عرفت الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية في الجزائر، عزوفا من طرف الجزائريين. وحسب آراء رصدتها (إيلاف)، أجمع متابعون على أن ضعف الخطاب السياسي للأحزاب، و تفاقم الأزمة الاجتماعية، إلى جانب دور السلطة في تهميش أحزاب المعارضة دفعت بالجزائريين إلى الزهد في متابعة فصول الحملة الانتخابية.

تجاهل غالبية الجزائريين للحملة الانتخابية مؤشر لضعف المشاركة في انتخابات العاشر من مايو

الجزائر: يأتي عزوف الجزائريين عن الاهتمام بالانتخابات التشريعية التي ستعقد في العاشر من مايو الجاري، رغم تناسق خطاب السلطة والمعارضة في اتجاه التأكيد على أهمية هذا الموعد من خلال التأكيد على أهمية الاقتراع المقبل واعتباره فرصة quot;للتغييرquot; وquot;ربيعا على الطريقة الجزائريةquot;، في ظل الظروف التي يمر بها العالم العربي.

بل وشبهت موعد العاشر من مايو المقبل بأول نوفمبر تاريخ انطلاق ثورة التحرير، لكن رغم هذا فإن كل المؤشرات تتجه نحو تسجيل نسبة امتناع غير مسبوقة وهو ما يثير مخاوف كبيرة لدى السلطة.

انغلاق إعلامي وسياسيّ

في تحليله لأسباب فتور الحملة الانتخابية، يشير محمد صديقي رئيس اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات إلى أن أسباب ذلك الفتور يعود بالدرجة الأولى إلى quot;الانغلاق الإعلامي والسياسي الذي مارسته السلطة خلال السنوات الماضيةquot;، وهو الأمر الذي تسبب حسب رأيه في quot;عزوف الجزائري عن متابعة الشأن السياسيquot;.

فالتلفزة العمومية يقول صديقي quot;أصابت المواطن الجزائري بالملل من خطاب سياسي موجه لأحزاب السلطة، والأوضاع الاجتماعية للفرد الجزائري الذي يعاني مشاكل عويصة في مسألة العمل والسكن والعلاج وغيرها، ألقت بظلالها على يوميات الجزائريين لذلك زهدوا عن متابعة الحملةquot;.

يشاطره الرأي المحامي ومتصدر قائمة حزب العدالة و التنمية في العاصمة عمر خبابة، إذ حمّل مسؤولية العزوف إلى السلطة التي قامت حسب رأيه بquot;إغلاق المجال السياسي والإعلامي لسنوات طويلة، بعد ذلك قامت بالإفراج عن مجموعة كبيرة من الأحزاب دفعة واحدة عشية الانتخابات التشريعية، ما جعلها تبدو بأنها أحزاب دون برامج وفق منطق يخدم أجندة تسعى إلى إغراق الساحة السياسية بأحزاب مجهرية لا تقدم ولا تؤخر شيئاquot;.

أحزاب غير ناضجة

الدكتور محمد برقوق رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية والأمنية، أشار إلى أن quot;مسألة فتور الحملة الانتخابية لا تتعلق بقضية الضمانات الممنوحة لنزاهة الاقتراع بقدر ما تتعلق بالنضج الديمقراطي للقوائم الحزبيةquot;، مشددا في الوقت ذاته على أهمية هذا الموعد بالنظر إلى الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية ودول الساحلquot;.

يرى رئيس مركز دراسات quot;أمل الأمةquot; الدكتور إسماعيل حريتي أن quot;الأحزاب المتنافسة تعتمد مقاربات متناقضة من خلال عدم تقديم برامج بديلة، وفي الوقت نفسه تدعو إلى ضرورة المشاركة في الانتخابات وتتحدث عن آثار سلبية للمقاطعةquot;.

هذا الخطاب السياسي يكرس حسب الدكتور حريتي quot;قناعة لدى المواطنين مفادها أن الانتخابات المقبلة لن تغير الأوضاع لذلك فهي لا تهمهم خاصة فئة الشباب، ويعتبرونها مجرد quot;كذب ونفاقquot;.

وشــــدد الدكتـــور حريتي على أن quot;المقاطعة هي بمثابة ربيع عربي على الطريقة الجزائريةquot;.

برامج مفارقة للواقع

وإذ يعتقد الدكتور حريتي ان ضعف البرامج السياسية كان السبب في عزوف المواطنين عن متابعة الحملة، فإن المحلل الاقتصادي الدكتور بشير مصيطفى يذهب في اتجاه معاكس ومغاير حينما اعتقد انquot; ضعف البرامج الانتخابية سببه عدم اهتمام الشعب بالفعل الانتخابي وليس العكسquot;.

واضاف: quot;الشعب الجزائري لا يؤمن بالسياسة لذلك فهو زاهد عن متابعة الحملة، وعليه فإن الأحزاب لم تكلف نفسها عناء إعداد برامج انتخابيةquot;.

