الإعلام التونسي يمرّ بمرحلة انتقالية
يعيش الإعلام التونسي مخاضا عسيرا نتيجة ما كان يعانيه خلال النظام السابق، وفي ظل هذه الرواسب القديمة وبروز لوبيات جديدة تفرض إملاءاتها لتحقيق مكاسب ضيقة، تعالت الأصوات رافضة تارة ومؤيدة تارة أخرى لكيفية تعاطي وسائل الإعلام مع الأحداث الجارية في البلاد في هذه المرحلة.


تونس:يرى بعض العاملين في مجال الاعلام في تونس أنه يشهد حالة انتقالية ويمر بصعوبات يجب السعي والعمل على تخطيها للانتقال إلى مرحلة ديمقراطية يتمتع فيها الاعلام التونسي بالمصداقية والمهنية العالية.

انفلات في القطاع الإعلامي

وتحدث الصحافي، منجي الخضراوي، في حديث لـquot;إيلافquot; قائلا: quot;الانفلات الإعلامي بدأ منذ ثورة الحرية والكرامة والإعلام، والیوم الواقع لا يعكس مشاغل المواطن وما يدور في الشارع، والسبب يعود إلى وجود صحافيين لا يتسمون بالكفاءة، وللأسف هم الذين يقودون وسائل الإعلام ويوجهون العمل الصحافي، كما أن رجال السیاسة لا یزالون یتمرسون على الدیمقراطیة، وكذلك الشأن بالنسبة للإعلامquot;.

وتابع: quot;أما النقابة الوطنیة للصحافیین، وفضلا عن أنھا تسعى إلى تطھیر الإعلام من رموز النظام السابق، فھي تعمل جاھدة لإعادة ھیكلة المؤسسات والمساھمة بجدیة في إصلاح هذا المجال، من خلال كفاءة ومھنیة الصحافیینquot;.

أما عضو النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين سعيدة بوهلال، فقد أوضحت لـquot;إيلافquot;، أنّ انفلاتا كبيرا في وسائل الإعلام حدث بعد الثورة وتمثل ذلك في تجاوز أخلاقيات المهنة وميثاق الشرف، وبلوغ مرحلة الشتم في بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وحتى الإلكترونية، على الرغم من قرارات النقابة والهيئة المستقلة للإعلام، إلا أنه لم يتم احترامها نتيجة سلوكيات قديمة لا تزال موجودة في لاوعي وذهنية عدد كبير من الصحافيين.

من جانبها، ولتقييم أداء الإعلام في هذه الفترة، قالت رئيسة التحرير في صحيفة الصحافة، جنات بن عبدالله لـquot;إيلافquot;: quot;كي يكون تقييمنا لأداء الإعلام موضوعيا، لا بد من التطرق إلى الظروف الصعبة التي عاشها طيلة الخمسين سنة الماضية، فليس من السهل التحول من مناخ ديكتاتوري إلى مناخ ديمقراطي والذي يتطلب مرحلة انتقالية. لقد كانت مؤسسة الرئاسة هي التي تسيّر قطاع الإعلام بشقيه العام والخاص. ظاهريا، هناك اعلام مستقل، ولكن الواقع يؤكد أن ذلك صوري فحسب، والتدخل في المؤسسات الخاصة أكثر منه مقارنة مع المؤسسات العامة، وقد تولدت عن هذه الحالة ثقافة التبعية والحزب الواحد، والرؤيا الواحدة، أي ثقافة الديكتاتور، وهذا ما تربّى عليه أهل الإعلام بشكل عام على الرغم من مقاومة بعض الإعلاميين الذين لم يتمكن النظام من استئجار أقلامهمquot;.

وتضيف جنات بن عبدالله: quot;واليوم نحن في مناخ سياسي جديد يتسم بالتخلص من كل ما يرمز إلى الديكتاتورية، أي الرؤيا من زاوية واحدة، وقد دخلنا الآن في مرحلة التعددية. صحيح أن الصحافي التونسي قادر على التأقلم على الرغم من ثقافة الديكتاتورية، ولكن لا بد من التخلي عنها تدريجيا من أجل الانتقال إلى مرحلة الديمقراطية والإستقلاليةquot;.

ويلوم الصحافي، مختار غزيل، من جريدة الصباح، وسائل الإعلام على غياب المصداقية والنزاهة في إفادته لـquot;إيلافquot;: quot;الإعلام التونسي تغيب عنه حاليا المصداقية وهو لا يعدو كونه إعلام إثارة وتهويل واستفزاز، فالخط التحريري لجريدة المغرب واضح، وفي أكبر الصحف التونسية تجد طريقتين للتعاطي مع الأحداث، فالموالون للترويكا، وخاصة النهضة يكتبون بطريقة معينة، يخالفهم فيها الصحافيون الموالون لليسار. هذا هو حال الصحافة التونسية بعد الثورةquot;.

