راودت مسيحيي مصر الأقباط آمال بأن انتفاضة 2011 التي أسقطت نظام الرئيس حسني مبارك المتسلط ستمنحهم حقوقًا متساوية. لكنّ رياح الوضع الإسلامي بعد الثورة لم تجرِ كما كان الأقباط يشتهون. ويشير مراقبون إلى وقوعهم منذ سقوط مبارك ضحية تهديدات وأعمال عنف، ومخاوف تسود بينهم من صعود الإسلام السياسي.


متظاهرة مصرية تدعو في يافطة تحملها إلى عدم اضطهاد العائلات المسيحية في بلادها

إعداد عبد الإله مجيد: مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 23 أيار/مايو، التي ستكون انتخابات تاريخية، يخشى المسيحيون المصريون أن يحوّل الرئيس المقبل مصر إلى دولة إسلامية محافظة، لا مكان فيها لطائفتهم، المؤلفة من 8.5 ملايين مسيحي على الأقل.

وكان الأقباط يشكون في عهد مبارك من معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية وأن عليهم أخذ موافقات وتصاريح رسمية لبناء الكنائس، كما كانوا يتعرّضون لجرائم كراهية لا يُعاقب مرتكبوها. والآن إذ يُختزَل السباق الرئاسي في خيار بين مرشحين إسلاميين وآخرين من رموز النظام السابق، فإن غالبية المسيحيين المصريين تلتف حول هؤلاء الأخيرين رغم معاناتهم السابقة على أيديهم.

يدعم بعض المسيحيين الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، الذي تولى حقيبة الخارجية في عهد مبارك، ويدعو الآن إلى الفصل بين الدين والدولة. ويؤيد مسيحيون آخرون مرشحاً آخر من أركان النظام السابق، هو أحمد شفيق، الذي يرفضه الثوار بوصفه تجسيدًا للفساد والاضطهاد في عهد مبارك.

إلى جانب الاعتداءات على الكنائس، فإن المسيحيين يتعرّضون إلى أعمال عدوانية بثت الخوف في صفوفهم. ويُتهم السلفيون بقطع أذن مسيحي للاشتباه في تأجير شقته إلى بائعات هوى. وهُجّر أقباط في الأسكندرية إثر شائعة عن علاقة حب بين مسيحي ومسلمة.

كما واجه المسيحيون مشاكل مع العسكر. وفي العام الماضي انقضت قوات الجيش على احتجاج سلمي نظمه مسيحيون، حيث سارت عربات الجيش فوق متظاهرين، فيما دعا مذيعو القنوات التلفزيونية الرسمية المصريين quot;الشرفاءquot; إلى حماية الجيش. ورغم ذلك يخشى بعض الأقباط من مجيء حكم إسلامي، يقيّد حقوقهم، حتى أنهم يراهنون على تدخل العسكر لمنع وصول إسلامي إلى الرئاسة.

وفي إمبابة، حيث تتجمع أكوام النفايات على امتداد طرق غير معبدة ويلهو الأطفال في ساحة ألعابها، قال القبطي جورج جمال إنه يتمنى أن يفوز شفيق بالرئاسة. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن جمال (50 عامًا)، الذي يملك متجرًا، إنه quot;إذا اختلط الدين بالسياسة سيُدمّر البلد، وستُقام إمارة إسلاميةquot;.

لم تفلح وعود المرشحين الإسلاميين بعدم فرض نسخة تمييزية من الإسلام في طمأنة جورج جمال، الذي كان أهل الحي يتوقفون لشراء البيض والعصائر من متجره، فيما هو يخوض نقاشًا سياسيًا مع وليد فواز، الذي يملك عربة يجرّها بنفسه لنقل الزبائن. وقال فواز إنه من الضروري أن يعرف الناس quot;أن مجيء رئيس إسلامي سيؤدي إلى حرب أهلية، فهذا هو بلدي أيضًاquot;.

