عبثًا يفتي الاخوان المسلمون بتحريم الاحتفال برأس السنة الميلادية، لأن المصريين مستمرون في عاداتهم، يذهب الأغنياء منهم إلى الفنادق أو دور الأوبرا، ويحتشد الفقراء في ميدان التحرير لحضور حفلات غنائية ثورية مجانية، أو يلتزمون المنازل، بينما يرتاد الشباب الملاهي الرخيصة، لمشاهدة الراقصات واحتساء البيرة.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: بالرغم من أن الإسلاميين في مصر تقلدوا السلطة رسميًا، وسيطروا على مقاليد الدولة، وبالرغم من تصريحاتهم حول سبل تطبيق الشريعة بما تتضمنه من تحريم للكثير من مظاهر الإحتفالات غير الإسلامية، إلا أن المصريين لم يغيّروا عادتهم في الإحتفال برأس السنة، وما زالوا يخرجون في تلك الليلة ليرتادوا الكافتيريات والفنادق والملاهي الليلة التي تقدم الخمور وحتى المخدرات لروادها.

كما طرأ مظهر جديد على إحتفالات المصريين برأس السنة هذا العام، يتمثل في تنظيم حفلات فنية في ميدان التحرير، تتضمن أغانيَ ورقصات شعبية وإسكتشات مسرحية، يحضرها فنانون مؤيدون للثورة، ما أضفى على تلك الليلة بعدًا إجتماعيًا، إذ يشارك فيها الفقراء بالمجان بعدما كان الإحتفال بليلة رأس السنة يقتصر على الأغنياء، ممن يقدرون على دفع تكاليف حضور حفلات الفنادق، أو السفر إلى الغردفة أو شرم الشيخ أو أسوان أو الأقصر. ويؤدي الأقباط الصلوات في الكنائس، ثم يخروجون للإحتفال مع منتصف الليل.

الأوبرا عامرة
يظن البعض أن المصريين تخلّوا عن عادات توارثوها في الإحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية بعد الثورة وصعود التيار الإسلامي، ومحاولاته المستميتة لفرض الشريعة الإسلامية بمنظورها الوهابي المتشدد. لكن هذا لم يحدث، فما زال المصريون يقيمون إحتفالاتهم كما كانوا منذ آلاف السنين، ويفضّلون الإستماع إلى الأغاني وحضور الحفلات.

ولعل أهم مظهر إحتفالي ما زال قائمًا، بالرغم من تحريم المتشددين الإسلاميين، هو حفلات الأوبرا. فقد ارتفع عدد من اشترى بطاقات الدخول إلى حفلات الأوبرا هذا العام، وتم رفض نحو 2700 طلب حجز. وعلقت لافتة quot;كامل العددquot; للحفلين، اللذين سوف تنظمهما، الأول فى الثامنة مساء اليوم الاثنين، 31 كانون الأول (ديسمبر)، على المسرح الكبير، والحفل الثاني مساء الثلاثاء الأول من كانون الثاني (يناير) على مسرح سيد درويش المعروف بأوبرا الاسكندرية.

ووفقًا لبيان صحافي صادر من دار الأوبرا، فإن الأوركسترا السيمفونية، التي تعد الأعرق والأقدم الشرق الأوسط، تقدم مجموعة من أهم المؤلفات الكلاسيكية العالمية التي كتبها عظماء المؤلفين الموسيقين، وتتنوع بين رقصات الفالس والبولكا والجالوب، والتي أصبحت إحدى علامات الاحتفال بالعام الميلادي الجديد في مختلف دول العالم، منها افتتاحية الفروسية الخفيفة لـفرانز فون سوبيه، المارش الفارسي، تحت الرعد والبرق، مارش من أوبريت البارون الغجري، بولكا الصيد ليوهان شتراوس الابن، فالس عصافير الريف النمساوي، بولكا احتفالية فرنسية لجوزيف شتراوس، أغنية حب فالس الذهب والفضة لفرانز ليهار، مقدمة واليجرو من أوبريت باجانيني ليوهان شتراوس، وفي الجبال موطني من أوبريت الأميرة الغجرية لامريش كالمان.

فرق مصرية وعالمية
قالت إيناس عبد الدايم، رئيس دار الأوبرا، إن إهتمام المصريين بالأوبرا زاد بعد الثورة، مشيرة إلى أن مسارح دار الأوبرا شهدت 721 حفلًا فنيًا وثقافيًا خلال العام 2012، محققة زيادة نسبتها 4.5 بالمئة في عدد الحفلات عن العام 2011، وزيادة نسبتها 16.5 بالمئة في عدد الرواد.

