رجب طيب اردوغان

إعجاب العالم العربي بتركيا ورئيس وزرائها بدأ بقمة دافوس ووصل إلى أوجه مع سفينة مرمرة الزرقاء، وإستمر حتى العام الماضي بالإرتفاع.


اسطنبول: إستقبل مئات الآلاف من المرحبين في العواصم العربية بتونس والقاهرة وطرابلس رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان كبطل لدى زيارته للدول العربية التي عاشت الربيع العربي بعد ثوراتها، حاملين لافتات تُظهر أردوغان وكأنه منقذ.

هل من الممكن أن نقول بأن تركيا استحقت الاهتمام الذي يبديه العالم العربي نحوها؟ هل حققت تركيا بالفعل انجازات لا مثيل لها في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ؟ هل تركيا بالفعل كما يراها العرب جنة الديموقراطية؟ ما هو وضع تركيا في مسألة حقوق الإنسان؟ هل هناك أي تطور في مسألة التعذيب ومدة الحجز على ذمة التحقيق؟ وقبل كل شيء، هل تركيا بالفعل في وضع يسمح لها بأن تكون نموذجاً للدول الأخرى؟ هل نظرة العرب تعتمد على أساسات متينة أم أنه نظرة عاطفية؟

عندما ننظر إلى وضع تركيا من الداخل نرى أنه لا تزال هناك صعوبات في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان، فقد صرح منبر التضامن مع الصحافيين المعتقلين في بيان له بتاريخ 29 يناير من العام الجاري أن صحافياً من الإعلام الكردي تم إعتقاله، ليرتفع بذلك عدد الصحافيين المعتقلين إلى 150 معتقلا، ورغم أن حزب العدالة والتنمية يفيد بأن هؤلاء الصحافيين لم يتم إعتقالهم بسبب وظائفهم بل لتهم أخرى، إلا أن منظمات حقوق الإنسان لها وجهة نظر أخرى.

يعتقد أرغون يلدرم ، الأستاذ في جامعة يلدز وأحد أهم المفكرين في تركيا أنه مع قدوم حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عاشت تركيا تغيراً كبيراً في قوتها العاملة ونشاطها الإقتصادي وحملاتها للديموقراطية، مما جعلها دولة ذات جاذبية على مستوى المنطقة، وبالنسبة لأرغون فمن الصعب على الدول العربية أن تستمر في تطبيق الوضع القديم والمبادئ والنماذج الإقتصادية القديمة لما بعد القرن العثماني، لأنهم يعيشون بسبب ذلك أزمات إجتماعية وإقتصادية وسياسية عميقة، كما أن تقنية العولمة وخطاباتها حقيقة لا يمكن إنكارها وقد خلقت لدى العرب إجبارية تغيير كيانهم، وهذا هو السبب الرئيسي للربيع العربي، ولتفادي الأزمات المعنية وإستيعاب حقيقة العولمة من جديد فإن هناك نظرة إعجاب تجاه تركيا.

أما استاذ خيري قرباش أوغلو استاذ في العلم الحديث بحامعة قطر حاليا فيقول بأن نظرة العرب تجاه تركيا بشكل عام ايجابية بل وعاطفية الى وقت قريب ولكن الوضع بدأ يتغير بعض الشيء في الأيام الأخيرة لسببين رئيسيين هما: تأثير المسلسلات التركية المدبلجة على المجتمعات العربية الى درجة
أن تؤدي الى انتشار ظاهرة الطلاق بسبب هذه المسلسلات و خاصة التي تشكل تحديا وتهديدا للقيم الأخلاقية و الاسلامية.

ويؤكد قرباش أوغلو أن موقف تركيا المتردد والمتغير في قضية احتلال ليبيا وفي الشأن السوري وهذا التحول أيضا أدى الى زعزعة ثقة بعض العرب بتركيا، وباختصار كانت المواقف العربية رومانسية في البداية وذلك قبل فترة وجيزة ثم تحولت الى العاطفية ثُم الى الايجابية والآن هناك مؤشرات لتحول من الايجابي الى السلبي.

ويستطرد الاستاذ قائلا أن ما تقوم تركيا بدعوى القدوة أو النموذجية لسائر الدول الاسلامية فأنه خطير جدا لفشل مثل هذه المقاربات والمحاولات فيما يتعلق بالمجتمعات التي تتحدث باللغة التركية في وسط آسيا كما حصل في عهد الرئيس الراحل طورغوت أوزال ثم دعوى القيادة أو النموذجية قد تؤدي الى خصومات ومواقف معارضة من بعض الدول العربية أو الفارسية تخوفا منهم على انتشار القومية التركية و انتشار المعسكر السني مقابل المعسكر الشيعي أو غير ذلك من الاتجاهات

هذه هي وجهات نظر المفكرين الأتراك، وسنرى ما إذا كان نموذج تركيا سيلعب دوراً بناءاً في توجه العالم العربي نحو الديموقراطية، أم أن العالم العربي سيقوم بإستبعاد ذاك النموذج وخلق بديل جديد، ويجب ألا ننسى أن هناك حل ثالث كما أشار إليه الأستاذ الجامعي أرغون يلدرم وهو تطوير فكر مشترك ضمن حوار متقابل في المنطقة للتخلي عن الفكرة العاطفية في أن تركيا حديقة زهور بلا شوك ويتم بذلك الإتجاه نحو تقديم حلول واقعية لمنطقة الشرق الأوسط.