تتصاعد الدعوات في مصر إلى إلغاء مجلس الشورى، والإبقاء على مجلس الشعب فقط، بصفته الجهة التشريعية في البلاد. ويأتي هذا المطلب على خلفية ارتفاع كلفة الانتخابات وهدره لأموال الدولة، إضافة إلى عدم تمتعه بصلاحيات تشريعية واسعة.


مجلس الشورى المصري

القاهرة: فيما يستعد المصريون للتصويت في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس الشورى يومي 14 و15 شباط (فبراير) الجاري، تتصاعد الدعوات إلى إلغائه، والإبقاء على مجلس الشعب فقط، بصفته الجهة التشريعية الوحيدة في البلاد.

يأتي تصاعد دعوات الإلغاء بعد إعلان اللجنة العليا للإنتخابات أن كلفة إجرائها بمرحلتيها بلغت مليار جنيه، بمعدل 500 مليون جنيه لكل مرحلة، فيما قال نشطاء سياسيون إن كلفة عقد جلساته تصل إلى 200 مليون جنيه سنوياً، مما يشكل أعباء مالية ضخمة على ميزانية الدولة، في الوقت الذي يعاني الإقتصاد المصري تدهورًا واضحًا، فضلاً عن أن هذا المجلس لا يتمتع بأية صلاحيات رقابية أو تشريعية على الحكومة.

في المقابل، ترفض القوى الإسلامية والمجلس العسكري تلك الدعوات، مشيرةً إلى أن إلغاءه سوف يخلق أزمة دستورية، لا سيما أن شروط الترشح لرئاسة الجمهورية تستلزم حصول المرشح على تأييد نسبة من نوابه، إضافة إلى أن اللجنة التأسيسية للدستور لا بدّ أن تضم نواباً من هذا المجلس. ويعد الإسلاميون بتوسيع صلاحياته في الدستور الجديد، وخلق توزان بينه وبين مجلس الشعب.

مليار جنيه

ووفقاً للمستشار يسري عبد الكريم عضو اللجنة العليا للإنتخابات، فإن إجمالي تكلفة إنتخابات مجلس الشورى بلغ مليار جنيه، بمعدل 500 مليون جنيه لكل مرحلة إنتخابية.

وأوضح أن التكلفة تشمل طبع الأوراق، ووسائل النقل والإعاشة، ومكافآت القضاة والموظفين، الذين يصل عددهم إلى 200 ألف موظف، مشيراً إلى أن اللجنة اتخذت كل الإجراءات اللازمة لإحتواء أخطاء الجولة الأولى، ومنها تأخير فتح مراكز الإقتراع، والتحقق من هوية المنقبات، وحظر الدعاية أثناء فترة الصمت الإنتخابي، وتوفير الحبر الفسفوري وستائر، ليقوم الناخب بالتصويت خلفها.

فيما أعلن المستشار عبد المعز إبراهيم رئيس اللجنة أن عدد الحضور في المرحلة الأولى من إنتخابات مجلس الشورى بلغ 3 مليون و913 ألف و565 ناخبًا، على المقاعد الفردية، وبلغ إجمالي عدد الأصوات الصحيحة 3 مليون و609 ألف و727 صوتًا، فيما وصل عدد الأصوات الباطلة إلى 303 ألف و838 صوتًا، من إجمالي أصل الناخبين، الذي يبلغ 25 مليون و380 ألف و626 ناخبًا، بنسبة حضور ضعيفة بلغت 15.41%.

مجلس ديكوري

ويرى الدكتور أيمن نور زعيم حزب غد الثورة إلى أن مجلس الشورى يقوم بإهدار المال العام بكل المقاييس، وقال لـquot;إيلافquot; إذا كانت تكلفة الإنتخابات فقط مليار جنيه، فكم ستكون تكلفة الجلسات والبدلات والكهرباء والمياه، وغيرها من النفقات الأخرى مثل رواتب العاملين فيه؟.

ولفت إلى أن تكلفة مجلس الشورى تمثل عبئًا ضخمًا على ميزانية الدولة، لا سيما في ظل عدم وجود مهام محددة له، منوهاً بأن مبارك حرص على الإحتفاظ به، ليكون بمثابة منحة نهاية الخدمة للمقربين منه، حيث كان مجلساً quot;ديكورياًquot;، ولم تعد له أية فائدة بعد الثورة، التي أطاحت بمبارك، وتسعى إلى تأسيس نظام ديمقراطي حقيقي.

