100 عام مرّت على إنشاء أول مدرسة في إمارة دبي، وحملت اسم quot;الأحمديةquot;، وبهذه المناسبة حرص محمد بن راشد، حاكم الإمارة، على تكريم الرواد الأوائل لتلك المدرسة، التي يعود الفضل في وجودها إلى تاجر لؤلؤ شهير، افتتحها عام 1912.


دبي: احتفلت دبي أمس، بمرور 100 عام على انشاء اول وأقدم مدرسة في الإمارة، وهي مدرسة الاحمدية التي أنشئت عام 1912.

ووفقًا لتقرير سري للمعتمد السياسي البريطاني المقيم في ساحل الامارات المتصالحة كتبه في مارس/آذار عام 1930 عن الحياة الاقتصادية في العشرينيات والثلاثينيات في دبي - حصلت quot;إيلافquot; على نسخة منه- فقد سميت هذه المدرسة بالأحمدية نسبة إلى بانيها محمد بن أحمد بن دلموك، أحد كبار تجار اللؤلؤ آنذاك، وقد بناها في منطقة الرأس الموجودة في محيط الخور شرق دبي.

وذكر التقرير أنه تم بناء تلك المدرسة في بداية حكم الشيخ سعيد بن مكتوم حاكم دبي في عام 1912. وهو الجد الأكبر للشيخ محمد بن راشد حاكم دبي الحالي.

وكشف التقرير عن أن مدرسة الاحمدية احتضنت جميع ابناء دبي بكل طوائفهم ومذاهبهم، موضحًا أنه كان هناك عدد ممن يطلق عليهم بناة العصر في فترتي الاربعينيات والخمسينيات ساهموا في بناء مدارس في دبي ومنهم سلطان علي العويس ومحمد زينل تاجر اللؤلؤ.

وتعد الأحمدية أول مدرسة نظامية في تاريخ دبي، وقد تم ترميم المبنى بين عامي 1993 و1995، وتم استخدام الأساليب التقليدية في الترميم. كما تم تخصيص المبنى ليكون متحفًا يصور تاريخ التعليم في الإمارة. ويضم حاليا عروضًا متنوعة، منها التعليم في الإمارات، تاريخ المدرسة، الوثائق التاريخية، أدوات الكتابة، وتم افتتاحه عام 2000.

تقع المدرسة الأحمدية في قلب منطقة الرأس في بر ديرة القديمة، وقد شغلت مساحة تبلغ نحو 528 مترًا مربعًا، وموقع المدرسة في وسط حي سكني على مقربة من المركز التجاري القديم، جعلها قبلة أبناء الأعيان والعامة لتحصيل العلم والمعرفة.

عملت في المدرسة نخبة من خيرة المدرسين الذين استقدموا من منطقتي الإحساء والزبير. تلقت العلمَ فيها مجموعة من أعيان دبي وعلمائها، وقد استمرت في عطائها حتى عام 1963م، ثم انتقلت إلى المبنى الجديد نظراً إلى ضيق المكان وضعف الهيكل الإنشائي للمدرسة.

تجدر الاشارة الى أنه في نهاية الستينيات تم بناء مدرسة الاحمدية الثانية في منطقة الرأس خلف مكتبة دبي انشأتها حكومة دبي بالتعاون مع حكومة الكويت في ذلك الوقت، ولكن في عام 2006 تم هدم هذه المدرسة من قبل شركة دبي القابضة التي ارادت اقامة مشروعات على ارضها. ولم يقتصر الهدم على تلك المدرسة فقط، بل تم هدم المدرسة الصناعية في الامارة التي كانت موجودة في منطقة دوار الساعة بديرة من اجل انشاء مشروعات تجارية بدلاً منها، وهو الامر الذي ترتب عليه استياء البعض من هدم مقار تعليمية من اجل انشاء مشروعات تجارية.

بن راشد يكرم رواد الاحمدية الاوائل

من جهته، كرّم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الامارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في مقر ندوة الثقافة والعلوم في دبي ظهر أمس الرواد الاوائل من المدرسين والدارسين في المدرسة الاحمدية في دبي، وذلك بمناسبة الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المدرسة العام 1912 كأول مدرسة رائدة في دبي.

وقد قام بن راشد بتكريم نحو 34 مدرسًا كانوا من اوائل الذين اخذوا على عواتقهم مسؤولية تعليم مجموعة كبيرة من ابناء الوطن اصبح لهم شأن اجتماعي واقتصادي وأكاديمي وثقافي في مجتمع الامارات الحديث.

وهنّأ المدرسين الرواد الاحياء، وسلمهم دروع التكريم، فيما سلم دروع التكريم إلى أبناء من رحلوا عن هذه الدنيا، وتركوا بصمات خالدة في قطاع التعليم المدرسي الاماراتي، كما كرّم بعد ذلك قرابة 130 شخصية وطنية ممن درسوا في المدرسة الاحمدية، وهنأهم بمرور قرن من الزمان على تأسيس المدرسة.

