يشهد اليمن اليوم أكبر هجوم عسكري في تاريخه، في خضم المعركة لاقتلاع جذور تنظيم القاعدة من شبه الجزيرة العربية. وتشارك أميركا على نحو وثيق في هذه الحرب، من خلال توفير الأسلحة والتدريب والاستخبارات للقوات المسلحة اليمنية في سعيها إلى الإفادة من هذه الحرب الشرسة الجديدة في الشرق الأوسط. وترى وزارة الدفاع الاميركية أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب قد أنشأ مركزاً خطيراً لعملياته في العالم العربي.

تمكنت وكالة المخابرات المركزية السرية من إحباط هجومٍ انتحاريٍ ndash; هو الثالث من نوعه في السنوات الأخيرة - من قبل مجموعة خططت لتفجير طائرة ركاب متجهة الى الولايات المتحدة. وكان هذا الحادث بمثابة حافز لليمن للرفع من جهوزيتها العسكرية في معركتها التي دامت 10 سنوات ضد الجهاديين.

الجيش اليمني يتحرك لدحر القاعدة من زنجبار

وتراجعت اليمن من على شاشات الرادار منذ العام الماضي عندما وقعت احتجاجات واسعة لخلع الرئيس القوي علي عبد الله صالح عن السلطة بعد 33 سنة في الحكم. وعلى الرغم من التحول السياسي الذي يجري حالياً، إلا أن البلاد ما زالت على حد السكين.

في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;تايمquot; إلى أن المتمردين الشيعة والانفصاليين الجنوبيين، إضافة إلى الفقر الناجم عن الشلل الإقتصادي في البلاد، عوامل تهدد اليمن وتضعف جهودها لبناء نظام سياسي جديد.

وتشكل اليوم مجموعة من مقاتلي القاعدة في الجنوب، الذين طردوا القوات الحكومية وأقاموا quot;دولة الإمارات الجهاديةquot; - إقطاعيات صغيرة إسلامية - أكبر تهديد للبلاد.

وتحاول القوات الحكومية التي تجتاح الشرق من مدينة عدن الجنوبية، وتدعمها المدفعية الثقيلة والطائرات الحربية، وآلاف الجنود اليمنيين باستخدام الدبابات وصواريخ كاتيوشا، طرد تنظيم القاعدة من عرينه ومعاقله في الجبال في محافظة أبين.

ويقول العميد محمد صوملي: quot;تنظيم القاعدة يخوض حرب عصابات. إنهم يختبئون بين المدنيين، يحاربوننا بالأسنان والأظافر وبأسلحتنا الخاصةquot;، مضيفاً quot;في كل مرة نغتنم مساحات جديدة، يحاولون السيطرة عليها مجدداً. ومعظم الغارات تحدث عند الفجر لذلك يحاول رجالنا الحصول على القليل من النوم، لكن إن شاء الله سننتصرquot;.

وفي الوقت الذي تنشغل فيه صنعاء بإعلان التقدم العسكري في نشرات الأخبار المسائية، يبقى المواطنون اليمنيون، وليس الجنود، هم الذين يقومون بتحويل التيار ضد الجهاديين. وقد نظم سكان لودر، وهي بلدة استراتيجية تقع بين الجبال الوعرة وأبين وكانت مسرحاً للكثير من أعمال القتال في الاسبوع الماضي، أنفسهم في مجموعات مدنية تعرف باسم quot;اللجان الشعبيةquot; التي تستخدم الأسلحة التي خلفتها وراءها ألوية الجيش بعد فرارها.

ومنذ توليه الرئاسة في شباط/ فبراير الماضي، خالف الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي، نائب الرئيس صالح سابقاً، التوقعات فقام بخطوات لتطهير الموالين لصالح من المناصب الرئيسية في محاولة لتفريق شبكات المحسوبية والمحاباة التي لا يزال يسيطر عليها سلفه.

وفي حين أن علاقة الرئيس صالح مع واشنطن كانت تشهد هبات ساخنة وأخرى باردة، مقيداً ببعض الشكوك بأنه كان مشجعاً لتنظيم القاعدة من أجل انتزاع المزيد من الأموال من واشنطن، إلا أن هادي يحظى بدعم الولايات المتحدة بعد أن وجه تهديدات عدوانية ضد الجماعة الارهابية، ويتمتع بصورة quot;زعيم الحرب الغاضبquot; في البلاد.

صحيح أن هادي يرغب في ضمان استمرار تدفق المليارات من الدولارات الأميركية إلى خزائن حكومته شبه الفارغة، إلا أن علاقته مع الاميركيين تجعله عرضة للقنص السياسي الداخلي. يوم الخميس، أصدر تنظيم القاعدة شريط فيديو يصوِّر هادي بمثابة أداة quot;عميلةquot; تعمل لصالح الولايات المتحدة.

وقال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في الشريط quot;إن القوات اليمنية الفاسدة قد وافقت على محاربة المجاهدين تحت العلم الاميركيquot;، مشيراً إلى أن البلاد quot;يجب أن يتم تطهيرها من السياسيين الفاسدين الذين يمتصون دم الشعب مثل مصاصي الدماء ... والتحرك نحو بناء يمن مسلم تحكمه شريعة اللهquot;.

واعتبرت صحيفة الـ quot;تايمquot; أن خطاب الظواهري يمكن اعتباره quot;هذيان متطرفquot;، إلا أن السياسة الأميركية في اليمن أدت إلى مشاعر معادية للاميركيين على نطاق واسع. وأثار التوسع في الولايات المتحدة بواسطة هجمات الطائرات بدون طيار في اليمن، التي أقرتها إدارة أوباما في الشهر الماضي، إلى زيادة منسوب الاستياء بين السكان.

ويعتبر كثير من اليمنيين أن سفير الولايات المتحدة في اليمن، جيرالد فايرستاين، بمثابة الوجه العام للحملة العسكرية القاسية التي كثيراً ما تغفل أهدافها. ففي ديسمبر/ كانون أول العام 2009، تحطمت طائرة صواريخ كروز الاميركية فوق قافلة من الخيام في الجنوب في المناطق الريفية، مما أسفر عن مقتل العشرات، بينهم 14 امرأة و 21 طفلاً.

في هذا السياق، يقول فريد الزهار، أستاذ العلوم السياسية من جامعة عدن: quot;إن سقوط ضحايا من المدنيين في الغارات الجوية، سواء أكان صادراً من الولايات المتحدة أو لا، يعزز منطق وصورة تنظيم القاعدةquot;.

ويضيف: quot;في كل مرة تتسبب فيها غارة جوية بقتل المدنيين، يهب تنظيم القاعدة ليقول: أنظروا، حكومتكم لا تهملكم وحسب، بل أيضاً تسمح للأميركيين بقتل ناسكم. أي حكومة تفعل ذلك؟ هل هي حكومة تريدون أن تتعاونوا معها أو حكومة تريدون محاربتها وتدميرهاquot;؟