يحرص رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، على استثمار أي هجمات من الساسة العراقيين والعرب ضده وتوظيفها لصالحه دون أن يرد عليها شخصياً، ليزيد من مظلوميته تجاه العراقيين ويعمل من جانب آخر على كسب حلفاء جدد له كانوا حتى وقت قريب مع مناوئيه.
بعد سيل الهجمات التي توالى على توجيهها له طوال العام الماضي قادة القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء السابق أياد علاوي، نجح المالكي في حصد شعبيته حيث أظهر أن من يوجه التهم له ويشتمه في وسائل الاعلام هم من البعثيين، كما تكرر وسائل إعلام قريبة من رئيس الحكومة. فنجح في تفكيك القائمة العراقية حد أنه انشغل في الطريقة المثلى لتجميعها من جديد، كما يؤكد لايلاف مصدر قريب الصلة بالمالكي.
وكان ظهور المالكي مطلع العام الحالي على أكثر من فضائية عراقية بمظهر الواثق من حسم ملفي نائبه لشؤون الخدمات صالح المطلك، الذي كان شبّه المالكي بالرئيس العراقي السابق صدام حسين كـquot;ديكتاتور لايبني عكس سابقه صدام الذي كان يبني وعمّر العراقquot;، وملف نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي المقيم منذ ثلاثة أشهر في إقليم كردستان هربا من تهم بالإرهاب مع أكثر من 12 عنصرا من أفراد حمايته بعد أن ألقي القبض نهاية العام الماضي على بعضهم واعترفوا بلقطات تلفزيونية بقتلهم العشرات من العراقيين ومباركة الهاشمي لهم الذي ينفي التهم ضده وضد أفراد حمايته.
الهجوم الجديد على المالكي جاء من رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني في العشرين من شهر آذار الحالي عشية احتفال الشعب الكردي بعيد نوروز، وهو أعنف هجوم يشنه البارزاني على حلفاء الأمس في بغداد.
حيث انتقد البارزاني بشدة quot;تشكيل جيش مليوني في البلاد quot;يدين بالولاء لشخص واحد جمع السلطة بيديهquot;، قائلا quot;كفى لذلك الشخص الذي يحمل صفة القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والداخلية ورئيس المخابرات وغيرها من المناصب. ورأى البارزاني أن العراق يتجه نحو quot;الهاوية بسبب تمسك فئة بالسلطة تريد جرّه إلى الدكتاتوريةquot;.
وبيّن البارزاني أن الكرد لم يغيروا تحالفهم مع الشيعة (الطائفة التي ينتمي اليها المالكي) ملمحا الى التوجه لخلق تحالف جديد مع الصدريين والمجلس الاسلامي العراقي حلفاء المالكي في التحالف الوطني العراقي الذي يشكل الحكومة، مؤكداً أن الشيعة قبل السنة مضطهدون في الحكومة الحالية.
لكن ردود الفعل على تصريحات البارزاني جاءت من نواب قريبين من المالكي ومن الصدريين ومن المجلس الأعلى ومن نواب سنة بعد أن لزم المالكي، كعادته، عدم الرد على التصريحات النارية ضده، فقد وصف النائب عن كتلة الاحرار التابعة للتيار الصدري جواد الجبوري تصريحات مسعود البارزاني الأخيرة بـquot;غير الموفقةquot;، مبيناً أن الكرد وقعوا في مشكلة تلك التصريحات التي تستفز الشريك وتناسوا أن الإقليم هو التابع والحكومة الاتحادية هي المتبوع. وأكد القيادي في المجلس الإسلامي الشيخ حميد معلا، أن المجلس لن يغيّر تحالفاته الحالية.
الردّ الاقوى جاء من عرب كركوك المحافظة المتنازع عليها عربيا وتركمانيا وكردياً. فقد خاطب النائب عمر الجبوري عن القائمة العراقية البارزاني قائلا quot;إن من يتكلم اليوم على الدكتاتورية والاستبداد والتفرد بالسلطة في العراق عليه ان ينتقد ممارساته ومن معه بحق عرب كركوك وما يسمى بالمناطق المتنازع عليها الذين عانوا التهميش والاقصاء من جميع المؤسسات العامة الادارية والامنية بعد ان سبق ذلك الانفراد بتنفيذ ابشع ممارسات التطبيق العرقي بحق العرب واوسع عملية تعتبر في تاريخ العراق المعاصر بهدف تجريد كركوك هويتها الوطنية المشتركةquot;.
