بعد إخفاق الرئيس الفلسطيني محمود عباس في إجراء الانتخابات التشريعية، التي كانت مقررة يوم أول أمس الجمعة، بدأت تتزايد مشاعر إحباط الفلسطينيين تجاه القيادة، وها هي بدأت تصل الآن إلى مستويات خطرة.


رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس

أشرف أبوجلالة من القاهرة: كان يؤمل أن تجري الانتخابات التشريعية الفلسطينية على أمل تحقيق إستراتيجية حكومية، ترمي إلى إنهاء سنوات من الانقسام السياسي المُنهِك، وإنشاء منصة كبرى لتحدي الاحتلال الإسرائيلي.

لكن بدلاً من الذهاب إلى صناديق الاقتراع، كما وُعِدوا يوم أمس، ظل الفلسطينيون في منازلهم، بعدما لم يلتزم القادة المتشاحنين في اتفاق المصالحة، والذين ساهمت مشاجراتهم في توليد شعور خطر على نحو متزايد بالضيق في غزة والضفة الغربية.

في هذا الصدد، أشارت صحيفة التلغراف البريطانية إلى أن كثيرًا من المواطنين الفلسطينيين العاديين يعتبرون الإخفاق في إجراء الانتخابات تتويجاً لعام محِبط للغاية، كان يرفع فيه الساسة سقف التوقعات بشكل كبير، ليحطموها بعد ذلك بشكل متكرر.

ولفتت الصحيفة في هذا السياق إلى حشود الفلسطينيين الذين تجمعوا في وسط رام الله خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي للاحتفال بتقديم طلب رسمي للاعتراف بفلسطين كدولة أمام الأمم المتحدة. وتم التعامل مع هذا الطلب باعتباره لحظة تحدّ مجيدة، على الرغم من استمرار رفض إسرائيل وقف بناء المستوطنات على أراضي الفلسطينيين.

رأت الصحيفة أن من بين الأمور المهمة التي شهدتها الساحة الفلسطينية خلال الفترة الماضية هو اتفاق حركتي فتح وحماس على إنهاء خلافاتهما وإبرام تصالح بينهما. واعتبرت الصحيفة أن الشقاق الذي كان قائماً بين الحركتين كان بمثابة الندبة في الوعي الفلسطيني، خاصة وأن كثيرين من كلا الجانبين يدركون أن انقسامهم لن يفلح في مواجهة إسرائيل أو يمهّد لإمكانية تأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة.

وأظهرت استطلاعات رأي أن التصالح بين فتح وحماس هو الموضوع الأكثر أهمية بالنسبة إلى معظم الفلسطينيين، ويتفوق في أهميته كذلك على محادثات السلام مع إسرائيل وأوجه الظلم الكثيرة للاحتلال. ومن خلال تقديم التقارب بين الفصيلين، الذي كان من المفترض أن يصل إلى غايته في انتخابات يوم أمس الجمعة، بدا أن عباس قد نجح أخيراً في إقناع شعبه بأنه يمتلك خطة كبرى سيمكنه من خلالها تحقيق طموحاتهم.

بدلاً من ذلك، تعثرت كلتا المبادرتين. وفي ظل الدعم الدولي الصامت الذي يواجهه والعداء الصريح الذي يقابله من الأمم المتحدة وإسرائيل، أشار مراقبون إلى أن عباس قد قرر إرجاء الطلب الخاص بالدولة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة، وبات من غير الوارد أن يتخذ أية إجراءات إلا بعد انتخابات الرئاسة الأميركية المقررة في نهاية العام الجاري.

ثم مضت الصحيفة تنوه بتوقف المصالحة السياسية بين فتح وحماس أيضاً، بعد إخفاق كليهما في التوصل إلى اتفاق بشأن الطريقة التي يمكنهما من خلالها تقاسم السلطة في حكومة مؤقتة أو دمج قوات الأمن التابعة لكل منهما. وأعقبت الصحيفة بقولها إن مشاعر خيبة الأمل بدأت تتزايد لدى الفلسطينيين بعد مرور يوم أمس من دون انتخابات.

وأضافت الصحيفة أن هذا الإحباط الذي جاء ليغلف حياة الفلسطينيين، نتيجة لكثير من المتغيرات الداخلية والخارجية، قد تفاقم لتزامنه مع موجة الربيع العربي، التي جعلت كثير من الفلسطينيين يشعرون بأنهم يقفون وراء المد الديمقراطي الذي يغمر المنطقة.

وقال جورج غياكامان، وهو واحد من أبرز المحللين السياسيين المتخصصين بالشأن الفلسطيني: quot;مشاعر السخط موجودة هناك، والسلطات في قطاع غزة والضفة الغربية على دراية بها، لكن رد فعلها اقتصر على انتهاج أساليب القمعquot;. ونتيجة لتخوفه من السوابق التي فرضتها موجة الربيع العربي في المنطقة، اُتهِم عباس بأنه يتجاوب مع إحباطات المواطنين بلجوئه إلى الأسلوب الاستبدادي على نحو متزايد.

بحسب شبكة الحق الفلسطينية المعنية بحقوق الإنسان، فقد تم اعتقال تسعة مدوّنين وصحافيين على مدار الأسابيع الستة الماضية، وتم إيداعهم في السجن بتهم إهانة موظفين عموميين، غالباً الرئيس عباس نفسه. وفي إشارة أخرى دالة على قمع الحريات الصحافية، تم إغلاق تسعة مواقع إخبارية تدعم أحد خصوم عباس في حركة فتح في الضفة الغربية بناءً على أوامر من النائب العام في السلطة الفلسطينية.

وهي السياسة التي تسببت في حدوث حالة من القلق بين الساسة الأكثر تقدمية في الضفة الغربية. وفي بيان لها، قالت الفلسطينية المخضرمة حنان عشراوي quot;يجب على فلسطين أن لا تدعم الرقابة، سواء على الإنترنت أو في أشكال الاتصال الأخرى. فإغلاق مواقع إخبارية فلسطينية واتخاذ تدابير أخرى تحول دون الوصول إلى المعلومات، وتقيّد حرية التعبير أمر يتعارض تماماً مع المبادئ المنصوص عليها في القانون الأساسيquot;.