مع اقتراب عملية التصويت في أول إنتخابات رئاسية تعددية تجري في مصر بعد الثورة، بات واضحاً أن خريطة الصراع محصورة بين تيارين إثنين، الأول هو التيار الإسلامي، والآخر هو تيار الفلول أو رموز النظام السابق، وهي الخريطة التي لم تطرأ عليها تغييرات جذرية منذ إسقاط نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير/ شباط 2011، عندما أعلن عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية ترشحه، وهو المحسوب على النظام البائد، وفي المقابل، أعلن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح نائب المرشد العام للإخوان السابق عن نيته الترشح أيضاً، بعد الإستقالة من منصبه في الجماعة.


أبرز المرشحين للرئاسة المصرية عبدالمنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي وعمرو موسى

صبري حسنين من القاهرة: منذ منتصف آذار/مارس 2011، حتى الآن ظهر مرشحون من الجانبين، إلا أن المنافسة الحقيقية صارت محصورة بين الإسلاميين والفلول، ممثلين في أبو الفتوح وموسى، إلى جانب الكثير من المنافسين الأقل حظاً، مثل الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، والدكتور سليم العوا المفكر الإسلامي، والنائب حمدين صباحي زعيم حزب الكرامة الناصري، وخالد علي رئيس مركز الحقوق الإقتصادية والإجتماعية، وأبو العز الحريري رئيس الحزب الإشتراكي، إضافة إلى الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق، والمحسوب على نظام مبارك.

أبو الفتوح أولاً
ووفقاً لأحدث إستطلاعات الرأي، والتي أجراها إئتلاف شباب الثورة في محافظة الشرقية، فإن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يتصدر المشهد الرئاسي، وطرح الإستطلاع أسماء سبعة مرشحين هم: الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والدكتور محمد مرسي، وعمرو موسى، وحمدين صباحي، وأحمد شفيق، وخالد علي، ومحمد سليم العوا. وجاءت النتائج لتصب في مصلحة أبي الفتوح بنسبة 76%، وجاء عمرو موسى في المركز الثاني بـ14%، بينما حصل مرشح الإخوان الرسمي الدكتور محمد مرسي على 7% فقط من الأصوات، بينما حصل الفريق أحمد شفيق على نسبة 3%.

موسى في المقدمة
غير أن إستطلاع رأي آخر أجراه مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أظهر تقدم عمرو موسى على منافسيه، وجاء الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في المركز الثاني، وأجري هذا الإستطلاع في الفترة من 7 إلى 10 نيسان/إبريل الجاري، أي قبل استبعاد المرشحين العشرة، وعلى رأسهم أقوى ثلاثة وهم: خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان، وحازم أبو أسماعيل المرشح السلفي، واللواء عمر سليمان نائب الرئيس السابق.

وأشار الإستطلاع إلى أن 27% من أنصار المهندس خيرت الشاطر، يعتبرون الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل هو البديل المفضل لمرشحهم، يليه عمرو موسى، ثم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، مشيراً إلى أن المرشحين لإنتخابات الرئاسة أحمد شفيق وعمرو موسى هما المستفيدان من خروج عمر سليمان المحتمل من السباق الرئاسي، بنسبة 40.4 % و27.4 % لكل منهما على الترتيب. فيما أظهر جانب آخر من الإستطلاع أن الناخبين يميلون إلى عمرو موسى كإختيار أول، بينما جاء أبو الفتوح كخيار ثانٍ.

إسلاميون وفلول
أفاد القائمون على الإستطلاع أنه أجري بأسلوب المقابلة الشخصية على عينة قومية ممثلة لكل محافظات الجمهورية باستثناء محافظات الحدود، وتم تصنيف المرشحين المتنافسين إلى مجموعات إيديولوجية ثلاث، تضم الأولى منها المرشحين ممن شغلوا مناصب رسمية في ظل النظام السابق، بينما تضم المجموعة الثانية المرشحين الإسلاميين، فيما تضم الثالثة المرشحين الاشتراكيين والليبراليين.

وأكدوا أن التغييرات في اتجاهات المصريين، تحدث غالبًا في داخل الكتلة الأيديولوجية الواحدة، فينتقلون من تأييد هذا المرشح أو ذاك في داخل الكتلة نفسها، بينما لا يوجد أي تحرك مهم للناخبين عبر الكتل الأيديولوجية المتنافسة. ونبهت نتائج الاستطلاع إلى أن التنافس الحقيقي في هذه الانتخابات إنما يجري بين المرشحين الآتين من النظام السابق والمرشحين الإسلاميين، بينما تبدو حظوظ المرشحين الليبراليين والاشتراكيين محدودة جداً.

حظوظ وافرة
جاءت توقعات وتحليلات الخبراء والسياسيين لخريطة الإنتخابات الرئاسية متناغمة إلى حد بعيد مع نتائج الإستطلاعات. وقال الدكتور مصطفى اللباد رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والسياسية إن خريطة المرشحين للإنتخابات الرئاسية باتت واضحة المعالم الآن، لاسيما بعد إستبعاد مجموعة من المرشحين ذوي الحظوظ والكتل التصويتية.

