لا شك في أن الطموحات التركية الحديثة على الصعيدين الداخلي والخارجي هائلة الحجم. لكنها تظل في خانة الأحلام وعسيرة المنال. ولو كانت أنقرة بحاجة إلى إثباتها، فأمامها الآن ثلاث قوائم يتعيّن عليها أن تسعى إلى تغيير مراتبها فيها.


صلاح أحمد: ظل الإحساس بالفخر يتزايد في أروقة الحكومة التركية أخيرًا. وكانت عوامل ثلاثة أساسية هي التي تقف وراء هذا: النمو الاقتصادي المتسارع، خاصة في هذا الزمن الصعب على المستوى العالمي، والدور الدبلوماسي الكبير الذي تؤديه أنقرة على خشبة المسرح الدولي، والانتصارات الانتخابية القياسية التي حققتها الحكومة نفسها.

ولكن، تبعًا لصحيفة laquo;فاينانشيال تايمزraquo;، فثمة ثلاث قوائم نُشرت هذا الأسبوع - تغطي أشياء متنوعة، مثل العقوبات على إيران والمؤسسات المالية الدولية وحرية العبادة - تتطلب شيئًا من إعادة النظر في دواعي السرور الحكومي المتعاظم أبدًا في الآونة الأخيرة.

النفط الإيراني
أول الأنباء غير السارة، وربما الأهم على الإطلاق، أن تركيا لم تجد نفسها على قائمة الدول المعفاة، في الوقت الحالي على الأقل، من استيراد النفط الإيراني وفقًا للقرار الأميركي المتخذ من جانب واحد.

وهذا تطور خطر بالنسبة إلى أنقرة، لأن إيران كانت وراء توفير نصف إجمالي نفطها الخام خلال الأشهر الستة الأولى من العام الماضي. ومن شأن عقوبات كتلك أن تعود وبالاً أيضًا على laquo;هالكبانكraquo;، وهو المصرف الحكومي المسؤول عن ترتيب مدفوعات النفط إلى طهران.

يذكر في هذا الصدد أن العقوبات الأميركية تستهدف المؤسسات المالية التي تسهّّل سبل العمل التجاري مع إيران، لا الشركات التي تقوم بالشراء الفعلي.

مع ذلك فإن هذا لا يعني أن تركيا أو laquo;هالكبانكraquo; مستهدفان كاملاً بتلك العقوبات. فقد قالت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، إن عشرًا من دول الاتحاد الأوروبي واليابان تستحق الثناء لأنها خفّضت وارداتها الإيرانية من النفط الخام، وإن هذه الدول تمثل laquo;الدفعة الأولىraquo; من تلك التي ستكون معفاة من حظر استيراده.

... والبديل السعودي
هذا يعني بالطبع أن المجال قد يصبح مفتوحًا أمام تركيا لأن تصبح في laquo;الدفعة التالية المعفاة من الحظر الإيرانيraquo;. وقد شدد وزير الطاقة التركي، تانر يلديز، على هذه الزاوية الأربعاء بقوله: laquo;الحظر الأميركي لا يعني تلقائيًا أن بلادنا ستظل خارج قائمة الدول المعفاة. والمفاوضات جارية الآن على مستوى الشركاتraquo;.

وتدعم laquo;فاينانشيال تايمزraquo; هذا التصريح بقولها إن ثمة محادثات تعقدها تركيا حاليًا خلف الكواليس لاستيراد الخام من المملكة العربية السعودية. وتضيف أن المراقبين لن يُدهشوا إذا انخفضت لديها واردات النفط الخام الإيراني خلال العام الحالي. ففي وجود بديل مثل النفط السعودي، لن يكون الامتثال إلى قرار الحظر الأميركي مشكلة كبيرة.

على أن المحصلة الأخيرة المهمة بعد كل هذا هي أن هذا السيناريو يلقي بالضوء على أنه لا مناص لتركيا، مثل أي دولة أخرى في العالم تقريبًا، من أن تنصاع للضغوط الأميركية بشكل أو بآخر ومن وقت إلى آخر، حتى إن كان الانصياع يعني خسارة مالية فادحة. فالنفط الإيراني ليس رخيصًا نسبيًا وحسب، وإنما تدفع تركيا أيضًا ثمنه بالليرة، وليس الدولار أو اليورو. وهذا يعني أن التحول إلى البديل، وهو النفط السعودي الغالي والمُباع بالدولار، مكلّف كثيرًا بالنسبة إلى الخزانة التركية.

مواجع أخرى
هناك أيضًا قائمتان أخريان. وأولى هاتين صدرت في الأسبوع الحالي أيضًا عن laquo;مؤشر المراكز المالية العالميةraquo;. وكما كان متوقعًا فإن هذه القائمة تضع لندن ونيويورك وهونغ كونغ في صدارة المدن المالية العالمية تبعًا لمعايير مثل البنيات الأساسية والمناخ التجاري وتوافر المنافذ السهلة إلى السوق.

لكن هذه القائمة جاءت أيضًا بمثابة صدمة للحكومة التركية نبهتها إلى أن أحلام اليقظة شيء والواقع شيء آخر. فعلى مدى نحو السنوات الخمس الماضية ظلت أنقرة تعلن على الملأ طموحاتها إلى أن تصبح مركزًا ماليًا عالميًا، ولكن بدون أن تكمل أيّاً من مشاريعها لوضع هذا الأمر موضع التنفيذ.

خسارة أمام قطر
فقط انظر إلى الحقائق. فقد كان أفضل أداء لتركيا، تبعًا لذلك المؤشر، متواضعًا في أفضل الأحوال، إذ رفعتها القائمة عتبة واحدة لا أكثر، من المرتبة الثانية والستين إلى الحادية والستين. وقد يشير المشككون الأتراك في هذا الصدد إلى حقيقة أن الدراسة مدعومة من سلطات المركز المالي القطري، في وقت تتنافس فيه الدوحة وإسطنبول (عاصمة تركيا المالية) على الهيمنة الاقتصادية الإقليمية.

ولنذكر هنا أن قطر نفسها جاءت في المرتبة الثامنة والثلاثين على القائمة نفسها. لكن حقيقة أن 60 مدينة - بما فيها مراكز laquo;فقيرةraquo;، مثل مكسيكو سيتي ووارسو - تأتي قبل إسطنبول، توضح بجلاء أن أمام تركيا مشوارًا طويلاً يتعين عليها أن تقطعه قبل اعتبارها في زمرة المدن العالمية المهمة ماليًا.

لا حريّات دينية
هناك أيضا القائمة الثالثة التي تود تركيا ألا تكون عليها. ففي الأسبوع الحالي أيضًا أشارت laquo;اللجنة الأميركية للحريات الدينية الدوليةraquo; (تابعة للحكومة الفيدرالية) إلى تركيا بالاسم، قائلة إنها laquo;مثيرة للقلق بسبب انتهاكاتها الفاضحة لحق حرية المعتقد والعبادةraquo;. ويضعها هذا الوصف في زمرة من 16 دولة أخرى على القائمة، تمارس قمع الحريات الدينية مثل بورما وإيران وكوريا الشمالية.

وقد احتجت الدبلوماسية التركية على هذا التصنيف، وأشارت، على سبيل المثال، إلى خطوات اتخذتها أنقرة في العام الماضي هدفت إلى مساعدة أصحاب الأقليات الدينية على استعادة عقاراتهم المصادرة قبل زمن. لكن القائمة تثبت بوضوح أنه بالرغم من العلاقات الدافئة بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان والرئيس الأميركي باراك أوباما، فإن هذا لا يضمن غضّ البصر عن التجاوزات التركية.