ولفتت إلى أن ذلك إنعكس إيجابًا على إجمالي الإيرادات بنسبة 14.3 بالمئة مقارنة مع العام 2011. وأضافت أن الأوبرا قدمت كل ألوان وأشكال الفنون، على مختلف المسارح في القاهرة والإسكندرية ودمنهور، كما نجحت دار الأوبرا المصرية في إتاحة فرصة كبيرة للفرق المصرية الشابة لإبراز مواهبها الفنية في مختلف الفنون، واستضافت 13 فرقة أجنبية، قدمت عروضها الفنية في خلال هذا الموسم على مسارح الأوبرا كافة، في إطار التبادل الثقافي بين مصر والدول الأجنبية التي تنتمي إليها هذه الفرق، منها فرقة الموسيقى والرقص الهندي، ورينيه هاريس للرقص من أميركا، وأوركسترا براغ للحجرة من التشيك، ويونان للثقافة والفنون من الصين.

كما واصلت فرقة الباليه تألقها، وقدمت 8 عروضًا من إنتاج الأوبرا هي بحيرة البجع، وتانجو، ورقصات نلتقي بها، وبوليرو، وزوربا، والليلة الكبيرة، والقرصان، وكسارة البندق.

علي الحجّار يغني للفقراء
الأغنياء توجّهوا إلى الأوبرا غير عابئين بفتاوى متشددة تحرّم بعض الفنون، ومنها الفنون الأوبرالية، بينما يخرج الفقراء إلى الشارع، الذي احتضن ثورتهم ضد حسني مبارك، إلى ميدان التحرير، حيث دأب المصريون منذ العام الماضي على إقامة حفلات فنية، وحيث يحيي الفنان علي الحجّار حفلًا فنيًا متطوعًا من دون أجر.

وقال عصام السعيد، عضو إئتلاف ثورة اللوتس، لـquot;إيلافquot; إن هذا الإحتفال هو الثاني، وسوف تشارك فيه مختلف القوى الثورية والسياسية، مضيفًا أن الإحتفال سيتضمن وقفة بالشموع، وإطلاق بالونات وألعاب نارية في سماء ميدان التحرير.

ونبه إلى أن الإحتفال سوف تشارك فيه مجموعة من الفنانين، منهم على الحجّار وعزة بلبع، إضافة إلى فنانين خرجوا من رحم الثورة، منهم حمزة نمرة، والفرق الشبابية، مثل وسط البلد وإسكندريلا، quot;فالهدف من الإحتفال بعث رسائل سلام ومحبة إلى كل العالم من ميدان التحرير، وأتوقع مشاركة مئات الآلاف من المصريين في الإحتفال كما حدث في العام الماضيquot;.

نسبة إشغال مرتفعة
بعيدًا عن إحتفال النخبة بالعام الجديد في دار الأوبرا، أو إحتفال الثوار ومؤيدي الثورة في ميدان التحرير، فإن بعض المصريين يفضّلون قضاء ليلة رأس السنة في الفنادق.

وقال اللواء خالد فودة، محافظ جنوب سيناء، إن نسبة إشغال الفنادق إرتفعت إلى 75 بالمئة خلال موسم رأس السنة، وإن غالبية الحجوزات من الأجانب القادمين من روسيا وإسرائيل. أما عبد الرحمن محفوظ، وهو مدير فندق في شرم الشيخ، فقال لـquot;إيلافquot; إن المصريين من ميسوري الحال يفضّلون قضاء ليلة رأس السنة في شرم الشيخ أو الغردقة أو أسوان، لافتًا إلى أن نسبة إنفاق الفرد المصري الواحد في تلك الليلة تتراوح ما بين 500 و2500 جنيه.

وأشار إلى أن غالبية الفنادق والمنتجعات قدمت تخفيضات كبيرة إلى الرواد من المصريين والأجانب على حد سواء، بغرض إنعاش حركة السياحة.

سحلب وبيرة
تفضّل الطبقة الفقيرة من المصريين الإحتفال برأس السنة في المنزل وسط العائلة، يحتسون المشروبات الساخنة، ويشاهدون الأفلام القديمة والمسلسلات التركية أو المصرية.

وقال أحمد جلال، وهو معلم في إحدى المدراس الحكومية، لـquot;إيلافquot; إنه يفضّل قضاء ليلة رأس السنة مع أسرته، وعادة ما يحضر بعض المكسرات والمشروبات الساخنة، مثل النسكافيه أو السحلب أو الموغات، تجهزها زوجته، وتجلس الأسرة تقلب بين القنوات لتشاهد المسلسلات المصرية والتركية، حتى الساعات الأولى من السنة الجديدة.

أما الشباب فيفضّلون قضاء ليلة رأس السنة وسط الدخان الأزرق لمخدر الحشيش، أو الذهاب إلى الملاهي الليلة الرخيصة، وإحتساء البيرة ومشاهدة الراقصات في الملاهي المنتشرة في شارع الهرم، وشوارع وسط القاهرة بالقرب من ميدان التحرير.