تمر الذكرى السنوية الأولى للثورة الليبية في الوقت الذي تعاني فيه هذه الدولة من شكوك ومخاوف تهدد وحدتها وتماسكها الداخلي، لا سيما في ظل الصراعات القبلية المستمرة في عدة مناطق، واعمال التعذيب في السجون ضد موالي الرئيس السابق معمر القذافي، إلى جانب نفوذ الميليشيات.


إحتفالات الذكرى الأولى للثورة الليبية

بيروت: ما زالت ليبيا منقسمة بسبب الصراعات الداخلية، الأمر الذي عكّر صفو الاحتفال بمرور عام على إسقاط العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، وعلى الرغم من الألعاب النارية، وفرح الأطفال والأهازيج، لم يكن هناك أي مؤشر على وجود الحكومة.

وبقيت قيادة المجلس الانتقالي الليبي بعيدة عن أجواء الإحتفال، ربما لأنها استشعرت أن وجودها قد يحول الأهازيج إلى أصوات ساخطة وساخرة، فبعد سنة على انتصار الثورة، ينظر الكثير من الناس إلى الحكومة الليبية على أنها الحل غير المناسب للأزمة التي تمر بها البلاد.

وفي هذا السياق، نقلت صحيفة الـ quot;غارديانquot; عن الدكتور حنا الجلال، متخصص قانوني يعمل مع جماعات الحقوق المدنية في بنغازي، قوله quot;هذا الاحتفال يخص الشعب لا الحكومة، فالناس يقومون بعمل أفضل من الحكومةquot;.

واعتبر أن المجلس الانتقالي ينظر بحسد إلى قدرة الناس العاديين الذين استطاعوا تنظيم احتفتالاتهم، بالتعاون مع الميليشيات المسلحة التي حافظت على الأمن ولم تطلق رصاصة واحدة، quot;وهذا ليس احتراماً لقوانين الحكومة، بل بناء على اتفاق مشترك مع المواطنينquot;.

وقرار المجلس الانتقالي الليبي بعقد اجتماعاته في إطار سري وخاص، أدى إلى العديد من المخاوف من قبل الديبلوماسيين الذين يعتبرون أن البلاد مهددة بالتفكك والإنقسام.

فمصراتة تعقد يوم الاثنين الانتخابات الخاصة بها، من دون مراقبة أو إشراف المجلس الوطني، وهي الخطوة النهائية نحو quot;الاستقلال اسمياًquot;، فالميليشيات التابعة لها تسيطر على ممر يمتد نحو 300 ميلاً عبر ليبيا بهدف المراقبة والحماية، وفقاً لمسؤولين في المدينة، بدلاً من أن تكون هذه مسؤولية الحكومة.

أما من جهة الشرق، يتجه زعماء القبائل إلى اتخاذ خطوة مماثلة لمصراتة، في ظل الشائعات التي تتحدث عن احتمال أن يقرر المجلس الانتقالي الانتخابات الوطنية المزمع عقدها في حزيران/ يونيو القادم.

وأشارت الصحيفة إلى أن quot;أحداً من نقاد المجلس الانتقالي الليبي لم يرحّب بإعلان الرئيس مصطفى عبد الجليل الاسبوع الماضي عن نيته تشكيل حزب سياسي، لأن ذلك لا يتوافق مع وعوده بالانسحاب من الحياة السياسية ما ان يتم إرساء أسس الديمقراطية.

وإضافة إلى كل هذه العراقيل، التي تؤخر عملية تسليم السلطة في ليبيا، تبقى الميليشيات الأزمة الأكبر، فهناك أكثر من 500 من الجماعات المسلحة، تعمل كل منها وفقاً لأوامر خاصة، ونتيجة لذلك، تبدو أعمال العنف والاشتباكات المسلحة هي الأبرز والمسيطرة على البلاد، لا سيما القتال بين القبائل، الذي يخلف وراءه عشرات القتلى.

واعتبرت الصحيفة أن المشكلة ليست في بقاء الميليشيات خارج نطاق السيطرة، بل بسبب انعدام وجود آلية لتأديب الأقلية التي تنتهك حقوق الإنسان.

quot;أتعتقد أن هذا سيء؟quot; يسأل أحمد، أحد أفراد ميليشيا الشباب من ضاحية طرابلس الشرقية في سوق الجمعة، مشيراً إلى حادث الشهر الماضي عندما اشتبكت اثنتين من الميليشيات حول حراسة منزل على الشاطئ.