وأضاف اللباد لـquot;إيلافquot; أن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يحظى بتأييد قطاع عريض من شباب الثورة والتيار الليبرالي، إضافة إلى شباب جماعة الإخوان المسلمين، مشيراً إلى أن تقديم التيار الإسلامي أكثر من مرشح إلى جانب أبي الفتوح، وخاصة محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة والدكتور سليم العوا، يساهم في تفتيت الأصوات، مما يساهم بالتبعية في صعود أسهم المرشح عمرو موسى، الذي يمثل النظام السابق.

لافتاً إلى أن هناك كتلة إسلامية ضخمة تصل قوتها إلى نحو 10 ملايين صوت، قد تذهب إلى المرشح عمرو موسى، معتبراً أن الصوفيين كانوا لا يرحّبون بالمرشح السلفي حازم أبو أسماعيل، ولا يرحّبون بمرشحي الإخوان، وهم يرون أن أبا الفتوح يمثل الإخوان رغم إستقالته من الجماعة، وترشحه للإنتخابات مستقلاً، إلا أن ذلك قد لا يبدد مخاوفهم.

ثلاثة وجوه
ويرى شريف صادق عضو إئتلاف الثورة، أنه للأسف الشديد فإن فرص عمرو موسى في المنافسة كبيرة. وقال لـquot;إيلافquot; إن المنافسة محصورة بين ثلاثة وجوه أساسية هي: عمرو موسى، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وحمدين صباحي، مشيراً إلى أن شباب الثورة سوف يقفون بقوة ضد عمرو موسى، لأن فوزه بالرئاسة يعني إعادة إنتاج نظام مبارك مرة أخرى.

وأوضح أن شباب الثورة سوف ينظمون حملات لنشر فضائحه في عهد النظام السابق عندما كان وزيراً للخارجية وأثناء توليه منصب الأمين العام للجامعة العربية.

أحمد شفيق

ولم يخف صادق أن موسى يتمتع بشعبية واسعة في أوساط الأقباط، الذين يتخوفون من وصول أي شخصية إسلامية إلى كرسي الرئاسة، مشيراً إلى أن غالبية هذه الكتلة سوف تذهب للتصويت لمصلحته نكاية في المرشحين الإسلاميين، لاسيما في ظل عدم وجود مرشح ليبرالي أو ثوري قوي، بإستثناء حمدين صباحي، لكنه لا يتمتع بقوة في الدعاية الإنتخابية، مما يقلل من فرصه في الفوز بالمنصب الرفيع.

وفي ما يخص مرشح الإخوان محمد مرسى، قال صادق إنه لا يتمتع بأية شعبية، وهو وجه غير معروف للمصريين، وليست لديه كاريزما، إضافة إلى أن الإخوان كجماعة سياسية ودينية فقدت الكثير من مصداقيتها لدى الشارع المصري، مما يعني أن فرصه ضئيلة جداً.

إنقسام قبطي
وحسب وجهة نظر الدكتور كمال زاخر المفكر القبطي، فإن الأقباط ليسوا كتلة تصويتية واحدة، بل لديهم إنتماءات سياسية مختلفة، مشيراً إلى أن الزعم بأن الأقباط سوف يصوّتون لمصلحة عمرو موسى أو مرشح من الفلول في غير محله.

وقال لـquot;إيلافquot; إن الأقباط شاركوا في الثورة بكل قوة، ويرفضون إعادة إنتاج النظام السابق، لافتاً إلى أنهم كانوا يتخوفون من المرشحين السلفيين، ومرشحي الإخوان، لكنّ قطاعًا عريضًا منهم يؤمن بأن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح مرشح معتدل، ويمثل الثورة والليبرالية، إضافة إلى تمثيله للإسلاميين.

ولفت إلى أن أبا الفتوح يتمتع بخبرة واسعة في العمل العام، لاسيما أنه عضو في اتحاد الأطباء العرب. ويحذر زاخر من أن عدم إتحاد المرشحين الثوريين، سواء حمدين صباحي أو عبد المنعم أبو الفتوح أو خالد علي أو أبو العز الحريري، قد يكون في مصلحة مرشح من النظام السابق.

معركة شرسة
ويتوقع الناشط السياسي جورج إسحاق أن تكون معركة الإنتخابات الرئاسية شرسة. وقال لـquot;إيلافquot; إن المعركة تتنافس فيها 3 قوى هي:الإسلاميون، والليبراليون، والفلول، مشيراً إلى أن المعركة ستكون محصورة بين ثلاث شخصيات تمثل هذه القوى، وهم: عبد المنعم أبو الفتوح ممثلاً للإسلاميين، وحمدين صباحى ممثلاً لليبراليين، وعمرو موسى ممثلاً للفلول.

وأوضح أن أصوات أنصار المرشح حازم أبو أسماعيل لن تخرج بعيداً عن كتلة الإسلاميين، مرجّحاً أن تذهب غالبيتها إلى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وليس إلى الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان. ولفت إلى أن هناك مساعي من أقطاب التيار الليبرالي للإتفاق على مرشح واحد يكون قادراً على منافسة الإسلاميين والفلول.