تمثل المدارس الخاصة في العراق رمزًا من رموز الفوارق الطبقية التي بدأت تبرز بين فئات المجتمع. وبحسب وزارة التربية العراقية، فان البلاد تحتاج إلى نحو سبعة آلاف مدرسة حكومية جديدة لحل مشكلة الدوام المزدوج وتقليل أعداد الطلبة في كل فصل.
في ظل ازدياد مداخيل الأسر العراقية، وقدرتها على دفع تكاليف الدراسة، إضافة إلى الرغبة العارمة التي تجتاح الكثير من الآباء والأمهات في أن يدرس الأبناء الدراسات المرموقة، يلجأ الكثير منهم إلى المدارس الخاصة كوسيلة ناجعة لتأمين مستقبل الابناء.
ويبلغ الهوس بالتعليم الخاص إلى درجة أن أحمد حسن (معلم في مدرسة حكومية) فضل تسجيل ابنته في مدرسة (سما بغداد) الأهلية على المدرسة التي يعمل فيها. لكن حسن يبرر اختياره بالقول إن المدارس الخاصة تتيح للأطفال التعليم الافضل في أجواء دراسة أكثر صحية من المدارس الحكومية.
المدارس الخاصة تتركز في بغداد
وتتركز المدارس الخاصة في بغداد بصورة خاصة وتشهد زخمًا غير مسبوق إلى درجة أن هيفاء محمد الطبيبة في عيادة خاصة لم تجد مكانًا شاغرًا لابنتها في المدارس الخاصة وان عليها ان تنتظر. وبحسب وزارة التربية العراقية فان البلاد تحتاج إلى نحو سبعة آلاف مدرسة جديدة لحل مشكلة الدوام المزدوج وتقليل أعداد الطلبة في كل فصل.
المشرف التربوي باقر حسن يؤكد أن فشل التعليم الحكومي وانجذاب الكوادر التعليمية الجيدة إلى المدارس الخاصة ساهم في ازدهار المدارس الاهلية التي اضحت لكثيرين مكانا مثاليا للتعليم.
وتمثل المدارس الاهلية للباحث الاجتماعي فرعون عبد من بابل (100 كم جنوبي بغداد) رمزًا من رموز الفوارق الطبقية التي بدأت تبرز بين فئات المجتمع. ويشير فرعون إلى أنّ كل اطفال المدارس الخاصة من فئات المجتمع ذات الدخل الجيد والقادرة على تحمل اعباء الدراسة المالية، وهذا يعني ان المدارس الخاصة تحولت إلى مدارس للاغنياء فقط، بينما لا يستطيع الفقير متابعة تعليمه فيها.
ويعتقد فرعون ان الكثير من الاسر ذات الدخل المادي الجيد تحاول ان تتباهى بإدخال ابنائها للتعليم في المدارس الخاصة، ليصبح الامر نوعا من التباهي امام الاخرين. ويضرب فرعون المثل بمدرسة المزايا الاهلية في بابل حيث ينتمي اغلب التلاميذ إلى اسر ذات دخل جيد. وفي هذه المدرسة لفت انتباهنا اثناء زيارتنا لها النظام والنظافة والزي الموحد للتلاميذ بربطة العنق والقميص الابيض.
مستوى التعليم الخاص يفوق الحكومي
لكن التربوية رابحة العبودي تعترف بان مستوى التعليم في المدارس الخاصة يفوق كثيرا المدارس الحكومية اضافة إلى توفر الخدمات ووسائل التعليم والإيضاح ورعاية الطلبة والاهتمام بهم ومتابعتهم.
وتؤكد سناء كامل من الكاظمية في بغداد ان متابعتها التعليم في المدارس الحكومية اتاح لها تعلم الموسيقى والحاسوب واللغة الانكليزية بشكل جيد وهذا ما لم يكن متاحا في المدارس الحكومية. وتستحسن سناء قلة اعداد الطلبة في الفصل الواحد مقارنة بمدارس الحكومة.
وفي ظل النظام السياسي السابق قبل العام 2003 لم يكن مسموحا للقطاع الخاص بالاستثمار في قطاع التربية والتعليم حيث عدته السلطات خطا احمر وعززت التعليم القائم على ترسيخ الادلجة الحزبية والافكار العقائدية.
لكن البلاد شهدت في الستينات ازدهار التعليم الاهلي ومنذ السبعينات ألغي نهائيا حين بدأت الاجندة الحزبية تُفرض ضمن المناهج الدراسية، ولم يكن يُسمح للمعلم باشاعة افكار تتعارض مع المنهج الفكري للحزب الحاكم.
وحين انتقل مرتضى (14 سنة) من فصله الذي يضم نحو اربعين شخصا في المدرسة الحكومية إلى فصل في مدرسة (ماما أيسر) الخاصة في بغداد، شعر بالفرق الكبير في القدرة على استيعاب الدرس ومتابعة المعلم كما يتحدث إلى ايلاف.
الفقراء محرومون من المدارس الخاصة
لكن بعض فئات المجتمع الفقيرة لا تتمكن من ادخال ابنائها إلى المدارس الخاصة، منهم كريم لفتة (55 سنة) الذي لم يستطع تلبية طلب ابنته لمياء والتي لطالما تمنت التعلم في مدرسة خاصة.
ويشير لفتة إلى أنّ هذه المدارس اضحت لدى بعض الطلبة امنية كبيرة وهدفا بحد ذاته، وجعلت الاطفال يشعرون بالفوارق الطبقية بينهم وبين الاخرين. ويتابع: أشعر أحيانًا أن ابنتي ينتابها الاحساس بالنقص بسبب تباهي التلاميذ الاغنياء بدراستهم في مدارس خاصة.
شرف الربيعي (مهندس) دفع إلى مدرسة خاصة حوالى ثلاثة آلاف دولار أميركي في السنة، ويأمل في خطوته هذه ان يتعلم ابنه بمستوى يؤهله لنيل شهادة مرموقة في المستقبل. كما دفعت صابرين الموسوي مبلغ الفي دولار سنويا لقبول ابنتها في مدرسة خاصة.
و بلغت اميمة عباس (مديرة متقاعدة) المراحل النهائية في مشروعها في فتح مدرسة ابتدائية اهلية في منطقة الصالحية في بغداد حيث تأمل ان تجد مستثمرين لمشروعها بعدما تأكد لها نجاح المشروع بسبب ردود الافعال الايجابية من قبل التلاميذ.
ويشترط تأسيس مدرسة خاصة اجازة رسمية وموافقة خاصة من وزارة التربية وتوفر كادر تعليم ذي خبرة وشهادة اكاديمية.. وغالبا ما تنهج المدارس الاهلية مناهج حديثة في التعليم عبر تقنيات حديثة واسلوب عصري في التعلم بعيدا عن التشنج وضرب الطالب. ويجزم التربوي حازم لعيبي ان المدارس الخاصة اليوم هي الحل الامثل لمعالجة ازمة التعليم في العراق في ظل النقص الكبير لأعداد المدارس الحكومية.
التعليقات