القاهرة: أطاح متمردون في مالي، تلك الدولة التي غالباً ما يشار إليها باعتبارها نموذجاً للديمقراطية، بالحكومة المنتخبة يوم أمس الخميس، وأقدموا كذلك على سرقة ونهب القصر الرئاسي وألقوا بالقبض على مجموعة من الوزراء وأعلنوا استحواذهم على السلطة.

وأشارت في هذا الصدد صحيفة النيويورك تايمز الأميركية إلى أن تلك الحكومة كانت آخر الحكومات التي تتعرض للسقوط كنتيجة لتداعيات موجة الربيع العربي، رغم أن ذلك لم يتحقق في تلك الحالة عن طريق انتفاضة شعبية أو احتجاجات مطالبة بالديمقراطية.

وعلى العكس من ذلك، كانت تتحضر مالي لإجراء انتخابات بعد شهر واحد فقط من الآن، ولم يكن سيترشح الرئيس مرة أخرى، التزاماً منه بالقانون. غير أن سقوط العقيد الليبي الراحل، معمر القذافي، تسبب في تدفق قدر كبير من الأسلحة إلى مالي، وهو ما أدى لتدعيم حركة تمرد قائمة منذ مدة طويلة في صحراء البلاد الشاسعة ( بمنطقة الشمال ) وتمكينها من إلحاق عدة هزائم بالقوات المالية. وقال الجنود المتمردون، الذين قادوا الانقلاب، وهم عبارة عن ضباط ذي رتب منخفضة ورجال مجندين، على شاشة التلفزيون، إنهم سئموا من الطريقة التي تواجه من خلالها الحكومة المالية حركة التمرد، معبرين عن شكواهم من عدم جاهزيتهم لخوض المعركة.

هذا وقد اعتبرت بعض الحكومات الأجنبية ومحللين وبعض الماليين ذلك الانقلاب الذي وقع يوم أمس ndash; وهو الذي لم تشهد البلاد مثيل له منذ عام 1991 ndash; أنه بمثابة الانتكاسة الحادة للديمقراطية في إفريقيا، خاصة وأن البلاد تعتبر واحدة من أقل دول القارة التي كان من الممكن أن يحدث بها محاولة انقلاب في كل منطقة غرب إفريقيا.

وقال محللون إن ذلك الانقلاب يشكل مثالاً على الطريقة التي يمكن أن تسفر من خلالها عملية الإطاحة بالقذافي عن تحولات سياسية غير متوقعة، تعنى بزعزعة استقرار أجزاء من منطقة الصحراء الشاسعة. وأعقبت النيويورك تايمز بقولها إن أسلحة العقيد القذافي سمحت للمتمردين ورجال قبائل الطوارق من البدو بتحقيق انتصارات مفاجئة على حساب الجيش المالي في الشمال الصحراوي، حيث نجحوا في فرض سيطرتهم على مساحات كبيرة من الأراضي. وبينما سبق للقوات الحكومية أن تمكنت من قمع انتفاضات مماثلة، إلا أنها لم تفلح هذه المرة في إخماد تلك الانتفاضة.

وعاود محللون، تحدثوا مع الصحيفة، ليقولوا إن النجاح النسبي الذي حققه المتمردون أدى إلى تولد مشاعر إحباط حادة في صفوف الجيش المالي المكون من 7000 فرد، والذي يلوم حكومة الرئيس أمادو توماني توريه على وضعيته المهتزة حالياً.

ثم تحدثت الصحيفة عن مشاعر السخط التي تختمر منذ عدة أشهر، في الوقت الذي كان يشكو فيه الضباط من نقص الأسلحة والقيادة الفعالة للسيطرة على حركة التمرد. وقال في هذا الصدد الملازم أمادو كوناري إن الحكومة لم تمنح القوات الوسائل الكافية التي كان بمقدورها الارتكاز عليها للدفاع عن البلاد في مواجهة المتمردين الشماليين. وتعهد في السياق ذاته كذلك بأن يتم استرداد الحكم المدني مرة أخرى.

هذا ولم يتم الوصول حتى مساء يوم أمس إلى الأماكن التي ربما لجأ الرئيس إلى الاختباء فيها، فيما أفادت جماعات عاملة في مجال حقوق الإنسان بأن عدداً من وزرائه قد تم إلقاء القبض عليهم. هذا ولم يكن من المتوقع حدوث انقلاب كهذا نظراً لأنه كان من المقرر إجراء انتخابات الرئاسة في البلاد يوم الـ 29 من شهر نيسان (أبريل) المقبل، وذلك في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس أنه لن يترشح لولاية رئاسية أخرى. وهو ما جاء ليتناقض تماماً مع ما حدث في بعض دول الجوار مثل السنغال والنيجر وساحل العاج، التي حاول رؤساؤها التشبث بالسلطة بعيداً عن الحدود الدستورية.