة كردية. ونريد أن يكون لدينا مدارسنا ومستشفياتنا. ونريد أن تعترف الحكومة بوجودنا. ونريد أن يتم الاعتراف بهويتنا الكرديةquot;.

جاءت تلك المناوشات بين الأكراد والعرب لتقدم معنىً مظلماً لسوريا في الوقت الذي يكسب فيه الثوار زخماً وبينما تفقد الحكومة السيطرة على نحو تدريجي. وقد استحوذ الثوار على القواعد العسكرية، وقاموا بمحاصرة دمشق، وجعلوا المطار يغلق أبوابه.

لكن الثوار معظمهم من السنة العرب، ومن بين أكثرهم فعالية هؤلاء المتطرفون الذين تربطهم علاقات بتنظيم القاعدة، وهو الاحتمال الذي لا يثير الغرب فحسب، وإنما يثير في الوقت ذاته قلق كل من المسيحيين والشيعة والدروز والأكراد داخل سوريا.

أعقبت الصحيفة بقولها إن القتال في راس العين، الذي جاء في أعقاب معركة عنيفة بين القوات الثورية ونظيرتها الحكومية الشهر الماضي، أظهر مدى تعقد الحرب الأهلية المدنية التي تسببت بالفعل بمقتل أكثر من 40 ألف شخص.

تفكك المجتمع

وعلى غرار المعارك الطائفية التي اندلعت في العراق بعد الغزو الأميركي، جاءت أحدث موجة عنف بين العرب والأكراد في سوريا لتشير إلى زيادة تفكك مجتمع يعاني تركيبة قوامها مزيج من الطوائف والهويات والتقاليد إلى جانب استعباد من جانب حاكم مستبد.
وعبر محللون عن تخوفهم من أن تنذر تلك البيئة سريعة الغضب بصراع طائفي وعرقي دموي تصل أصداؤه لما هو أبعد من الحدود السورية، خاصة إن ضمّ الأكراد.

الفوضى قد تعمّ الجوار أيضا

وهناك تخوفات حالية من احتمالية أن يقفز أكراد العراق، الذين يدربون بالفعل أكراد سوريا على القتال، إلى العراك السوري لحماية أشقائهم العراقيين. وهو الأمر الذي قد يصل إلى تركيا، التي تخشى من تحول المنطقة الكردية المستقلة في سوريا إلى ملاذ للميليشيات الكردية لتنفيذ هجمات عبر الحدود في المناطق الكردية في جنوب شرق تركيا.

وقالت بهذا الخصوص ماريا فانتابي وهي محللة مختصة في الشأن العراقي لدى مجموعة الأزمات الدولية وتساعد في الوقت الراهن بإعداد تقرير بخصوص الأكراد السوريين :quot; قد يؤدي التخوف من أن تكون المواجهة العربية ndash; الكردية قد اشتعلت إلى إقدام الأكراد على طلب قوات أمنية إضافية من أجل توفير الحماية لأراضيهمquot;.

وأضافت فانتابي أن مقاتلين أكرادًا سوريين يتم تدريبهم في شمال العراق متأهبون وقد يتم إرسالهم إلى سوريا، وهو ما قد يتسبب بتصعيد الموقف.

ونقلت الصحيفة في السياق عينه عن برهم صالح، نائب رئيس وزراء الحكومة الكردية الإقليمية في العراق، قوله :quot; جاء وقتنا بعد كثير من المعاناة والاضطهاد. ويمكن القول إن القرن العشرين كان قاسياً على الأكراد. وتم قمع حقوقنا وهويتنا وثقافتنا بوحشيةquot;.