الدكتور الفرنسي جاك بيريه (71 عاماً) عبر الحدود الى سوريا بواسطة شاحنة في الأسبوع الماضي حاملاً حقيبة ثقيلة تحتوي عدة جراحية، وسط العشرات من قاذفات الصواريخ. يقول انه أتى إلى حمص للمساعدة quot;بطريقة ماquot; على الرغم من أن المتطوعين من النادر أن يأتوا إلى دولة بواسطة شاحنات محملة بالصواريخ quot;لكن كل شيء في سوريا استثنائيquot;.

في هذا السياق، نقلت صحيفة الـ quot;غارديانquot; عن الجراح الفرنسي المتقاعد، الذي تطوع لتقديم خدماته الطبية في كل الصراعات العالمية الكبرى منذ حرب الفيتنام في العام 1968، قوله ان quot;لا شيء في هذه الحرب يجري وفق سيناريو متوقعquot;.

فور وصوله إلى حمص، قال بيريه ان quot;الأمور ليست جيدةquot;، وعلى الرغم من أن القانون يحظر، من حيث المبدأ، على البعثات الإنسانية السفر مع الأسلحة، إلا أن quot;هذه دولتهم وحربهم، ونحن مجرد مراقبين، ونحن هنا فقط للمساعدةquot;.

تواصل القوات السورية حصار مدينة حمص منذ أسبوع وتمطر أحياءها بالصواريخ للقضاء على معاقل المعارضة لحكم الرئيس السوري بشار الاسد، وتقذف المنطقة الجبلية في الزبداني، بعد أن وصلت الثورة إلى مشارف العاصمة دمشق، في تطور هو الأعنف والأكثر دلالة.

في الأيام الثلاثة التي تواجد فيها بيريه في حمص، وجد الطبيب الفرنسي نفسه في صميم انتفاضة متصاعدة. وبعد وصوله يوم الخميس بساعات، ساعد على إنقاذ حياة ضحية تعاني من طلقات نارية، وقدم الإسعافات الأولية لخمسة من مقاتلي المعارضة المصابين بجروح خطيرة.

يوم السبت، أجرى بيريه عملية جراحية في الزبداني لرجل أصيب بطلقة في ساقه، فيما كانت عائلة الضحية والجنود من الجيش السوري الحر ينتظرون بفارغ الصبر خارج غرفة العمليات.
شهد الأسبوع الاخير اشتباكات بين المعارضين وقوات الأمن، لكن الدمار الذي حدث في حمص، وتحديداً في بابا عمرو وحي الخالدية، ترك أثره في ضواحي المدينة، حيث ينتظر السكان غزو الجيش السوري النظامي على المدينة.

قال أبو محمود، نقيب منشق انضم إلى الجيش السوري الحر، لدى وصوله الى العيادة الطبية في الزبداني quot;من المؤكد أن قوات الاسد ستفعل في الزبداني ما تفعله في حمصquot;، واضاف:quot;نحن نعلم انهم قادمون ونحن نستعد لهم، لكننا لا نملك سوى الأسلحة الخفيفةquot;.

قبل ستة أسابيع فقط، وكان هذا الرجل المعارض ضابطاً في الجيش السوري النظامي، لكنه انشق بعد أن شعر quot;انهم يريدون منا أن نقتل شعبنا وأسرناquot;. انتظر ابو محمود الفرصة ليفر، وكان خائفاً من أن يُقتل على يد القوات الموالية للأسد، فيقول: quot;كان هناك الكثير من الشكوك حول مجموعة من 17 ضابطاً، بأنهم يريدون الانشقاق والانضمام إلى صفوف المعارضة، فقامت فرقة إعدام عسكرية بقتلهم جميعاً، وعندها هربتquot;.

انتظر أبو محمود ما يقرب من عشرة أشهر قبل أن يلوذ بالفرار، وكان طرفاً في بعض العمليات الأبرز التي شنها النظام في ادلب، درعا وحمص، لكن هذا لم يؤدي إلى معاداة من قبل الأهالي في مسقط رأسه، إذ أنه اليوم واحد من قادة مجموعات الجيش السوري الحر المحلية.

في عيادة بدائية في الزبداني، قال الدكتور قاسم، الذي يحاول مساعدة المصابين ان هناك العديد من أمثال أبو محمود في الجيش السوري، مشيراً إلى أن quot;كل جندي مثله تتم مراقبته من قبل ثلاثة اشخاص من جيش الأسد، واذا رفض تنفيذ الأوامر سيقومون بقتلهquot;.

ويشعر أبو محمود بالقلق من أن يقوم الجيش النظامي بقصف العيادات والمستشفيات كما يحصل في حمص فهم على بعد خمسة أو ستة كيلومترات فقط، ونحن في مرمى نيرانهمquot;.
بعد دقائق وصل أحد المدنيين إلى العيادة، يعاني من نزيف بسبب إصابة بالرصاص فوق ركبته اليمنى. فر الطبيب من المستشفى الذي تديره الدولة، والذي يتم استخدامه حالياً كموقع اطلاق النار من جانب الجيش السوري.
quot;انهم يعرفون مكاننا ونحن مطلوبون جميعاًquot;، قال الدكتور قاسم، مضيفاً: quot;لا أعرف لماذا لم يقوموا بقصفنا حتى الآن. لقد رأينا ما حدث للعيادات في مدينة حمصquot;.

قتل الأطباء والممرضات في الخطوط الأمامية في حمص، فيما جرح البعض الآخر وتضررت مرافقهم ومستوصفاتهم بواسطة قذائف الهاون والصواريخ. وتم تدمير القطاعات التي تسيطر عليها المعارضة في المدينة بعد أن تعرضت لعملية قصف ممنهج على مدى ثمانية ايام.

قلة من الناس يستطيعون الهرب من البلدات والقرى إلى المدن المجاورة مثل حماه من ناحية الشمال، أو جنوباً باتجاه لبنان. وقال أحد الأطباء: quot;لا نستطيع الهرب، نريد الذهاب إلى تلك المناطق لكن الطرق ليست آمنةquot;.

من جهته، اعتبر الطبيب بيريه ان وجوده quot;رمزياًquot;، مشيراً إلى الناس يشعرون ببعض الراحة عندما يقوم طبيب جراح من بلد متطور بمساعدتهم، وأضاف: quot;ما يحصل هنا أقرب إلى الحرب. لكن لا أعرف ما اذا كان ذلك استمرارا للربيع العربي، أو حرب طائفية بين العلويين والسنةquot;.

أثناء توجهه إلى داخل مدينة حمص تحت اللقصف والقذائف، يشعر بيريه ان هذه المدينة ستكون محطته الأخيرة، فيقول: quot;لست متفائلاً بشأن سوريا. الوضع صعب وخطير للغايةquot;.