ترى تقديرات عديدة أن خطة أنان ليست برنامجاً للمصالحة بين النظام وخصومه أو حل خلافاتهما، بل هي خطة لإبعاد النزاع عن العسكرةوجعله يبقى مقتصراًعلى الوسائل السياسية.

احد عناصر الجيش السوري الحر
لم يكن من المستغرب أن تبدي فصائل المعارضة السورية والدول التي تدعمها شكوكاً في جدوى خطة المبعوث الدولي كوفي أنان لإنهاء الأزمة السورية، التي نالت على ما يُفترض قبول الرئيس بشار الأسد. فالخطة لا تحدد جدولاً زمنيًا لوقف اطلاق النار وحل النزاع حلاً سياسياً بعد نحو 9 آلاف قتيل منذ اندلاع الانتفاضة العام الماضي.
إضافة الى ذلك، لا تدعو الخطة إلى تنحي الأسد، ما أثار غضب المعارضة. وكان الرئيس السوري وافق في تشرين الثاني/نوفمبر على خطة ذات بنود مماثلة، ولكنه حرص على ألا ترى النور.
وما كان الأسد ليقبل خطة أنان لولا اقتناعه بأنها تتيح له إمكانية انهاء الأزمة مع بقائه في السلطة. ولكن خطة أنان على كل مثالبها هي الخيار الوحيد المتاح الآن. وأن نجاح المعارضة في مضاهاة الأسد ببراعة توظيف الخطةلصالحه قد يكون عاملاً حاسماً في تحسين فرصها وآفاقها خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.
وفي حين أن مؤتمر اصدقاء سوريا الذي بدأ اعماله في اسطنبول الجمعة يدعم تشديد العقوبات ضد النظام السوري، فإنه ما زال ملتزماً بعدم تسليح المعارضة وما زالت احتمالات التدخل الخارجي بعيدة. ورغم دعوة العربية السعودية إلى اعتماد إستراتيجية أشد فاعلية من ضمنها مساعدة المعارضة المسلحة، فإن قمة بغداد اكتفت بتأييد خطة أنان والدعوة الى انهاء سفك الدماء.
وإزاء تفوق النظام الساحق على المعارضة ذات التسليح المتواضع لا تبقى إلا خطة انان. وبدلاً من رفضها يبدو أن القوى الغربية تعتزم العمل على تنفيذها بجدول زمني وشروط توقف حملة النظام ضد معاقل المعارضة.وسيتعامل الأسد من ناحيته مع الخطة بشروط تخدم بقاء نظامه.
ولا تدعي خطة أنان أنها برنامج للمصالحة بين النظام وخصومه أو حل خلافاتهما، بل هي خطة لإبعاد النزاع عن العسكرة وقصره على الوسائل السياسية. وتبقى اهداف النظام واهداف المعارضة على طرفي نقيض لا يمكن التوفيق بينهما. فالأسد مصر على البقاء في السلطة والمعارضة عاجزة عن التوصل الى توافق بين فصائلها حين يتعلق الأمر بمطلب تنحيه الفوري، كما تلاحظ مجلة تايم.

وما تقدمه خطة أنان هي صيغة لإدارة هذا الصراع وفق قواعد تحجِّم قدرة النظام على سفك الدماء بوقف اطلاق النار تحت اشراف دولي وانهاء المظاهر العسكرية في المدن وامتناع المعارضة المسلحة عن استهداف قوات النظام وضمان حرية الاحتجاج السلمي وحمل النظام والمعارضة على الجلوس الى طاولة المفاوضات.