وبما أن المطالب الاجتماعية تأتي في صدارة اهتمام المواطن الجزائري، يشير الدكتور مصيطفى إلى أن quot;الكثير من الأحزاب خاصة الجديدة منها لا تمتلك برامج اقتصادية مبنية على دراسات استراتيجية معمقة، واغلب البرامج الموجودة عبارة عن خطابات عامة، بعيدة كل البعد عن الواقع الاقتصادي الحقيقي للجزائر، وهدفها الوحيد استقطاب الناخبين فقط quot;.

استغرب المحلل الاقتصادي في الوقت نفسه quot;أن تقدم ثلاثة أحزاب ما يقارب الألف فكرة في حين نجد أن مرشح الانتخابات الرئاسية في فرنسا فرنسوا هولاند يتفوق على منافسه ساركوزي بفكرة واحدة فقط، تتعلق بتأسيس الهيئة الاقتصادية الفرنكوفونيةquot;.

و ذكر في السياق ذاته أن quot;الأحزاب السياسية تقدمت بجملة من المقترحات مستحيلة التحقيق، من ذلك إنشاء ما بين 7 إلى 10 ملايين مؤسسة مصغرة بحلول سنة 2020، وهذا المقترح يــدل على الجهــل وغياب الواقعية، لأن هذا العدد الهائل من المؤسسات يحتاج إلى توفر نحو 70 مليون عامل، في حين ان عدد سكـــان الجزائر في هــذه السنة سوف لن يتجاوز 40 مليون نسمةquot;.

ضعف المشاركة ... نتيجة حتميّة

من جانبه، عبر رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان المحامي فاروق قسنطيني عن مخاوفه من ضعف المشاركة الانتخابية.

هذا التخوف جاءا بناء على ضعف وفتور الحملة الانتخابية التي قال عنها إنها quot;لا ترقى إلى المستوى المطلوبquot;.

يشعر الناشط الحقوقي بأن المواطن الجزائري لا تستهويه تجمعات الأحزاب السياسية، بل وكأن الحملة الانتخابية لا تعنيه تماماquot;.

ويقول: quot;راهن الوضع الاجتماعي للجزائريين لا يشجع على الانتخاب، فعندما يتجاوز سعر البطاطا سقف 100 دينار، لا يمكن إقناع مواطن لا يتجاوز دخله الشهري 15 ألف دينار بضرورة الانتخاب، اعتقد أن الظروف الحالية غير لائقةquot;.

يتفق قسنطيني مع بقية المتدخلين على أن ضعف الخطاب السياسي وعدم قدرة الأحزاب السياسية على تعبئة وإقناع المواطنين أحد مسببات العزوف.

وشدد بالمناسبة على أن كثرة الأحزاب السياسية لا يعتبر حلا، فظهور قادة سياسيين يتحدثون بلغة وأفكار مختلفة، وتدخلاتهم في وسائل الإعلام ليست في المستوى المطلوب، ولا تحمل خصائص ترغّب وتشجّع الجزائريين على التوجه إلى صناديق الاقتراعquot;.

غياب المصداقية

مسألة غياب الثقة بين الحاكم و المحكوم هي أحد مسببات العزوف حسب رأي رئيس رابطة حقوق الإنسان الأستاذ بوجمعة غشير، الذي يعاتب النظام على عدم اهتمامه بمسألة رأب الصدع بينه وبين المحكومين. وذلك رغم تنبيهات جهات عددية من خلال إبلاغ هيئة المشاورات بأن مسالة إعادة الثقة للمواطن في دولته هي مسألة جوهريةquot;.

واستغرب الأستاذ بوجمعة إسناد عملية التغيير إلى مؤسسات وهيئات تفتقد حسب رأيه إلى المصداقية ويقصد بذلك quot;الإدارة وهيئة القضاءquot;، وهي مؤسسات اعتبرها الناشط الحقوقي مصدر المشاكل التي يعانيها المواطن، و اعتبر منحهما عملية إنجاز التغيير بمثابة quot;خطأ استراتيجيquot;.

أداء إعلامي ..كارثيّ

الأستاذ في قسم الإعلام في جامعة الجزائر الدكتور محمد لعقاب حمل المسؤولية إلى السلطة لعدم إشعارها المواطن الجزائري بمدى أهمية الانتخابات المقبلة، وبأنها مرحلة مصيرية، من خلال السماح بظهور نخبة سياسية quot;كارثية ودون المستوىquot;، ويتضح ذلك من خلال المداخلات التي تناقلتها مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وهي مداخلات فارغة لا تحمل فكرا ولا مضموناquot;.

وعن غياب صور المترشحين على اللوحات الاشهارية، يرى الدكتور عقاب أن ذلك عبارة عن امتداد للوضع العام الذي تعرفه الحملة الانتخابية في ظل رفض الشعب لخطاب المترشحين، وهو ما يفسّر التعامل السلبي الذي أبداه المجتمع حيال الصور القليلة التي ألصقت سواء بالتمزيق أو كتابة عبارات الرفض للمترشحينquot;.

وعن تأثير عزوف المواطنين عن الحملة، على نسبة الاقتراع قال لعقابquot; أتوقع ألا تتعدى نسبة المشاركة 15 بالمائة على أقصى تقدير في ظل هذا الوضعquot;.