أدت الحملة العسكرية التي تشنها قوات النظام السوري على حمص، إلى نزوح أعداد كبيرة من أهل المدينة إلى دمشق هرباً من الموت، حيث تؤمن المعارضة ملاجئ سرية خوفا من أعين الأمن، في إجراء لا يخلو من المخاطرة.


تظاهرة في منطقة يبرود القريبة من دمشق

بيروت: مئات اللاجئين من مدينة حمص المحاصرة يتدفقون إلى العاصمة السورية دمشق حيث يتم وضعهم في بيوت آمنة، بعيداً عن أعين قوات الرئيس السوري بشار الأسد.

وخوفاً من أن يتعرضوا للقصاص لمساعدة المعارضة، يعمل النشطاء السوريون في الخفاء على تهريب البطانيات والمياه وأغذية الأطفال إلى مخابئ سرية تنتشر في جميع أنحاء المدينة.

وبعض المنازل تكون بمثابة غرفة عمليات جراحية موقتة، حيث يمكن علاج المقيمين الذي يخافون من الذهاب إلى المستشفيات، ويستعينون بالإمدادات الطبية المهربة، بينما بعضها الآخر غرف سكنية تلجأ إليها الأسر التي تخشى أن يتم اعتقالها من قبل السلطات السورية.

وفي هذا الإطار، التقت صحيفة الـ quot;تليغرافquot; مع مجموعة من ثلاث نساء، طالبة، صيدلانية ومعلمة، ينقلن الإمدادات إلى الوافدين الجدد الذين أتوا من حمص للاحتماء بدمشق.

وتعمل النسوة على تنظيم جهودهن عبر رسائل هاتفية مشفرة، ومحادثات محفوفة بالمخاطر مع الغرباء، وجمع المساعدات، فكل شيء يجري في السر، حتى انهن لا يعرفن أسماء بعضهن البعض، أو حتى أسماء الأشخاص الذين يقدمن لهم المساعدة.

quot;العمل بشكل سري أكثر أمناًquot; قالت إحداهن، مشيرة إلى أن عملهن خطير، وإذا وقعن في الأسر، سوف يجبرن على الإفصاح بالمعلومات تحت وطأة التعذيب، وأضافت: quot;لذلك فمن الأفضل أن لا نعرف شيئاً، المهم أن نعمل سوياً ونثق ببعضنا البعضquot;.

وفي أحد المنازل السرية في دمشق، فتح صبي في التاسعة من عمره الباب لتظهر وراءه اخواته الأربع اللواتي يختبئن في غرفة جانبية من أجل السلامة، وكانت الوالدة خائفة، العلامات الداكنة تحت عينيها تشير إلى مدى قلقها، قالت انها وعائلتها فروا من بلدة كرم الزيتون في حمص قبل أسبوع واحد فقط.

ولا يوجد تدفئة في المنزل، وتستعين العائلة ببطانيات على الأرض لترد عنهم الصقيع، ووضع فرش رقيقة فوقها ينامون عليها.

وتقول إحدى النسوة التي تساعد العائلة quot;اننا نجلب البطانيات والفرش، كل شيء، وعلينا أن نساعد هؤلاء الناس الذين يعانونquot;، مضيفة: quot;انهم لا يعرفون أحداً ولا يملكون المال، يخافون الخروج، ويحتاجون إلى الكثير من المساعدةquot;.

وأوضحت الطالبة، التي تساعد المجموعة، ان الناس الذين يتعاملون معهم يعانون من الصدمة، مشيرة إلى أنها تقود سيارتها في شوارع دمشق وهي تخبئ الإمدادات الطبية تحت المقعد لمساعدة اللاجئين.

واضافت: quot;هناك الكثير من العائلات التي تتألف من النساء والأطفال فقط، فالرجال إما قتلوا أو تم اعتقالهم، أو عادوا إلى حمص للقتال ضد النظام، وتحدثنا مع بعض الأشخاص لطلب المساعدة، فقدموا لنا ما يكفي من المال لاستئجار منزل لهمquot;.

واشارت إلى أن العديد من الناس في دمشق لا يجرؤون على إيواء اللاجئين من حمص، خوفاً من قوات الامن، ويخشون أن يتم استجوابهم أو سؤالهم عن السبب وراء دعمهم ومساعدتهم للنازحين.

وكشفت الفتاة ان والدتها وجدت مؤخراً زوجين ينامان في حديقة المدينة العامة، وكانا خائفين إذ اضطرا للهروب من منزلهما من دون ممتلكات أو مال.

وتابعت: quot;كانا يرتجفان من البرد، وعلمت والدتي أنها ستتعرض للاعتقال والسجن إذا قامت بايوائهما في منزلها، لكنها لم تستطع أن تتركهما في حال يرثى لهاquot;.

وأشارت الفتاة إلى أن الزوجين صغيران في السن، فالزوجة (17 عاماً) والزوج (20 عاما) فرا من الحرب في حمص، ولم يكن باستطاعتهما اللجوء إلى أحد فاستلقيا في العراء.

وتصف الحالة قائلة quot;لقد بكينا من شدة التأثر، أخذناهما إلى منزلنا، وقدمنا لهما الملابس والطعام، وطلبنا منهما ألا يخبرا أحد بمكانهماquot;.

ولا يمكن تقدير عدد اللاجئين القادمين إلى دمشق، فهم ينتشرون في جميع أنحاء المدينة، وتعمل لجان التنسيق المحلية في كل منطقة لاستيعابهم، لكن منذ بدأت القوات الحكومية بالقصف على مدينة حمص في الأيام الخمسة الماضية، تصاعدت وتيرة نزوح العائلات وبات من الصعب جداً ايجاد المنازل لإيوائهم.

وقالت إحدى النسوة اللاتي يساعدن اللاجئين: quot;هناك الكثير من الناس الذين هربوا، إنه بلد بأكمله يلوذ بالفرار، نحن نحاول المساعدة بأقصى طاقاتنا لكن لا أحد يستمع الينا، وهذا ما حدث في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، انهم يجلسون للنقاش والناس يموتون، من واجبنا أن نقدم لهم المساعدةquot;.