ونقلت مجلة تايم عن الخبير بالشؤون السورية في جامعة اوكلاهوما الأميركية جوشوا لانديس quot;أن الرئيس الأسد يبحث عن طريقة لانهاء الانتفاضة ضد نظامه من دون أن يتنحى أو يسلم مقاليد السلطة الى قوى الثورةquot;، بل على العكس فهو يعتقد أن قواته اجبرت الثوار على التراجع بعمليات القصف المتواصلة على كل معقل أقامه الثوار في المراكز الحضرية الكبيرة، كما يرى المحلل لانديس، مضيفاً أن quot;الأسد يرى في قبول خطة أنان خطوة نحو استعادة القبول الدولي بحكمهquot;.
وتدرك المعارضة أجندة الأسد وتكتيكه لكسب الوقت بقبول خطة أنان ومواصلة حملته ضد الثوار. ومن هنا رد فعل ممثلة المجلس الوطني السوري بسمة قضماني التي أكدت لمجلة تايم quot;أن الانتقال السلمي يعني ضرورة تغيير النظام وأن هذا يبدأ بتنحية رئيس الدولةquot;. ونقلت صحيفة الغارديان عن دبلوماسيين غربيين تحذيرهم من quot;أن الأسد يمكن أن يبقى في السلطة إذا تحقق وقف اطلاق النار من دون عملية سياسيةquot;.
ولكن الرئيس السوري لن يتنازل عن السلطة إلا إذا توصل الى قناعة بأن لا خيار امامه إلا التنازل في حين أن ظهره ليس الى الحائط في الوقت الحاضر بل أن سبب اللجوء الى خطة أنان هو على وجه التحديد الحقيقة الماثلة في أن جهود المعارضة والدول التي تدعمها لم تكن كافية لحمل الأسد على الرحيل بعد عام من الانتفاضة التي كلفت بتقديرات الأمم المتحدة 9 آلاف قتيل حتى الآن.
وإذا وافقت المعارضة من جهتها على قبول الخطة فإنها ستقبلها على مضض لأن ضعفها على الجبهة العسكرية لم يُبقِ لها خياراً آخر ولأن الجهات الخارجية التي تدعمها دفعتها دفعاً إلى القبول بالخطة. ولكن بعض فصائل المعارضة ترى أن خطة أنان، بنصها المكتوب على الأقل، تعزز مواقعها بوقف المواجهة العسكرية والسماح بالاحتجاج السلمي والنشاط السياسي. وليس هناك ما هو غريب في اقبال فرقاء على عملية تفاوض بأهداف متضاربة وتأويلات متباينة لما تقتضيه العملية من كل طرف. فالولايات المتحدة وفيتنام الشمالية امضتا اربع سنوات من المفاوضات المتقطعة فيما كان القتال بينهما محتدماً على الأرض الى أن انتهى برحيل الولايات المتحدة. ويصح الشيء نفسه على عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية التي بدأت منذ 20 عاماً اكتسب الصراع خلالها اشكالاً أخرى.
وفي حين أن القوى الغربية لا تثق بنيات الأسد فالمرجح أنها ستضغط على المجلس الوطني السوري للانضمام الى عملية أنان وتطالب بتنفيذ تلك البنود التي تشل يد الدكتاتور تنفيذاً فورياً. ويعتقد الأسد من جهته، بأن قواته دخلت مرحلة quot;التمشيطquot; في حملتها ضد المجموعات المعارضة المسلحة ، كما يرى المحلل لانديس. فالأسد لا يثق بالمعارضة ولا يعتزم السماح لها بتنحيته بالطرق السلمية ويتعامل مع عملية أنان بالاصرار على أن يبدأ وقف اطلاق النار مع المجموعات المسلحة. كما أن التصريحات الروسية الأخيرة، التي تلقي مسؤولية انهاء العنف على عاتق المعارضة،تشير الى أن لدى موسكو والقوى الغربية تصورات مختلفة عن الطريقة التي يتعين أن تنفذ بها خطة أنان.
ومن الواضح أن أنان يدرك اهمية الحفاظ على وجود توافق بين القوى الغربية والدول العربية والقوى التي تدعم النظام، لا سيما روسيا. وأن تحويل الخطة من مجموعة مبادئ مبهمة نسبياً الى وقف حقيقي لاطلاق النار سيكون موضع صراع حاد في الاسابيع المقبلة، وهو صراع محفوف بالمخاطر إزاء انقسام المعارضة.
ففي أي عملية دبلوماسية ستكون للنظام أفضلية الكلام بصوت واحد. والمجلس الوطني السوري حتى الآن ليس معترفاً به ويبقى أن ننتظر ليتبين ما إذا كان يمثل فصائل المعارضة المحلية التي تقارع النظام على الأرض في الداخل، والجيش السوري الحر بمجموعاته المفككة من الوحدات المحلية المسلحة، بحسب مجلة تايم.
والأكثر من ذلك، فإن عدم تماسك المعارضة يعمل لصالح الأسد إذا وافق على الخطة، المعارضة المنقسمة لا تستطيع الاتفاق على قبولالخطةبموقف موحد،وقد يتيح هذا للنظام السوري أن يستخدم المقاومة المستمرة وسيلة لمواصلة حملة البطش ضد المعارضة.ولكن الواضح الآن أنه حتى إذا انضمت المعارضة الى الأسد في قبول خطة السلام، فإن من المستبعد أن يعني هذا اقتراب النزاع الأهلي السوري من نهايته بل يعني بكل بساطة دخول الصراع مرحلة جديدة.