وصعّد النائب في ائتلاف المالكي الشيخ حسين الأسدي ردّه على البازراني بتجريمه بإيواء نائب الرئيس العراقي المطلوب قضائياً فقد بين الأسدي أن quot;البارزاني مطلوب للقضاء العراقي بعد إصراره على ايواء الهاشمي، مضيفاً أن تصعيد الأخير لا يعفيه من المساءلة الجزائيةquot; داعيا الى استجواب البارزاني في مجلس النواب العراقي. ليرد عليه النائب عن التحالف الكردستاني فرهاد الأتروشي باتهام المالكي بالتستر لسنوات على ملفات خطيرة، quot;يتوجّب على الادعاء العام توجيه اتهام للمالكي بسبب تستره منذ أربع سنوات على ملفات خطيرة تتعلق بدماء المواطنين الأبرياء ومقايضتها بمكاسب سياسيةquot;.
لكن المالكي نجح في كسب ودّ أشد منتقديه في وسائل الإعلام العراقية والعربية النائب السابق مشعان الجبوري الذي كان صديقا لرئيس إقليم كردستان لسنوات. وفرّ الى سورية حيث كان أسس أكثر من قناة فضائية خاصة به (الزوراء والرأي) دأبتا على مهاجمة الحكومة العراقية ورئيسها المالكي قبل أن ينجح الأخير في استثمار حاجة الجبوري للعودة إلى العراق من منفاه في دمشق التي تشهد انتفاضة عنيفة منذ عام ضد الرئيس بشار الأسد. فقد نجحت الوساطات التي كانت تجري لأشهر خلف الكواليس لعودة الجبوري لبغداد نادماً بعد أن رد الحكم الغيابي بحقه بتهم مالية والتحريض على الإرهاب ليتحول الى ورقة بيد المالكي ضد خصومه خاصة في محافظة صلاح الدين التي ينتمي اليها مشعان الجبوري التي كانت طالبت بأن تكون إقليماً.
وصرح الجبوري لوسائل إعلام عراقية بأنه سيعمل على الوقوف ضد أي توجه بتكوين الاقاليم في العراق لكنه يدعم انفصال العراق عن اقليم كردستان بمحافظاته الحالية الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك. ليتم التباحث لاحقا حول بقية المناطق المتنازع عليها.
وهو توجه عادة ما يردده مقربون من المالكي في احاديثهم الخاصة منتظرين الفرصة المؤاتية لذلك. ويرى مراقبون عراقيون أن المالكي يريد أن يقرر هو الوقت والطريقة التي يعلن فيها انفصال العراق عن محافظات إقليم كردستان، ليفاجئ قادة الاقليم المعتمدين في ميزانيتهم على الميزانية المركزية من خلال حصة الـ 17% سنوياً.
ويؤكدون أن موعد التصادم مع الاكراد قادم لامحالة حيث يرى المالكي أن أي صدام بينه وبين الكرد سينجح في جمع معظم العراقيين لجانبه، ولعل الانتخابات النيابية المقبلة عام 2014 أو انتخابات مجالس المحافظات نهاية العام الحالي ستشهد تصعيداً من المركز ثم صداماً مع إقليم كردستان يبدأ بالمناطق المتنازع عليها في كركوك وديالى لينتهي بانفصال الاقليم نهائيا.
يذكر أن المادة 116 من الدستور العراقي تنص على أن يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمةٍ واقاليم ومحافظاتٍ لا مركزيةٍ واداراتٍ محلية.
فيما تنص المادة 117 منه على أن: أولاً :ـ يقر هذا الدستور، عند نفاذه، إقليم كردستان وسلطاته القائمة، اقليماً اتحادياً.
ثانياً :ـ يقر هذا الدستور، الاقاليم الجديدة التي تؤسس وفقاً لاحكامه.
لكن حلم انفصال الكرد عن العراق في دولة لمّا يزل لدى جميع الكرد العراقيين، رغم ما نص عليه الدستور العراقي الذي يعترض عليه اليوم حتى الذين شاركوا في كتابته على عجل.
ويرى معظم العراقيين أن الاقليم بات عبئاً على الدولة المركزية مالياً وسياسياً وأمنياً، من خلال نسبة الـ 17% من الميزانية وعدد الوزراء الكرد في الحكومة العراقية الذين يرى بعضهم أنهم يعملون لصالح الاقليم اكثر من بقية المحافظات إضافة الى جيش البيشمركة الذي هو جيش خاص بالاقليم الذي يرغبون في انفصاله في واقعه الحالي.
ويقول المراقبون إن خطاب رئيس إقليم كردستان عشية عيد نوروز قبل أربعة أيام قد قرّب لمستمعيه هذا الحلم حيث قال إنquot;الكثير من الأشخاص كانوا يتصلون ويطلبون منا أن نعلن اليوم بشرى كبيرة لشعب كردستان، لذا نطمئنكم إلى أن ذلك اليوم قادم إن شاء الله، لكنها يجب أن تكون في وقت مناسب، ولكن كونوا مطمئنين إلى أن البشرى آتية لامحالةquot;.
ويؤكد المراقبون أن المالكي سيحقق هذا الحلم لكن على طريقته وفي الوقت الذي هو يحدده ويحقق فيه مكاسب سياسية وشخصية.
التعليقات