بن دلموك quot;تاجر اللؤلؤquot;

واوضح تقرير المقيم السامي البريطاني في الامارات المتصالحة أن بن دلموك واجه مصاعب مالية في بداية حقبة الثلاثينيات عندما تسربت اليه أخبار مزعجة جداً حول اكتشاف اللؤلؤ الصناعي في اليابان، وهو الامر الذي اثر سلبًا على تجار اللؤلؤ في المنطقة، وأدى الى حدوث تغييرات جذرية في خريطة تجار اللؤلؤ في الجزيرة العربية في ذلك الوقت.

نتيجة لذلك حاول بن دلموك بيع مخزونه من اللآلئ بخسائر كبيرة في مدينة بومباي الهندية، واضطر لتقليص مؤسسته وانهاء خدمات عدد من العاملين معه، والتخلي عن عدد من quot;النوقquot;، فاقدم ابنه عبدالله الذي استاء من هذا التخفيض الكبير في المؤسسة على السعي إلى مساعدة اصدقائه الذين تم الاستغناء عنهم، وذلك من خلال الاتفاق معهم على سرقة 60 ناقة من والده والذهاب بها الى ابوظبي ومنطقة الاحساء في السعودية، الامر الذي ادى الى قيام حاكم دبي في ذلك الوقت بإرسال اخيه الشيخ جمعه بن مكتوم لتعقب عبدالله بن دلموك، الذي هرب مع اصدقائه بالنوق.

واشار التقرير الى أنه لسوء حظ محمد بن دلموك فإنه على الرغم من اتفاقه مع الحاج محمد علي زينل - تاجر اللؤلؤ المعروف في بومباي وأحد المساهمين الكبار في بناء العديد من المدارس في الخليج- على بيع الكثير من اللآلئ له، قيمتها مئات الآلاف من الروبيات، الا أنه لم يحصل على ثمنها بسبب تأخر التاجر quot;زينلquot; في بيع اللؤلؤ في باريس.

ومن اجل تجهيز زوارق الغوص التابعة له لاستخراج اللؤلؤ والاستمرار في تجارته،قام بن دلموك باقتراض 200 الف روبية هندية من quot;مرابيquot; هندي، وذلك بفائدة عالية جدًا قدرها 36% سنويًا، حيث كان هناك تجار هنود في ذلك العصر، استغلوا تجار الخليج، وخاصة تجار دبي، لإقراضهم المال بفوائد عالية، واعتبروا ذلك تجارة مربحة لهم، وقد استغل المرابون الهنود ذلك الوضع لانهم كانوا من رعايا بريطانيا في ذلك الوقت، وقدموا المال لتجار كثيرين في دبي.

منطقة الرأس القديمة

وذكر تقرير المقيم السامي البريطاني في الامارات المتصالحة أن الشيخ راشد بن سعيد، ولي عهد دبي في ذلك الوقت، تمكن في نهاية حقبة الثلاثينيات من ضم مناطق الرأس مع الشندغة، وعمل على لم شمل مناطق دبي تحت حكم والده الشيخ سعيد بعد موقعة quot;الوهيلةquot;، التي دار فيها نزاع بين مانع بن راشد، الذي كان يسيطر على بعض مناطق الامارة، وبين ولي عهدها الشيخ راشد.

واضاف التقرير أن منطقة الرأس القديمة في دبي لم تحصل على الاهتمام الكافي في السنوات الماضية. ولكن الحكومة الحالية بدأت أخيرًا في الاهتمام بها بشكل ملحوظ بعدما لاحظت أن التجار الصينيين سيطروا خلال العقد الاخير على كل متاجر المنطقة وبدأوا غزوًا تجاريًا فيها، وحلوا محل تجار دبي الاصليين، الذين لم يبقَ منهم في منطقة الرأس سوى القليل من التجّار الاماراتيين الذين استطاعوا الصمود امام غزو التنين الصيني.

وقال التقرير إن quot;دبي التاريخية كانت تضم ثلاث مناطق مهمة، هي الرأس والشندغة والبستكية، وكانت تمتد من منطقة الخور شرقًا ومنطقة الشندغة غربًا التي كان يوجد فيها المقر الذي يحكم الشيخ سعيد بن مكتوم من خلاله، ومنطقة البستكية التي عانت كثيرًا من ازالة تراثها التاريخي، بعدما كانت تضم بيوتًا قديمة وجميلة، ولكن بعدما تم تعويض سكانها بمنازل جديدة في مناطق أخرى قامت بلدية دبي في بداية الثمانينيات بهدم تلك المنازل القديمةquot;.

ولفت إلى أنه عندما وصل الامير البريطاني تشارلز في تلك الفترة الى دبي، وقام بزيارة منطقة البستكية، تفاجأ بما تقوم به الآلات من هدم لتلك البيوت القديمة، فأبدى رأيه حول ذلك، مقترحًا وقف ذلك الهدم والمحافظة على تلك البيوت الأثرية التي تمثل التراث الاماراتي الاصيل.