وأضاف غزيل:quot;اما بالنسبة إلىالإعلام العام وخاصة بالنسبة إلى القناتين التلفزيونيتين، فيبدو أن العاملين فيها يريدون أن يكفّروا عن ذنبهم الذي اقترفوه خلال نظام الرئيس المخلوع، من مغالطات وتجاوزات، والآن أصبحوا يبحثون عن المواطن ليمكنوه من التعبير عن رأيه بالحكومة ورئيس الجمهورية، والإعانات والصعوبات وغيرها من المواضيع، وهم في الواقع يعبرون عن آراء و توجهات quot;خاصة جدا quot; لأنهم ليسوا أصحاب مبدأ ويتظاهرون بلبس جبة المواطن وبأنهم المدافعون عنه، إلى جانب بقاء عدد كبير من الصحافيين المتملقين خلال حكم المخلوع ورغم ذلك فهم يظهرون من جديد حاملين لواء الثوارquot;.

إطار قانوني و تشريعي

وتعود رئيسة التحرير في صحيفة الصحافة لتؤكد أن quot;حرية التعبير لا تقتصر على الصحافي فقط، بل تتخطى ذلك إلى كيفية تعاطي الحكومة مع محيطها، الذي يضم المجتمع المدني والمؤسسات ونقابات المحامين والقضاة والإعلاميين والجامعيين وغيرهم، وهذا التعاطي هو الذي يشجع على حرية التعبير أو يدفنها، وهي ليست قانونا فقط، بل لا بد من إطار قانوني وتشريعي ينظم المهنة ويحمي حرية التعبير والصحافيquot;.

ومضىت قائلة:quot;وكتقييم أولي نلاحظ أن المدة لا تزال قصيرة، ولكن هذا لا يمنع من القول إن المشهد الإعلامي يشهد حاليا حراكاً متواصلاً يعكس حيوية هذا القطاع بينما قوى الجذب إلى الوراء لا تزال تنتظر وتتربص من أجل العودة، والقصد هنا هو ذلك الإعلام الذي يؤله المسؤول والذي لم يقض عليه إلى حد الآن، وهو كامن في لاوعي الصحافي والمؤسسة الإعلامية ولن يكون ذلك إلا عندما يملأ الإعلام سواء العام أو الخاص الفضاء الذي ينتمي إليه بوجود إعلاميين أكفاء، لأن القطاع يضم حاليا الكثير من الدخلاء الذين فرضوا فرضا في العهد السابق وليس من السهل إبعادهم، والكفاءات الإعلامية اليوم موجودة بكثرة ولكنها لا تزال تائهة ومهمشة في هذه المرحلة الإنتقالية وتبحث عن ذاتهاquot;.

اتهام للحكومة والنقابة

الصحافية جنات بن عبدالله تتهم الحكومة قائلة: quot;إذا كانت الحكومة تنفي اليوم تدخلها في قطاع الإعلام، فهذا خطاب غير سياسي ولا يؤكد وجود مؤشرات طمأنة، وهذا غير مقبول لأنه لا بد للحكومة من تحمل مسؤولياتها كسلطة تنفيذية ليس للتدخل في شؤون الإعلام الذي يشكل أحد مكونات آليات التنفيذ في الحكومة وهو الذي يقوم بمراقبتها ويتكلم باسم الشعب، صحيح أن وظيفة الإعلام هي الإخبار، ولكنه أيضا مراقب ومقيّم، وبالتالي لا بد أن يكون بين أيادٍ أمينة، كي تتأكد الحكومة أن الاعلام سيلعب دوره الصحيح بنقل المعلومات، وإذا انسحبت هي من دورها هذا ففي أيدي من سيكون الإعلام، وبالتالي لا بد من تصور ومعايير ومقاييس وضوابط لمؤسسات قادرة على تسيير شؤون الإعلام.

والحكومة الآن تساهم وعن غير وعي في تدمير قطاع الإعلام عندما تقول إنها غير مسؤولة عنه أي أنها ستترك فراغا يجده المتربصون بالإعلام لملئه وهذا خطير جداquot;.

ويؤكد الصحافي مختار غزيل اتهامه موضحا أنّ: quot;نقابة الصحافيين التونسيين والهيئة الوطنية لإصلاح الاعلام والاتصال غير قائمتين بواجبهما في تكوين الصحافيين من أجل خلق إعلام حر ونزيه وموضوعي يعكس مشاغل المواطن الحقيقية، ويخدم المصلحة العليا للبلاد بعيدا عن أية حسابات ضيقة وبعيدا عن التهويل والإثارة والإشاعات وعن quot;كليشيات فارغةquot; كاستعمال صفة quot;الموقتquot; لرئيسي الحكومة والجمهورية، والتي لن تفيد المواطن وهي أساسا ليست من بين اهتماماته أم هي خدمة لمصلحة مجموعة معينة دون غيرها وهم بالتالي يهتمون بالقشور على حساب الجوهر، وبالتالي فعلى النقابة والهيئة العليا أن تبتعدا عن لعب أدوار ضيقة وفق أجندة معينة حتى يتحقق الحياد في تعاطيهما مع المشهد الإعلاميquot;.

