لم يعد العنف المدرسي في العراق أحادي الجانب، وهو العنف التقليدي، أي تعامل المدرّس بخشونة مع تلاميذهوأحيانًا ضربهم، بل أصبح عنفًا عكسيًا أيضًا، وهو اعتداء التلميذ على التربويين، سواء كان ذلك في المدارس الابتدائية او الثانوية مثلما يحصل في الجامعات والمعاهد، ليفصح عن ثقافة عنفية جديدة تتجسد في اشكال من العنف المادي والألفاظ البذيئة بين التلاميذ وبين المعلمين وفي ما بينهم ايضًا، وتبادل الكلمات النابية والسلوكيات القاسية، لتنذر بعواقب وخيمة في الاجواء التربوية التي يراد لها أن تكون صحية وخالية من اثار العنف الذي ترك بصماته في الكثير من زوايا المجتمع.


ظهر العنف المدرسي في الآونة الأخيرة بشكل لافت في مدن عراقية عدة، لكن قاسم الزبيدي - مدير مدرسة - في بابل (100 كم جنوب بغداد) يؤكد أن هذا العنف كان موجوداًفي الماضي لكنه انتشر بسبب وسائل الاعلام والميديا التي غالبًا ما تضخم الحوادث والأخبار.

غير أن الزبيدي يعترف بأن ظاهرة ضرب المعلم من قبل التلاميذ لم تكن موجودة على نطاق واسع في العراق وأن العنف المدرسي كان في الغالب يتجسد في اشكال عنف لفظي أو ضرب من قبل المعلم للطلاب والتلاميذ.

وأحدث الوقائع في هذا الصدد، اصابة معلم بإطلاق نار من قبلتلميذ اثناء تأدية الامتحانات في قضاء القائم غربي الرمادي (110 كم غرب بغداد) يوم الثلاثاء الماضي، حيث نقل المعلم الى المستشفى فيما تم القبض على التلميذ لاتخاذ الاجراءات اللازمة.

اعادة تقييم

ويشير التربوي محمد صاحب إلى أنّ الواقع التعليمي يحتاج الى اعادة تقييم وتأسيس لمناهج اكثر قدرة على بث روح السلام والسلوك السلمي كبديل للعنف المستحكم في العلاقة بين التلميذ والمعلم، مشيرًا إلى أنّ حالات العنف في تزايد يصاحبها عدم اهتمام من قبل التلاميذ بالدراسة، وممارستهم لسلوكيات شاذة مثل التدخين وتناول المخدرات.

وبحسب احصاءات، فإن عدد حالات قتل المدرسين والمعلمين من قبل طلابهم ارتفع إلى 30 حالة منذ العام 2011 وحتّى منتصف عام 2012، ليلقي هذا العدد الضوء على الاتجاه الذي تسير فيه العملية التربوية في العراق.

ويرجع صاحب هذه الظاهرة الى اعتبارها جزءاً من ثقافة عنفية تجتاح المجتمع العراقي زرعتها الحروب الخارجية والداخلية في العراق، وهي انعكاس ايضًا للعنف الاسري الذي اصبح ظاهرة ملموسة ايضًا.

خشية أم خوف

ويشير صاحب الذي عمل في مجال التعليم لمدة اربعة عقود إلى أنّ الخوف هو الذي يحكم العلاقة بين المعلم والتلميذ في العراق منذ زمن طويل لكنه كان خوفًا من جانب واحد وهو خوف التلميذ من المعلم، لكنه كان (خشية) مشروعة وهو اقرب الى الاحترام منه الى الخوف. اما اليوم، فإن المعلم أو المدرس اصبح يخشى التلاميذ بل ويخشى اسرهم التي غالبًا ما تتدخل لمصلحة التلميذ اذا ما حصل خلاف بينه وبين المعلم.

لكن الطالب احمد سعيد الذي تعرض للضرب من قبل مدرّسه في كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) يقول إن العنف الذي يستخدمه المدرّس، هو الذي يؤجج نزعة العنف المعاكس لدى الطالب لاسيما حين لا تكون هناك اسباب مشروعة لضرب الطالب.

