امرأة تقود سيارتها في أحد شوارع بغداد

أصبح اقتناء السيارة في العراق، حاجة ملحة حيث تلجأ غالبية الأسر الى شرائها، إلا أن هذا الموضوع يقابله واقع مؤلم وهو السماح للأطفال وعدم المخولين قيادة السيارات، بالتنقل بالمركبات دون مراقبة عائلية أو مرورية ما يسبب حوادث سير ينتج منها جرحى وقتلى.


بغداد: في الوقت الذي تحرص فيه أسر عراقية على اقتناء سيارة شخصية، حيث أصبحت حاجة ملحة ورمزا للترف والمباهاة بين الناس، فإن هذا الحرص يرافقه ازدياد اعداد الفتيان والشباب الذين يقودون السيارة على الرغم من ان سنهم لا تسمح لهم بذلك .

وفي حالات اخرى، يمكن ملاحظة اعداد كثيرة من الاطفال وهم يقودون السيارة تحت انظار الأهل الذين لا يتورعون عن تشجيعهم رغم المخاطر الكبيرة التي تنتظرهم .

ومنذ عام 2003 طغت ظاهرة القيادة في سن مبكرة في المجتمع العراقي، ما أدى الى مقتل الكثير من الاطفال والفتيان او إصابة البعض الآخر بالعوق.

أسر غنية

وفي الكثير من الأحيان، تعكس المركبة التي يسوقها الفتى او الشاب مستواه الطبقي بحسب الباحث الاجتماعي كاظم حسن، الذي يؤكد أن أغلب الفتيان السائقين ينحدرون من أسر غنية.

من ناحيته، يؤكد زيد هاشم - مدير مدرسة - في بغداد تزايد عدد الطلاب الذين يصحبون سيارتهم الى أوقات الدوام.

ويقول الشاب جعفر كريم (طالب ثانوية) انه لم يعد يستطيع أن يقصد المدرسة من دون السيارة.

وتقر أمينة حكمت (طالبة جامعية) أن السيارة الحديثة هي حلم كل شاب وشابة، وبعدما كان الشباب يحلمون بصعود السيارات الفارهة، قبل العام 2003 فهم اليوم يستقلّون أفخم السيارات.

وفي العام 2010 أعلنت الشركة العامة لتجارة السيارات والمكائن، عن بيعها ما يقارب الثلاثين الف سيارة حديثة للمواطنين عبر نظامها القائم على الأسعار المنخفضة والتقسيط المريح.

وفي نهاية الاسبوع، وأيام العطل، يقضي كريم مع اصدقاء له وقتا طيبا عبر جولة في السيارة داخل مدينة بغداد.

سلوك خطير

وفي كل المدن بلا استثناء، تنتشر ظاهرة قيادة صغار السن السيارات، حيث يعد ذلك سببا في ارتفاع معدلات الحوادث المرورية بحسب ضابط المرور احمد الخفاجي، الذي يؤكد أن تفريط الشاب بروحه يعد سلوكا خطيرا يجب الوقوف على أسبابه. وفي عام 2010 فقد حسين الزبيدي ابنه بعدما تعرض الى حادث مروري وهو يستقل سيارة والده التي اصطدمت بشاحنة .

ويعتقد المواطن سعد الشريفي بارتفاع اعداد الطلاب والفتيان الذين يستقلون المركبات في السنوات القادمة اذا لم تتم معالجة الظاهرة . ويشير الشريفي الى اخطر ما في الظاهرة وهي قيادة الاطفال والقاصرين السيارات امام أنظار الجهات المسؤولة والمواطنين، وفي الأماكن العامة مؤكدا رؤيته شابًا لم يتجاوز سن الرابعة عشرة، يقود حافلة لنقل الركاب في كراج العلاوي في بغداد .