التعبير عن مشاغل الشعب وخطورة إيصال المعلومة

تحدث سعيد بوهلال عن دور الإعلام فأشارت إلى أنّ الصحافي يجب أن ينقل الأحداث بكل تجرد ويبتعد عن التهويل والإثارة و يعبر عن مشاغل المواطن بعيدا عن التبعية لأن الخبر مقدس و التعليق حرّ.

من ناحيتها عبرت جنات بن عبدالله عن تطلع وسائل الإعلام إلى التعبير عن مشاغل الشعب ولكن: quot;نظريا يتطلع الإعلام التونسي إلى التعبير عن مشاغل الشعب، ولكنه وفي ظل غياب الضوابط سيكون عاملاً سلبياً ومدمراً للمكاسب، وذلك مع غياب الكفاءة والمصداقية لأن المعلومة إذا وصلت إلى صحافي لا يعرف قيمتها وليست له القدرة على إيصالها فإن المردود الإيجابي الذي كنا ننتظره سيتحول إلى مردود سلبي، وهناك عدد من المسائل كانت النية من طرحها بريئة ونبيلة ولكن طريقة التعاطي معها لم تحتكم إلى الحرفية فأصبحت بالتالي المعلومة ضد مصلحة الشعب، والأمثلة عديدة جدا. نحن ننشد إعلاماً مسؤولا وموضوعيا، يحترم المعايير والتحاليل العلمية وأخلاقيات المهنة ويتجنب الطرح الذاتي الضيقquot;.

كي يكون الإعلام موضوعيا ونزيها

رئيسة التحرير في صحيفة الصحافة جنات بن عبدالله أبرزت لـquot;إيلاف quot;الشروط المطلوب التعاطي معها، حتى نصل إلى مستوى إعلام موضوعي و نزيه: quot;حتى يكون الإعلام موضوعيا ونزيها هناك شروط متعلقة بالصحافي نفسه والمؤسسة الإعلامية، والخط التحريري لها والإطار التشريعي والقانوني الذي يحمي الصحافي، وبطبيعة ومناخ التحول الديمقراطي الذي تعيشه البلاد والظروف المادية للصحافي، الذي يجب تكوينه ومدّه بالمعلومة الصحيحة وتمكينه من النفاذ إليها بسهولة، وهذا أمر غير متوفر حاليا، ومع غيابه تنتشر الإشاعة ونقل الأخبار الزائفة، لأن الإعلامي يقبع تحت ضغط المؤسسة الإعلامية التي ينتمي إليهاquot;.

وتقول: quot;أما على صعيد المستوى المادي للصحافي، فهو لا يزال غير محميّ وحقوقه المادية غير مضمونة وبالنسبة إلى الإطار القانوني فالصحافيون لا يزالون ينتظرون المراجعة السليمة من طرف الإعلاميين أنفسهم لمجلة الصحافة، لأنّ من قام بذلك في الواقع في صلب الهيئة العليا لحماية الثورة، فالإنتقال الديمقراطي والإصلاح الإداري لم يعش التحولات والصعوبات التي كان يعانيها الصحافي في الداخل بينما هو قادم من أوروبا ولا يعرف الكثير عما يحصل في الداخل. وباستثناء مؤسستين أو ثلاث تنتمي إلى الإعلام العام والخاص ليس هناك مؤسسات تحترم الصحافي لأن القانون يغض الطرف عن تجاوزات صاحب المؤسسة الذي يجب أن يحاسب مثل غيره، وعندها يمكن ضمان حق الصحافيquot;.

وأضافت جنات بن عبدالله: quot;جريدة المحرر التي ظهرت بعد الثورة وبقيت فترة قبل أن يوقف صاحبها إصدارها ويطرد ويشرد عشرات الصحافيين، ولم تتم محاسبته، ها هو يعود من جديد ليبعث الصحيفة دون حسيب ولا رقيب، كما أنّ الصحافيين في جريدة الصريح لا يحصلون على حقوقهم فأين القانون من كل ما يحصل وأين النقابة وأين الحكومة. وعندما يتم التعاطي مع كل هذه الشروط عندها يمكن الحديث عن إعلام حر ونزيه وموضوعي، ولكن في غياب منظومة سليمة وفي غياب التناسق والتناغم بين كل هذه العناصر، لا يمكن الحديث عن إعلام حر يعكس مشاغل المواطن التونسيquot;.