إعطاء الإرهابيين حوافز ايجابية قد يعيدهم الى الحياة الطبيعية |
لطالما وصف الإرهابيّ بأنه شخص عنيف لا يسعى إلى الخلاص أو التوبة، لكنّ الواقع بعيد جداً عن الحوافز والظروف المحلية الصحيحة لهذا الوصف، إذ تبين أنه بالإمكان إقناع بعض المتطرفين بالتخلي عن السلاح، عندما يتوافر. صحيح أن هذه الوصفة غير دقيقة، إلا أن مزيجاً من سلطة الدولة وإعطاء قادة المتشددين حوافز إيجابية للانضمام إلى المجتمع، يجعلهم يشعرون بالندم على تركهم الحياة الطبيعية.
بيروت:يتطلع العلماء والباحثون إلى استخلاص الأنماط الشائعة من النجاحات العالمية، إذ قدمت وزارة الدفاع الأميركية مؤخراً منحة بقيمة 4.5 ملايين دولار لمجموعة من علماء النفس في جامعة ماريلاند لإجراء دراسة لمدة خمس سنوات ليس فقط على كيفية اجتثاث التطرف من المتشددين، بل والعثور على سبل التدخل لمنع المجندين المحتملين من الإنضمام إلى الجماعات الإرهابية.
في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; إلى أن منحة البنتاغون هي جزء من مجموعة الأموال الموجهة إلى جهود بحثية متعددة التخصصات في أسباب وظروف التطرف. ونقلت عن ميشيل غيلفاند، طبيب نفسي في جامعة ميريلاند الذي يعمل على الدراسة، قوله: quot;لقد رأيت تحولاً كبيراً نحو التمويل الاجتماعي والثقافي، وهذا جهد لطالما بذلته وزارة الدفاع، لكن هذه المرة على نطاق مختلف جداًquot;.
وأضاف: quot;معالجة الراديكالية أصبحت الآن صناعة بحد ذاتها، وهي جزء من المهن النفسية والانثروبولوجية. ويتم العمل حالياً على أبحاث ودراسات في هذا السياق، إضافة إلى أن الكثير من العلماء جعلوا من هذه المسألة اختصاصاً ومهنة تؤمن الوظائف. لذلك، فمن الضروري توخي الحذر والحرص واعتماد الدقة في التقييمquot;.
ما لا شك فيه أن هناك إخفاقات كثيرة في مجال إبعاد الأفراد عن التطرف. المثال على ذلك هو إطلاق سراح باغوس بودي برانوتو، عضو في حركة اسلامية، شاركت في هجوم على السفارة الاسترالية في العام 2004، وذلك بعد أن خضع لبرنامج إعادة تأهيل لمعالجة التطرف وإعادة دمجه في المجتمع.
بعد إطلاق سراحه، تورط برانوتو في تفجير العام 2009 في هجمات بالقنابل ضد فندق الماريوت الريتز كارلتون في جاكارتا، أدت إلى مقتل سبعة اشخاص، ثم قُتل رمياً بالرصاص في وقت لاحق في غارة على مركز الجماعة في جاوة الوسطى.
ويشير آري كروغلانسكي، أستاذ علم النفس في جامعة ماريلاند الذي يدرس الجماعات المتطرفة، إلى أن برامج إعادة تأهيل المتطرفين ينظر إليها عادة على أنها جهود فاشلة، وهذا سوء فهم. فإذا خضع أحد الإرهابيين إلى برنامج إعادة التأهيل ثم عاد إلى نشاطه العنيف، فهذا لا يعني أن البرنامج فاشل بل يعني أن الفرد في وسط اجتماعي يؤثر فيه للعودة إلى ممارساته السابقةquot;.
من جهته، يعتبر عمر عاشور، أستاذ في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكستر في بريطانيا وزميل زائر في مركز الدوحة لمعهد بروكينغز، أن اليد الثقيلة للدولة لعبت دوراً هاما في نجاحات جهود إبعاد الإرهابيين عن التطرف. ولعل أفضل مثال لبرهنة ذلك هو تجربة quot;الجماعة الإسلاميةquot; في مصر.
تعود جذور المجموعة إلى أواخر السبعينات عندما قامت مجموعة من الإسلاميين الشباب بالإنشقاق عن الإخوان المسلمين الذين كانوا يهيمنون على مصر في ذلك الوقت.
وعلى الرغم من المبادئ المشتركة بين الفريقين حولquot;مصر خاضعة للشريعة الإسلامية، إلا أن هؤلاء الشباب لم يوافقوا مع الإخوان على مبدأ الدولة الحديثة والتعاون مع الأقليات لتحقيق هذا الهدفquot;.
وشارك أعضاء المنظمة الوليدة في عملية اغتيال الرئيس المصري أنور السادات في العام 1981، وهو الحدث الذي أدى إلى اعتقالات جماعية وسجن العديد من المتشددين الاسلاميين.
وبعد فترة وجيزة، أنشأ أيمن الظواهري، الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة، فرعاً منافساً للمجموعة، سماه quot;الجهادquot;.
أما اليوم، فتخلت فروع كل هذه المنظمات المصرية عن العنف، وفقاً لما يقوله الدكتور عاشور، quot;وخضعت الجماعة الإسلامية إلى عملية معالجة التطرف، فرفضت ممارسة العنف أو حتى قبولهquot;.
ويروي عاشور أنه تحدث الى سجين سابق من المتشددين منذ عشر سنوات، فقال له إن التحول لدى القيادة كان حاسماً في تغيير أعضاء الوسط والأتباع. quot;ففي حين أن الأزهر، الجامعة الإسلامية في الدولة المصرية، تقول إنها ترفض العنف وتعتبره غير إسلامي، إلا أن المتشددين لم يستجيبوا لهذه المطالبquot;.
وأضاف: quot;قال لي الرجل إن الرسالة تكون قوية جداً، لكن المرسل أكثر أهمية، فعندما تتحدث القيادة الكاريزماتية تلتزم العناصر الأخرىquot;.
اليوم في مصر، يتنافس السلفيون في الانتخابات، وهو أمر كانوا يسخرون منه منذ عقد من الزمان، كما أن الجماعة الإسلامية تعتبر لاعباً مهماً إذ فازت بـ 13 مقعداً في البرلمان الجديد، وأسست حزبا يدعى quot;حزب البناء والتنميةquot;.
وعلى الرغم من أن الغرب يعتبر أن هذه المجموعة تعبّر عن وجهات نظر رجعية حول دور المرأة والأقليات في المجتمع، إلا أنه من الممكن تخطي هذه المعوقات في حال ايجاد حلول للتطرف العنيف.
التعليقات