وتعترف سمية حسن (مدرسة) ان عدم قدرتها على القيادة يضطرها الى السماح لابنها بقيادة سيارة الاسرة، الذي اتقن القيادة حيث يلبي لها مشاريعها ومواعيدها في بعض الاحيان .

التعلم في الصغر

أبو حازم (مصلح سيارات) علّم ابنه قيادة المركبات وهو في سن 12 سنة ، ليبدأ مشواره في العمل معه في الكراج، حيث يقود ابنه سيارات الزبائن بكل ثقة، كما ينتقل في مشاوير عمل بين المدن القريبة.

لكن ما يثير في قصة ثريا احمد (مدرسة) انها تعلمت القيادة على يد ابنها ذي ال15 ربيعا. وتثق ثريا بقيادة ابنها منذ ان اشترت له سيارة حديثة بالاقساط الشهرية منذ نحو سنتين .

ويرى الناشط الشبابي ليث حسن، ان حرص العراقيين اليوم على اقتناء السيارة الشخصية، لاسيما بين الأسر ذات الدخل الشهري الثابت، يشجع الفتيان على تعلم القيادة بدعم من الوالدين .

وينبه حسن الى كثرة السيارات الحديثة الداخلة الى العراق في السنوات الماضية حيث اصبح شراؤها أمرا سهلا عبر الدفع بالأقساط .

وما زالت أسعار السيارات في العراق هي الأرخص في العالم، بسبب الضرائب القليلة المفروضة عليها، إضافة إلى قوانين الاستيراد السهلة مقارنة بالدول المجاورة.

الشاب جميل محمد من الدورة في بغداد يؤكد انه يقود السيارة بكل ثقة، وبسرعة فائقة في السباقات التي تجري على الطريق السريع شمال بغداد مع عدد من الفتيان مشيرا الى ان جميع اصدقائه لا يمتلكون اجازة قيادة.

لكن هذه الظاهرة فجعت الكثير من الآباء بينهم زهير الحلي، الذي فقد ابنه بعدما اصطدمت السيارة التي يقودها بحاجز كونكريتي اثناء تزاحم وتسابق مع اشخاص آخرين . لكن الحلي يؤكد أنه لم يسمح لابنه يوما بقيادة السيارة، حيث كان يفعل ذلك من دون علمه حتى حلت الكارثة .

المرأة والقيادة

لكن العنوان الأبرز لهذه الظاهرة، ليس قيادة الأطفال والفتيان للمركبة، بل النساء اللواتي اضطررن الى قيادة السيارة للوصول الى مراكز العمل او لقضاء حاجات البيت ما تسبب ايضا بحوادث كثيرة بسبب عدم إتقان المرأة القيادة بشكل كامل .

ففي منطقة الحمزة جنوبي بابل (100 كم جنوبي بغداد) قُتلت موظفة بنك الأسبوع الماضي، وجُرحت أختها وأمها بعد انقلاب السيارة على طريق الحلة الديوانية .

ودلت التحقيقات على أن انفجار إطار السيارة كان سببا وراء الحادث، لكن خبير المرور احمد الشامي يقول ان عدم التعلم الكافي لأصول القيادة وسوء حالة الطرق كان سببا رئيسا في الحادث .

ويدعو الشامي الى عدم الدهشة حين يصادفك فتى في الرابعة عشرة يجلس خلف مقود السيارة وبجانبه امه التي طلبت منه ان يوصلها الى مكان ما .

ويطالب الشامي المجتمع بأن يتحمل مسؤوليته للحد من هذه الظاهرة، وليس انتظار إجراءات حكومية لن تحل المشكلة، مطالبا بتشديد الرقابة المرورية واستنهاض القوانين التي تلزم الافراد تطبيق الإجراءات الصحيحة .

معايشة الشامي الميدانية تشير الى ان اغلب حوادث المرور التي يسببها الشباب والفتيان تكون حوادث كبيرة وخطيرة ونسبة الوفيات فيها عالية بسبب السرعة العالية وعدم مراعاة الانظمة المرورية .