وفي مكاتب صحيفة quot;وطنيquot; المسيحية الأسبوعية، قال رئيس التحرير يوسف سيدهم إن عزلة المسيحيين خلال العقود الأخيرة زادت الاحتقان الطائفي تفاقمًا، واستعرض منع المسيحيين من الانتساب إلى جهاز أمن الرئيس الإداري، ودورهم الضئيل في مؤسسات الدولة المهمة الأخرى وتهميشهم في مراكز صنع القرار. فالبرلمان الجديد، المؤلف من 508 مقاعد، يضم سبعة نواب مسيحيين أقباط فقط، رغم أنهم يشكلون 10 في المئة من سكان مصر. وقال سيدهم إن المسيحيين بعد عقود من السياسات التمييزية انكفأوا إلى كنائسهم ومنتدياتهم.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن سيدهم quot;أن الكنيسة نفسها قامت بدور في الإبقاء على هذا الوضع المريضquot; بدلاً من العمل على زيادة الاندماج وحل مشاكل التمييزquot;.

في كانون الثاني/يناير بدا أن ستارًا أُسدل على التمييز. إذ شارك المسيحيون في الاحتجاجات المناوئة للنظام، وارتدى مسيحيون ومسلمون الصليب والهلال متشابكين حول أعناقهم، وسادت ميدان التحرير أجواء من الوحدة. وقال سيدهم إن الأقباط توافدوا بحماسة على ميدان التحرير وسائر الميادين الرئيسة في أيام الثورة على مبارك، quot;ولكن لم يتصور أحد قط عودة الإسلام السياسي بهذه القوة والعنفquot;.

وفي حين أن المصريين كانوا يتوقعون أن يحقق الإخوان المسلمون حسنو التنظيم نتائج طيبة في الانتخابات فإن كثيرين صُدموا بأداء السلفيين الذين حصلوا على 25 في المئة من المقاعد.

وقال سيدهم إنه يأمل بأن يدفع الإسلاميون ثمن سجلهم في الانتخابات الرئاسية، مشيرًا إلى أن الإخوان المسلمين فقدوا كثيرًا من الشعبية بتراجعهم عن الوعد بعدم الترشيح للرئاسة، وعجزهم حتى الآن عن التقدم بحلول ناجعة لمشاكل البطالة والجريمة. وطرح السلفيون من جهتهم فكرة فرض الحجاب، ودعا أحد نوابهم إلى منع تعليم الانكليزية في المدارس.

يقول بعض المسيحيين إنهم سيقبلون بالعيش في ظل رئاسة المرشح عبد المنعم أبو الفتوح، الذي يعتبر إسلاميًا أكثر اعتدالاً من مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي. وقال أبو الفتوح إنه سيدعم تشريع قانون يشترط صدور ترخيص رسمي لبناء الكنائس أو المساجد على السواء، ودعا أيضًا إلى السماح للمسيحيين والنساء بالترشح للرئاسة. ولكن عندما رمى السلفيون ثقلهم وراء أبو الفتوح، سحب الكثير من المسيحيين دعمهم له.

وما زال المسيحي عامر دوس حائرًا بشأن المرشح الرئاسي الذي سيمنحه صوته. وكان دوس شارك في احتجاجات ميدان التحرير في العام الماضي مع زوجته، وهو ينظر الآن إلى المرشحين الـ13 بخيبة مريرة، ويصارع حيرته معهم كل يوم.

ففي بعض الأيام يقرر دوس أن ينتخب موسى، رغم أنه لا يمثل التغيير الثوري. وقال دوس لصحيفة واشنطن بوست إن موسى تعهد بألا يبقى أكثر من دورة واحدة إذا انتُخب، مراهنًا على أن السنوات الأربع ستمنح الليبراليين المتخبطين مهلة لتنظيم قواهم. وفي أيام أخرى يقول إنه سينتخب أبو الفتوح، الذي يعتقد دوس أنه سيحمي حقوق الأقليات وأهداف الثورة. وفي أيام يفكر في الرحيل عن مصر نهائيًا إذا ازدادت توجهاتها المحافظة إسلاميًا.

وقال دوس، الذي ينتمي إلى طبقة الميسورين، إن ما يخيفه هو أن تصبح مصر إيران أخرى، مضيفًا quot;نحن كمتعلمين خرجنا مع الثورة ودعمناها، وهي التي وعدت الفرقاء بتحسين أوضاعهم. وأنا أملك الوسائل للهجرة، ولكنني سأترك هؤلاء الغلابة ورائي وأطعنهم في ظهرهمquot;.