الثورة المصرية

عمل الناشطان المصريان وائل غنيم، وعبد الرحمن منصور، على إنشاء صفحة، في موقع التعارف الاجتماعي الشهير، فايسبوك، كان هدفها فضح ممارسات رجال الشرطة المصرية، وتجاوزاتهم، تحت عنوان quot;كلنا خالد سعيدquot;، دون أن يتوقعا أن يكون لهذه الصفحة الدور الرئيس في إسقاط رأس النظام ورئيسه، حسني مبارك، في فترة قياسية.

كانت تلك الصفحة معبرة عن أحلام جيل كامل، وعذاباته، وصبره. حين ضاق الأفق أمام الملايين من الشبان الذين فقدوا الأمل في المستقبل، ولم يتقبلوا فكرة العيش في الماضي، مع الدراويش، وشيوخ التحف الفكرية، كان لا بد من نقلة على لوح الشطرنج، حتى وإن كانت الأخيرة.
هكذا سار عبد الرحمن منصور، الذي لم يكن يعرفه أحد، على طريق الثورة، وآثر أن يلزم موقعه خلف الستار، فيما تصدّر شريكه صدور الصحف الأولى، قبل أن يطويه نسيان سريع، يخرجه من لعبة الثورة كلها، رغم أنه كان، مع شريكه، أصحاب الصيحة المسموعة الأولى للثورة.

لكن ما حدث قد حدث، فقد فاجأت التكنولوجيا التاريخ على حين غرة، وفتحت صفحة جديدة في كتاب مصر.
كل شيء كان مثيرًا بالنسبة لي وأنا أتحدث مع هذا الشاب، الذي لم يتجاوز العشرين بعد، ويمتاز بابتسامة طفولية، وبنظرة تومض بمصر الجديدة، والقاهرة المتعبة، والغد الجديد.

قلت له في البداية: quot;من أنت؟quot;.
quot; أنا عبد الرحمن منصور. ولدت في الرياض، ودرست في مدارس الجيل، في حي السويدي هناك. وأكملت دراستي الجامعية في مصر، وتخرجت من قسم الإعلامquot;.
بالنسبة لي كانت معلومة مثيرة أن يكتشف منصور حسه الثوري في الرياض، وهي عاصمة محافظة، لا تحب سير المسافات الطويلة، ولا ألعاب السيرك الخطرة، ومن ثم يطير به إلى القاهرة، مدينة النور والنار، فيصبح فعل تأثير، وتثوير، وتغيير.

سألته:quot; ماذا رأيت في الرياض، ما الذي تتذكره من مشاهد؟quot;
أجابني بالابتسامة ذاتها: quot;أتذكر المظاهرة التي دعا إليها المعارض السعودي سعد الفقيه العام 2004، وخرجت إلى الشوارع بحثًا عنها لكنني لم أجد أي متظاهر. اهتممت بالكثير من الأمور هناك واحتكيت بعدد من الناشطين مثل الهاشمي والمالكي والقديمي، وعلمت أن بعضهم معتقل الآنquot;.
ولم يكن هذا الأمر وحده المثير في قصة عبد الرحمن منصور، لكن الأكثر إثارة هو أنه عمل ثلاثةأشهر على صفحة الثورة من خلال إقامة موقتة في جدة، على ساحل البحر الأحمر.

الزميل سلطان القحطانيمع عبد الرحمن منصور

لاحظ استغرابي من عدم حجب الصفحة في أي دولة عربية، قبل أن تتحول إلى كرة ثلج تكبر، وتدك الحصون، وتدمر القلاع الرئاسية بغير رحمة.
فقال لي بتلك الابتسامة البريئة:quot; صدقني كل الحكومات العربية عقيمة في مجال التكنولوجياquot;.

ثم سألته: quot;كيف بدأت فكرة الصفحة؟quot;
أجابني بتأثر لم يخفِ الابتسامة المهادنة: quot;هزتنا حادثة خالد سعيد. لقد كان شابًا مثلنا وهذا ما لمس قلوبنا من الداخل وأثر فينا. أسسنا الصفحة أنا ووائل من دون أسمائنا، وأصبح لها صوت كبير مع الوقت، لأن الناس المحتقنة اتخذت منها متنفساًquot;.
إذاً مكونات الثورة هي: احتقان، ثم تهور سلطة، أو غرورها، أو فسادها، ثم تحرك هادئ، ثم يأتي الإعصار.
تذكرت ما قرأته عن فكرة الثورة، وكيف أنها تبدأ من علامتين بسيطتين:
quot; الذين كانوا يخشون الكلام، يتحدثون
والذين كانوا لا يخشون الكلام، يفعلونquot;.
وهكذا يتحرك التاريخ !


عدت إليه أسأله عن الثورة، وكيف بدأت فكرتها، خصوصًا وأنه الشخص الذي اقترح أن يكون 25 يناير هو يوم التحرك.
quot; كان دورنا في البداية توعية الناس الجالسين على الكنبة وتنبيههم إلى أن هنالك مشاكل كثيرة، ولا بد من الاحتجاج عليها، وهكذا عملنا فكرة الاحتجاج الصامت، وحددنا مكان التجمع، وطريقته، متوقعين أن ينضم إلينا مئات، فتفاجأنا بانضمام الآلاف لناquot;.
ويضيف: quot;هنا بدأ الناس في التنبه لقوتهم نتيجة لغرور طبقة الحكم، وعدم التفاتهم إلى مشاكل الشعب، واعتقادهم أنهم في موضع قوة، حتى بدأ الناس يتحركون أكثر وأكثر بهدوء في مناطق متفرقة. قبل الثورة كان لدينا 200 ألف مؤيد، وبعدها وصلنا إلى مليونين، وتغيّر كل شيءquot;.
غير أن حملة مشاعل الثورة اختفوا عن المشهد بعد أن حققوا هدفهم.

إقرأ أيضاً
الخليج والإخوان والعمل السري... فاصل ونواصل!
هكذا بدأت الثورة... هكذا سقط الزعيم!
مصر الثورة: باسم الأب... باسم الابن!

يقول:quot; في الحقيقة لم يعد لدينا دور بعد خروج الناس إلى التظاهرات، فقد جاء دور الناس واحتياجاتهم كي يعبروا عنها. نحن لم نهاجم ولم ندعُ إلى تظاهرة 25 يناير إلا عندما تأكدنا بوجود شبكة متعاطفين على الأرضquot;.
وحين قلت له:quot; كيف نجحتم بهذه السهولة؟quot;. قال لي :quot; نحن لسنا عباقرة بلأناس عاديون كان لدينا الذكاء الاجتماعي الذي جعلنا نعرف ما الذي يريده الناس، ولمسنا الوتر، وتغيّر كل شيءquot;.

وماذا عن السجن؟
ضحك وقال لي:quot; نسيت أقول لك بت ثلاث ليالٍ لديهم، وضربوني ضربًا مبرحاًquot;.
واختفت الابتسامة البريئة، وهو يتذكر السجن، ويضحك، ويضحك.