بيروت: انتهت الثورة الليبية بالإطاحة بالعقيد الليبي الراحل معمر القذافي، وتحولت ليبيا إلى أرض من الفوضى يجهد قادتها لإعادة الإمساك بزمام الأمور، وسط مناوشات خطيرة بين القبائل المتناحرة، ومحاولات لفرض الصبغة الاسلامية على البلاد، بدأت تتجلى مظاهرها بمنع بيع الكحول وفرض الشريعة على المواطنين من قبل الجماعات الاسلامية المتشددة.

ولم تكن الثورة الليبية كريمة مع محمود العربي. في آذار الماضي، نهبت القوات الموالية للزعيم الليبي معمر القذافي دكان البقالة الذي يملكه في زوارة بعد أن فر إلى تونس، وسرقت بضائع وسلع تبلغ قيمتها نحو 6000 $.

وعندما عاد إلى ليبيا في أيلول/سبتمبر، تحول العربي لبيع البيرة والخمور لتأمين الأموال من أجل سداد ديونه، وهي مهنة تعتبر غير قانونية في بلد تم فيه حظر الكحول لمدة أربعة عقود.

ولفت عمله الجديد انتباه الثوار الاسلاميين الذين ساعدوا في الإطاحة بالقذافي. وبعد ان هددوا مالك المتجر، فجر المتمردون محل الكحول، فأصبح العربي من دون عمل أو مال، يقضي أيامه في مقطورته المتحركة يأسف لحال بلاده. ويقول العربي: quot;لم أحصل على شيء من هذه الثورة سوى المعاناةquot;.

في هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ quot;تايمquot; ان الليبيين اكتشفوا أن المعركة الشاقة التي خاضوها للفوز بالحرية أصبحت في خطر، فالجماعات الاسلامية المتشددة المعروفة باسم quot;السلفيةquot; تعمل على تطبيق نموذج صارم من الإسلام على المجتمع.

وفرض السلفيون حظراً على بيع الكحول وهدم قبور الأولياء، وتحديداً في بلدة الزوارة قرب الحدود التونسية، التي تهيمن عليها طائفة مسلمة (تنتمي الى المذهب الإباضي) مكروهة من السلفيين، فأصبحت ساحة معركة للرؤى المتنافسة حول مستقبل ليبيا.

ويجلس العربي في مقطورته على مشارف البلدة، وتحيط به علب بيرة quot;هاينكنquot; التي أتلفها الثوار. يقول: quot;أنا أفضّل بيع المشروبات الكحولية على التسولquot;، مشيراً إلى أنه لا يملك المال بعد أن خسر مدخراته كلها خلال الثورة.

بعد أن سيطر الموالون للقذافي على البلدة، أصبح العربي مطلوباً لأنه دعم الثوار، فاضطر للفرار إلى تونس بتكلفة قدرها 3500 دينار. quot;لقد فقدت كل شيء في متجري، ولم يكن لدي مال فقررت بيع الكحولquot;.
قبل أن يخسر متجره، كان بيع الخمور يعود على العربي بأموال جيدة، فيقول: quot;كان يزورني أكثر من مائة وزبون في اليوم ليشتروا الفودكا والويسكيquot;. لكن عندما جاء السلفيون، باتت أيامه لبيع الخمر معدودة، فأخبروه أن هذه البلدة quot;مسلمة وتحرم بيع الخمورquot;.

quot;لم أكن أريد أي مشاكل معهم، ووافقت على وقف بيع الكحول في المتجر، لكنهم لم يقتنعوا فدمروا متجريquot; يقول العربي.

وغضب السلفيين لم يصب العربي وحده، فعمد نحو 200 إلى 400 من أعضاء الحركة السلفية إلى تدمير الأضرحة والتماثيل التي تنتمي إلى المذهب الإباضي، الذي يعتبر أتباعه quot;زنادقةquot; بنظر المسلمين السنة.

واعتبرت الصحيفة ان السلفيين لا يتسامحون مع فروع أخرى من الإسلام ويعتدون على الأقليات المسلمة في أنحاء أخرى من العالم العربي مثل العراق والسعودية. وعلى الرغم من ان العديد من المسلمين يترددون على أضرحة الأولياء، يطلبون منهم الشفاعة، إلا أن السلفيين يعتبرون ان هذه quot;طقوس وثنية يجب طمسها.

وفي جميع أنحاء ليبيا، شجع سقوط القذافي ظهور السلفيين الذين اضطُهدوا وسُجنوا في ظل الزعيم الراحل، فباتوا يتمتعون بحضور قوي على المستوى العام، واستولوا على المساجد، وحتى رفعوا علم تنظيم القاعدة على مبنى محكمة في بنغازي حيث الثورة منذ أحد عشر شهراً.

وفي العاصمة طرابلس، دمرت المجموعات السلفية أكثر من ستة أضرحة للأولياء.، ودمروا معالمهم بحيث لم يعد يقدر المصلين رؤيتهم كما أحرقوا الآثار المحيطة بالأضرحة. لكن العربي لا يهتم بأعمال التدمير الغامضة، فيقول: quot;أريد فقط أن أستعيد حياتي، فقد حاربت في الجبال ضد القذافي، وكوفئت بتفجير متجريquot;.