وأضاف: quot;إذا قمت بوضع السلاح في يد كل الشباب في لندن، ماذا سيحدث برأيك في اليوم التالي؟، في إشارة إلى انتشار السلاح وعدم قدرة المجلس على السيطرة على الميليشيات.

وأكدت منظمة العفو الدولية أن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها ميليشيات المتمردين السابقين quot;بدون عقابquot; تهدد الآمال في ليبيا جديدة.

وأوضحت دوناتيلا روفيرا المستشارة الخاصة لمنظمة العفو الدولية المكلفة بالأزمات والنزاعات: quot;قبل سنة، جازف الليبيون بحياتهم من اجل المطالبة بالعدالة، لكن آمالهم اليوم معرضة لخطر ميليشيات مسلحة لا تحترم القوانين والمعتقدات وتدوس حقوق الإنسان بدون أي عقابquot;.

وعرضت روفيرا تقرير منظمتها حول ليبيا بعنوان quot;الميليشيات تهدد آمال ليبيا الجديدةquot;، الذي صدر بعد سنة على اندلاع الثورة، داعيةً إلى التحقيق بالتجاوزات الخطيرة بما فيها quot;جرائم الحربquot; التي ترتكبها تلك الميليشيات بحق أنصار معمر القذافي، مؤكدة أن quot;هناك معتقلين يُحتجزون بشكل غير قانوني ويتعرضون إلى التعذيب أحياناً حتى الموتquot;.

وأعلن المجلس الانتقالي الليبي عن مجلس الوزراء من التكنوقراط في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لكن هذا المجلس بقي فاقداً للصلاحيات إذ تم تجويفه من السلطة.

وفي الشهر الماضي التقى رئيس الوزراء عبد الرحيم الكيب قادة من مصراتة ليقدم لهم شكوى رسمية بأنه لا يملك أي سلطة.

وبدلاً من معالجة المشاكل، بقي المجلس الانتقالي يتفرج، تاركاً المشاكل تتراكم من دون حلول، فعلى الرغم من الإعلان عن قانون انتخابي في حزيران/ يونيو الماضي، إلا أنه لا يوجد نظام قضائي يفرض تطبيقه.

وتصَدّر ليبيا اليوم أكثر من مليون برميل من النفط يومياً، لكن المسؤولين في آلية التمويل الانتقالية المكلّفة دولياً، اشتكوا من انه لا يسمح لهم بعرض الحسابات التي تبين اين تذهب عائدات النفط.

وحالياً، يبدو أن الحكومة على مسار تصادمي مع المحكمة الجنائية الدولية بسبب قرارها حول محاكمة سيف الاسلام القذافي، نجل الديكتاتور الراحل، على أرضها وبموجب قوانين لم توضع بعد، بدلاً من تسليمه إلى لاهاي.

وبعد مرور عام على انتصار الثورة الليبية، ما زال النظام القضائي بحاجة إلى أن يتبلور، وقد تُرك الدبلوماسيون في حيرة من امرهم في الاسبوع الماضي عندما أعلن المجلس الانتقالي عن تمرير قانون بشأن العدالة الانتقالية، بشكل سري قبل شهرين.

وفي هذه الأثناء، تبقى الأجور غير مدفوعة، وعملية إعادة الإعمار غير موجودة، وانقطاع التيار الكهربائي بات أزمة تجتاح البلاد الذي بدأ ينفد من المال.

ودعا المتحدث باسم الرئيس باراك أوباما جيم كارني، المجلس الانتقالي الليبي إلى اتخاذ قرارته بـ quot;علنية وشفافيةquot;، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة انضمت إلى قافلة المنتقدين.

وكان الاعتراف الغربي السبب وراء قدرة المجلس الانتقالي الليبي على استلام الحكم مؤقتاً، بقيادة شخصيات من مدينة بنغازي بشرق ليبيا.

كما أن حلف الشمال الأطلسي كان السبب في انتصار الثورة الليبية، بسبب الدعم العسكري الذي قدمه للثوار.

وبناء على ذلك، فإن انحدار ليبيا نحو الدكتاتورية من جديد، سيؤدي إلى ردود فعل سلبية، لن يكون أقلها في لندن وباريس.

وكشف أحد المقاتلين من بنغازي: quot;سوف نعطي الحكومة الجديدة فرصة واحدة، فإذا لم تثبت كفاءتها، نعرف كيف نتصرف، فقد أصبحنا أخبراء في شن الثورةquot;.