قهوة المعاشات

يعتبر المهندس شريف صادق عضو ائتلاف شباب الثورة أن مجلس الشورى كان في عهد مبارك أقرب ما يكون إلى quot;قهوة أصحاب المعاشاتquot;، وقال لـquot;إيلافquot; إن هذا المجلس لا أهمية له سوى الإشتراك في لجنة وضع الدستور، وبالتالي كان يجب أن يلغى تماماً.

وتساءل صادق: كيف تنفق الدولة مبلغ مليار جنيه على إنتخابات مجلس بدون صلاحيات، بل مجرد ديكور أو quot;قهوة معاشات؟quot;، مشيراً إلى أن المصابين وأسر الشهداء، الذين فقدوا حياتهم من أجل الثورة، كانوا أولى بهذه المبالغ الضخمة.

وأبدى صادق إندهاشه من هرولة الحكومة لإقتراض مليار دولار من الخارج بشروط مجحفة، في الوقت الذي تهدر فيه مليار جنيه بدون أدنى فائدة. معتبراً أن ما يحدث نوعاً من العشوائية في إدارة شؤون البلاد.

إهدار للمال العام

وحسب وجهة نظر النائب أبو العز الحريري،فهناك العديد من علامات الإستفهام حول إصرار المجلس العسكري على إجراء إنتخابات مجلس الشورى، رغم عدم الإقبال عليه.

وأضاف لـquot;إيلافquot; إن الإقبال وصل إلى 15% من إجمالي عدد الناخبين في الجولة الأولى، وهو إقبال لا يقارن بإنتخابات مجلس الشعب، التي بلغت النسبة فيها 65%.

واعتبر الحريري ما يحدث بمثابة quot;إهدار للمال العامquot;، وقال إن إنفاق مليار جنيه على مجلس بدون صلاحيات، ومن المتوقع إلغاؤه عند وضع الدستور الجديد، يشكل جريمة إهدار للمال العام، يجب ألا تمرّ مرور الكرام. وتساءل الحريري حول السر وراء إصرار المجلس العسكري على الإبقاء على هذا المجلس، رغم الدعوات المتكررة التي تطالب بإلغائه.

لم تختلف وجهة نظر الدكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية في تلك القضية عن سابقيه، وقال في رسالة له عبر صفحته على توتير: quot;نهدر الكثير من الوقت والمال لانتخاب مجلس شورى، لا صلاحيات له، وفى معظم الأحوال سيلغى قريباً في الدستور الجديد.. فأي منطق هذا؟quot;.

مأزق دستوري

في السياق نفسه، يقول الدكتور جابر نصار أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاهرة لـquot;إيلافquot; إن البرلمان كله في مأزق، نتيجة السير في إدارة المرحلة الإنتقالية عكس الإتجاه.

وقال إن كل ما يحدث حالياً هو نتيجة لعدم إقرار الدستور أولاً، وأضاف إن مجلس الشعب نفسه في أزمة، ويواجه مخاطر الحل، وبالتالي فإن كل المليارات، التي أنفقت على الإنتخابات سواء في مجلس الشعب أو الشورى، تعدّ إهداراً للمال العام.

وتوقع نصار الإستجابة للمطالب الداعية إلى إلغاء مجلس الشورى عند صياغة الدستور الجديد، وتوقع كذلك إلغاء نسبة 50% من العمّال والفلاحين، لافتاً إلى أنه في هذه الحالة، فإن عضوية نصف أعضاء البرلمان ستكون باطلة، ما يتطلب حلّ المجلس أيضاً، لأنه سيكون غير دستوري.

في المقابل، ترفض القوى الإسلامية الدعوات إلى إلغاء المجلس، ويقول نادر بكار المتحدث باسم حزب النور السلفي، إن إلغاء مجلس الشورى في هذا التوقيت يضع مصر في مأزق دستوري، لا سيما أن انتخابات الرئاسة واللجنة التأسيسية لوضع الدستور تعتمد عليه بطريقة أساسية.

وقال لـquot;إيلافquot; إن الحلّ لا يكمن في الإلغاء، بل في التوظيف الجيد لهذا المجلس، لافتاً إلى أن القوى الإسلامية سوف تسعى إلى إحداث توازن ما بين صلاحيات مجلس الشعب وصلاحيات مجلس الشورى، بحيث يتم منح الأخير المزيد من الصلاحيات التشريعية والرقابية لتخفيف الضغط على الأول.