تثبت مجزرة مدينة الحولة بالقرب من حمص السورية أنّ العصابات المتورطة في هذه الهجمات تنتهج سياسة quot;إما النصر أو لا شيءquot;، والرسالة الثابتة لنظام الأسد هي أن الثوار يرغبون في فرض الهيمنة السنية التي من شأنها أن تترك العلويين من دون موقع في سوريا.


بيروت: يعمل النظام السوري بناء على افتراض بأنه كلما أصبح الوضع أكثر فوضوياً، كلما انخفضت فرص التدخل الأجنبي لوقف ما يحدث. لكن هل ستثبت مجزرة الحولة أن رهان الأسد هذه المرة كان خاطئاً؟

من المعروف أن الحروب تطلق العنان لكل الشياطين، سواء في سريبرينيتشا، حلبجة، ماي لاي، والآن في مدينة حولا السورية. كان من الصعب تصديق ما حدث في ذلك الوقت، لكن ما أن ينقشع الغبار تصبح الحقيقة أكثر وضوحاً وهولاً، وغالباً ما تكون أسوأ من المتصور.

عند نقطة ما، عندما نقف كمتفرجين أو شهود أمام هول المجازر، كواحدة من نتائج العصر الرقمي الذي يجعل الأحداث في منطقة معينة تدخل بيوت الجميع، يكون علينا أن نستوعب فكرة أن شخصاً ما قرر أن يضغط على زناد رشاش، يفجر قنبلة أو يمسك بسكين.

ما هي العقلية التي يمكن عن تنطبق على شخص قرر انساك سكين وذبح رقاب العشرات من الأطفال على نحو عشوائي، كما حدث في مجزرة حولا الرهيبة يوم الجمعة؟

أجابت صحيفة الـ quot;تليغرافquot; عن هذا السؤال معتبرة أن فهم مسار الحرب هو الوسيلة الممكنة لفهم تكتيكات نظام الأسد.

العصابات المتورطة في مجزرة الحولة تنتهج سياسة quot;إما النصر أو لا شيءquot;

وعلى الرغم من وجود العديد من التفسيرات والتأويلات، وتحديداً في quot;التبريرات الملتويةquot; للإعلام الرسمي السوري، إلا أن ما حدث في مدن وقرى حمص يمكن اختصاره بالتالي: قوات النظام تقتل الجيش السوري الحر، ثم يقوم الشبيحة بالإنتقام من السكان المدنيين ومعاقبتهم.

أفراد هذه الميليشيات الذين يلقبون بـquot;الشبيحةquot; ينتمون إلى الطائفة العلوية، وهي الطائفة المسلمة التي تسيطر أفرادها على مراكز السلطة في سوريا، أما المعارضة فينتمي معظم أفرادها إلى الطائفة السنية. هذا التباين والإختلاف كان مسبباً للعديد من الهجمات التي حدثت على مستويات عديدة في الأسابيع الأخيرة.

العصابات المتورطة في هذه الهجمات تنتهج سياسة quot;إما النصر أو لا شيءquot;، والرسالة الثابتة للنظام هي أن الثوار يرغبون في فرض الهيمنة السنية التي من شأنها أن تترك العلويين من دون موقع في سوريا.

ومن السهل تحليل هذه الأمور من زاوية المراقب الخارجي، لكن الوضع على الأرض في سوريا أكثر دقة وتعقيداً.

في وقت سابق من هذا الشهر، قال بعض النخبة المغتربين من دمشق إن quot;عملاء دول الخليجquot; قاموا بدس المواد المخدرة في المواد الغذائية للمتظاهرين، الأمر الذي جعلهم يفقدون عقولهم.

ولم يخطر في بال هؤلاء أن هذا النوع من التقارير التلفزيونية هي مجرد أكاذيب مستمدة من مجريات الربيع العربي، أسوة بما قاله أتباع العقيد الليبي الراحل معمر القذافي عن خصومهم في ليبيا أثناء اندلاع الثورة في البلاد.

وأضافت الصحيفة: quot;إذا كان بإمكان النخب أن يكون سذجاً لهذه الدرجة، فإن تلاعب النظام بعقول الناس سيكون مسألة سهلة للغاية، ولن يكون من الصعب إقناع الشعب بأن الجماعات المنشقة في سوريا هي ميليشيا مسؤولة عن أعمال القتل، مقابل إعماء أبصارهم عن ممارسات الفرق النظامية المدربة، فيبقى الشعب جاهلاً لما يحدث حوله من قبل النظام الذي يتحدث باسمهquot;.

وأشارت الـ quot;تليغرافquot; إلى أن هناك انقاطعاً في التواصل بين العاصمة دمشق والمحافظات الأخرى، شبيهاً بما حدث ويحدث في الكثير من البلدان الربيع العربي.

وهذا الأمر يبدو واضحاً في كل المجتمعات التي تجعل من العاصمة المركز الوحيد للتطور في المجتمع، مقابل إهمال الضواحي والفروع ووضعها تحت رحمة قطاع الطرق وقوات الأمن.

ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى تخوف الناس من أي نظام جديد، قد يهملهم أكثر من النظام السابق.

الطائفة العلوية في سوريا، التي تنتمي إليها الرئيس بشار الأسد، كانت الحلقة الأضعف من الناحية التاريخية في المجتمع السوري - وهذا هو السبب الذي دفع فرنسا إلى ضمهم في الجيش الاستعماري.

لقد قيل للعلويين في سوريا من قبل أن عليهم القتال من أجل مستقبلهم بأي وسيلة ضرورية، وهذا ما يقال لهم اليوم من قبل نظام الأسد.

هذا هو التكتيك الماكر الذي ينتهجه النظام السوري، والسبب الأساسي هو أنه يثير استجابة مسعورة، فتصبح دورة العنف أكثر حدة ولا نهاية لها. النظام يعمل على افتراض أنه كلما أصبح الوضع أكثر فوضوياً، كلما انخفضت فرص التدخل لوقفه.

ويعتقد الأسد أن باستطاعته الإلتفاف على مراقبي الامم المتحدة وان القوى الغربية، التي تعصف بها الانتخابات والأزمات المالية، لا تريد أن تتورط، وتحتاج إلى مجرد ذريعة لتأجيل تدخلها.

لكن الأنظمة الأخرى سلكت طريق المغامرة وتجتمع اليوم في لاهاي من أجل زيادة الضغوط على سوريا. ويبقى السؤال: هل من الممكن أن تثبت مجزرة حولة أن الأسد ذهب بعيداً في رهانه هذه المرة؟