وعلى الرغم منأن سعيد لم يرد على المدرّس بطريقة مماثلة، لكنه يؤكدأن بعض التلاميذ يقابلون ضربهم من قبل المدرّس بالضرب أو العنف اللفظي المقابل في اغلب الاحيان، مما يخلق علاقة مستمرة في عدم الانسجام بين الطالب والمدرس.

ويعترف التلميذ كامل حسن أن الفصل الدراسي يشهد في بعض الاحيان تبادل اهانات وشتائم بين المعلم والتلاميذ. ويعزو رحيم الكلابي (مشرف تربوي) تفاقم ظاهرة العنف الى غياب دور الباحث الاجتماعي في المدارس، داعيًا إلى أنّ يكون في كل مدرسة باحثان اجتماعيان على الاقل بغية تعزيز العلاقة الصحية بين اطراف العملية التدريسية.
يقول الكلابي: quot;على المدرسة أن توطد علاقتها بأسر الطلاب والتلاميذ، وليس الاكتفاء بالعملية التلقينية للعلومquot;.

دور ناقص

وتسوء العلاقة اكثر - بحسب الكلابي - حين يكتفي المعلم بدوره في اعطاء الدرس فحسب، وفي ذلك خطأ كبير، فالمعلم يجب أن يتابع تلميذه ويعد التقارير حوله،ويتابع سلوكياته وتصرفاته داخل المدرسة وخارجها.

وتعترف امينة جياد ( طالبة متوسطة ) أن بعض المدرّسات يستخدمن في اوقات كثيرة السب والشتائم بحق الطالبات وفي بعض الاحيان ترد الطالبة على المدرّسة فتحدث معارك كلامية تتطور الى الضرب في بعض الاحيان. ويشير فرحان حسن ( 22 سنة ) الى أنه ترك المدرسة بعد قرار فصله العام 2010 بعدما ضرب مدرّسه اثناء الدوام الرسمي بسبب اتهام المدرس له بالغش.

ويتابع: quot;شتمني المدرّس اكثر من مرة، وحين اقترب مني ليضربني وجهت له عدة لكمات اسقطته ارضًا في الفصل امام التلاميذquot;. ويضيف حسن: quot;بعض المدرسين دكتاتوريون يستحقون الضربquot;. لكن صابرين حسين ( معلمة ) تعتقد أن تخويف الطالب بوسائل مشروعة، امر صحيح، لأن الكثير من الطلبة لا يستجيبون للمدرّس أو المعلم (الضعيف) الشخصية.

وتدلل صابرين على صحة رؤيتها بملاحظة اعداد الطلبة المتفوقين والناجحين لدى المعلم أو المدرس (الشديد)، حيث تبلغ اضعاف النتائج الايجابية التي يحققها المدرس ذو الشخصية الضعيفة. وتشدد صابرين على اتباع لغة الحوار بين المعلم والتلميذ كوسيلة ناجعة لتحقيق نتائج تربوية افضل، اما العنف فهو حالة استثنائية تحدث في كل مدارس العالم.

ويتحدث امين كاظم (مدير مدرسة) في النجف (160 كم جنوبي بغداد)عن مدرس تعرض الى الضرب من قبل والد تلميذ كرد فعل على ضرب المدرّس لإبنه مما استدعى تدخل الشرطة. كما شهدت مدرية اليرموك في ناحية الهارثة في البصرة ( 545 كم جنوب بغداد) العام 2012 اطلاق العيارات النارية وتعرض بعض المعلمين الى الأذى عندما هاجم اهالي بعض التلاميذ مبنى المدرسة بالرشاشات والمسدسات والسكاكين وقاموا بطعن معلم وضربوا الهيئة الادارية وحاصروا كادرها التعليمي مما استدعى تدخل الشرطة أيضًا.

التربوي صادق غانم الاسدي يتحدث كشاهد عيان على الاعتداء على مدرس داخل مركز للشرطة في العاصمة بغداد من قبل المفوض والنقيب اللذين انهالا عليه بالضرب وتم إيقافه لساعات دون أمر قضائي وخلال الدوام الرسمي للمدرس.

الجدير ذكره أن مدارس العراق تشهد زخمًا كبيرًا في اعداد الطلبة والتلاميذ حيث شهد العام 2012 انضمام أكثر من ستة ملايين و400 ألف طالب وطالبة في المراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، بينهم ما يقارب الـ250 ألف تلميذ جديد.