القاهرة: بعد أقل من شهرين من مغادرة القوات الأميركية للعراق، ها هي وزارة الخارجية الأميركية تتحضر حالياً لخفض ما يصل إلى نصف تواجدها الدبلوماسي الضخم التي سبق أن خططت له في العراق، في إشارة واضحة إلى تراجع النفوذ الأميركي في البلاد.

وقال في هذا الصدد مسؤولون في بغداد وواشنطن إن السفير جيمس جيفري ومسؤولين آخرين بارزين بوزارة الخارجية يعيدون النظر في حجم ونطاق السفارة الأميركية ببغداد، حيث وصل عدد الموظفين هناك لحوالي 16 ألف شخص، معظمهم مقاولين.

وسبق أن وُصِفَت العملية الدبلوماسية الكبرى ومبنى السفارة الذي تبلغ قيمته 750 مليون دولار، وهو الأكبر من نوعه في العالم، بأنهما ضروريان للعراق في مرحلة ما بعد الحرب وهو يمضي بخطي مهتزة صوب الديمقراطية ويحاول أن يؤسس علاقات طبيعية بين دولتين يربط بينهما الدم والشكوك المتبادلة.

لكن الأميركيين أُحبِطوا بما اعتبروها عرقلةً عراقيةً ويقصرون تواجدهم الآن إلى حد كبير على السفارة، بسبب اعتبارات أمنية، في وقت يعجزون فيه على التواصل بشكل كاف مع المواطنين العراقيين كي يبرروا لهم تلك الحرب التي تكلفهم 6 مليارات دولار سنوياً.

وأوضحت في هذا السياق اليوم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية أن سرعة إدراك بعض كبار المسؤولين أن البنية الدبلوماسية ربما قد أسيء النصح بخصوصها تمثل محوراً رائعاً لوزارة الخارجية، التي قضى بها المسؤولون أكثر من عام في التخطيط لتوسيع نطاق الأعمال، وفي وقت وصل فيه مؤخراً عدد كبير من الموظفين الإضافيين.

وفي بيان له، قال مايكل ماكليلان، متحدث باسم السفارة: quot;على مدار العام الماضي وطوال العام الجاري ووزارة الخارجية والسفارة الأميركية ببغداد تبحثان طرق تعني بخفض حجم البعثة الأميركية في العراق بصورة مناسبة، في الأساس عن طريق تقليص عدد المقاولين المطلوبين لتقديم الدعم اللازم للعمليات الخاصة بالسفارةquot;.

وأكد ماكليلان كذلك أن عدد الدبلوماسيين ndash; الذين يقدرون حالياً بحوالي 2000 دبلوماسي ndash; معرض هو الآخر للتعديل حسبما تقتضي الحاجة. وأضاف :quot; وللقيام بالتخفيضات، عينت السفارة موظفين عراقيين وقام بإنشاء سلع وبضائع للاقتصاد المحليquot;.

ونوهت الصحيفة بعد ذلك إلى أنه وفي أعقاب رحيل القوات الأميركية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أضحت الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لآلاف الدبلوماسيين والمقاولين الذين بقوا هناك. وهي الصعوبات التي تجسدت مثلاً في تأخير وصول الإمدادات الغذائية، والعقبات التي يواجهونها لعقد اجتماعات مع مسؤولين عراقيين.

فيما أكد العراقيون من جانبهم أنهم يطبقون قوانينهم ويحمون سيادتهم في غياب اتفاق فعال مع الأميركيين بالسفارة. وقالت ناهدة الدايني، عضو البرلمان وعضو القائمة العراقية: quot;القضية الرئيسية بين العراقيين والسفارة الأميركية هي أننا لم نر أو نعلم أي شيء بخصوص التوصل لاتفاق بين الحكومة العراقية والولايات المتحدةquot;.

وتابعت الدايني حديثها في نفس السياق بقولها :quot; كانت تخطط الولايات المتحدة لثمة شيء عندما قررت تطوير السفارة بتلك الهيئة الضخمة للغاية. فربما يكون لديها رغبة في إدارة الشرق الأوسط من العراق، وسفارتهم ستكون قاعدة لهم من هناquot;.

ثم لفتت الصحيفة للمقابلة التي جمعت الأسبوع الماضي وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري، والسفير جيمس جيفري، لمناقشة عدة أمور من بينها حجم التواجد الأميركي في البلاد. وقال زيباري معقباً: quot;المشكلة تتعلق بالمقاولين وبالترتيبات الأمنيةquot;.

وقال أيضاً كينيث بولاك من مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينغز :quot; نعلم دائماً أن ما يخططون للقيام به لا يكون له معنى. ويتضح على نحو متزايد أن أعداد موظفيهم باتت كثيرة للغاية هناك بالنظر إلى ما يمكنهم تحقيقه وإنجازهquot;.

وأوردت النيويورك تايمز في نفس السياق عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الاعتبارات المتعلقة بخفض عدد موظفي السفارة تعكس الاعتقاد بأن خفض التواجد الدبلوماسي قد يؤدي في واقع الأمر إلى تولد نفوذ أكبر فيما يخص الشؤون العراقية، وبخاصة في جهود الوساطة بالأزمة السياسية التي اندلعت مع مغادرة القوات الأميركية. وختمت الصحيفة بقولها إن تقليص عدد العاملين بالسفارة قد يكون له فائدة إضافية تتمثل في تهدئة العداء لأميركا لدى هؤلاء المعترضين على الاحتلال العسكري.